العدد 40 - الثلثاء 15 أكتوبر 2002م الموافق 08 شعبان 1423هـ

هندو ـ صينية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أودى انفجار جزيرة بالي السياحية في أندونيسيا بحياة 187 سائحا من أوروبا وأميركا واستراليا. وفور وقوع الحادث اتجهت الاتهامات إلى جماعات إسلامية متشددة تتعامل مع شبكة لها صلة بتنظيم «القاعدة».

حتى الآن لم تحدد التحقيقات الجهة المسئولة مباشرة وإن نجحت في تسميتها فإن التهمة الأساس تتوجه نحو جهات «أجنبية» عربية أو باكستانية أو أفغانية. فالتهمة قد تكون افتراضية أو حقيقية إلا أنها بالتأكيد ستفتح باب النقاش عن معنى الارتباط بين جماعات أندونيسية ومنظمات آسيوية تعمل في الحقل السياسي الإسلامي منذ أكثر من عقد من الزمن.

مشكلة الغرب مع الإسلام في جنوب شرقي آسيا ليست جديدة وهي تجددت في العقود الثلاثة وتطورت نحو الصدام في العقد الأخير وتحديدا بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان وتراجع طموحات الصين (الشيوعية) الأيديولوجية ونمو نزعة رأسمالية عندها تبحث عن السوق وموارد الخام.

وبسبب الفراغ الأمني الذي أحدثه الانسحاب السوفياتي وتغير استراتيجية الصين الإقليمية تبدلت الأولويات الأميركية في تلك المنطقة الحساسة وباشرت التخطيط لنظام من العلاقات يختلف عن ذاك الذي سيطر على دبلوماسية واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية.

ومع ذلك عانت استراتيجية الولايات المتحدة من نقاط ضعف عجزت خلالها في الفترة الممتدة من الخمسينات إلى منتصف السبعينات عن تطويق كل الثغرات وتحديدا شريط الدول الواقع بين الهند شرقاوالصين غربا . فتلك الدول ليست صينية بالكامل ولا هندية بالكامل، ودياناتها ليست سماوية باستثناء الإسلام وبعض الجيوب المسيحية.

إلى ذلك عانت الاستراتيجية من ضعف سياسي على المستويين: الجغرافي (فتلك المنطقة واسعة المساحة ومعقدة في تضاريسها وتكوينها الطبيعي)، والسكاني (فهي منطقة مكتظة بشريا تضم الملايين الملايين من الناس).

واجهت واشنطن دائما مشكلة في احتواء هذا الكم الهائل من الجزر المتناثرة على طول خط التجارة (المضائق والممرات المائية) مضافا إليه هذا التعدد الهائل في الأعراق والألوان والمعتقدات والتقاليد. وبسبب قلة خبرة الولايات المتحدة آنذاك مع هذا الكم والنوع من المشكلات تورطت في أزمات وسقطت مرارا في وحول ومستنقعات الحروب الأهلية والإقليمية وغيرها من مواجهات أيديولوجية مع الصين وحليفها السوفياتي. ونتيجة تورطها دفعت واشنطن الكثير من مالها ورجالها وسمعتها في فيتنام ولاوس وكمبوديا وبورما وتايلاند. كذلك لم تسلم سياستها من المواجهات السلمية في الفلبين وأندونيسيا وماليزيا... إضافة ـ وهذا هو الأهم ـ نمو وزن الهند الاقتصادي إلى جانب حجمها السكاني الهائل.

حاولت الولايات المتحدة البحث عن حليف ثابت لم تجده، واستخدمت الكثير من الوسائل لاستدراج القوى إلى معسكرها فلم تجد سوى جنرالات «الجيوش» فعقدت معهم سلسلة تحالفات مستخدمة وسائل القمع والانقلابات فنجحت في أمكنة (أندونيسيا والفلبين) وفشلت في أمكنة أخرى (لاوس وكمبوديا وفيتنام). والنتيجة هي اتخاذ الولايات المتحدة قرارها بالانسحاب من جنوب شرق آسيا في منتصف السبعينات تاركة الأمور تأخذ مجراها الطبيعي ومراهنة على عامل الزمن كمساعد يعيد الاعتبار إلى سياسة حصدت مجموعة من الخيبات.

الان تغيرت الأمور وهي أملت على الولايات المتحدة العودة إلى تبني سياسات قديمة كانت هي أساس استراتيجيتها في الخمسينات وصولا إلى السبعينات وهي التدخل مباشرة من «طريق الجيوش» واستبدال سياسة «الاقتصاد» بالنزعة الأيديولوجية، مستفيدة من غياب المنافس الدولي (الاتحاد السوفياتي، والصين) ومستغلة الطموحات الهندية - الصينية على تناقضها في كسر شوكة الإسلام ودوره التاريخي في صوغ أجزاء من شخصية المنطقة، وثقافاتها.

والعودة لابد لها من مبررات تعطي ذريعة «شرعية» لتلك الحرب «العادلة» التي تخوضها واشنطن ضد عدو وهمي تسميه «الإرهاب الدولي» بينما الحقيقة هي إعادة وضع اليد على مناطق غنية ومهمة استراتيجيا انسحبت منها سابقا اضطرارا وتعود إليها الآن كخيار تفرضه الضرورة وتقاسم المصالح مع قوتين في منطقة يطلق عليها: هندو ـ صينية.

حادث جزيرة بالي ليس انفجارا في الهواء، انه بداية سياسة تخلط الأوراق مجددا في دول فيها الكثير من الاختلاط الثقافي والعقائدي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 40 - الثلثاء 15 أكتوبر 2002م الموافق 08 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً