العدد 5237 - السبت 07 يناير 2017م الموافق 09 ربيع الثاني 1438هـ

استعراض وتوثيق لخبرات وتجارب صاحب الأعمال الذي أصبح سفيراً في مصر

«مذكرات سفير البحرين والخليج العربي في عهد الاستقلال» للبحارنة...

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يقدم كتاب الشاعر والأديب والسفير البحريني السابق، وعضو مجلس الشورى الأسبق، صاحب الأعمال تقي البحارنة «مذكرات سفير البحرين والخليج العربي في عهد الاستقلال»، أول استعراض وتوثيق لأول سفارة وأول سفير للبحرين في مصر للفترة ما بين 1971 و 1974م، ويتضمَّن مجموعة من الخبرات والأحداث والمواقف والطرائف التي مرَّت بالبحارنة الذي أصبح سفيراً لبلاده في مصر، تُغطي الأعوام الأربعة من عمله في القاهرة. كما يتناول الكتاب جوانب من الخبرات التي مرَّ بها واكتسبها في مجال الاقتصاد والتجارة.

سنوات طويلة تفصل بين انتهاء فترة عمل البحارنة كسفير؛ وبين إصدار شهادته على تلك السنوات، وما نتج عنها من تجارب ومواقف، أي نحو 32 عاماً، شهد العالم خلالها تحوُّلات كبيرة.

في الكتاب مزج بين التجربة العملية ضمن عالمين: السياسة والتجارة، يصوغها البحارنة بأسلوب رشيق، لا تكلُّف فيه. يضع الأحداث في سياقها، رافداً القارئ بالكثير من خبايا تلك الأحداث، مع استنتاجات تكشف عن خبرة السياسي، وإمكانات الأديب، من دون أن يأخذه الثاني إلى مساحات من خيال، لا تتحملها طبيعة التأريخ أو التوثيق لحقبة زمنية كان أحد شهودها، بالزعماء والسياسيين الذين ضمته معهم علاقات كانت تقوم على مبدأ التقدير والاحترام، وتقدير الكفاءة.

الكتاب قدَّم له عميد الدبلوماسية البحرينية ومؤسسها، نائب رئيس مجلس الوزراء، سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة. كما قدَّم للكتاب وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، الذي قال عن الكتاب إنه «شهادة تاريخية فائقة الأهمية على الأحداث التي عاشتها البحرين والخليج العربي عموماً»؛ إذ تحوي صفحاته شهادة «كتبها دبلوماسي أديب قادر على فرز الرأي عن الحقائق، ما يكسبه أهمية مضاعفة، ويجعله بمنزلة أرشيف حي ماثل أمامنا ولمصلحة الأجيال المقبلة، وخدمة كبيرة للباحثين والمؤرخين، وخدمة للدبلوماسية المستقبلية».

اللقاء بمحمود رياض

يبدأ البحارنة الفصل الأول من الكتاب «حينما كنت سفيراً»، من حيث انتهاء فترة عمله في مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول 1974م، عودة إلى مكتبه التجاري في شارع باب البحرين، مزاولاً عمله بالرتابة التي عرفها، من دون أن يشعر بالفارق الزمني للأربع سنوات، وكأنه تركه بالأمس.

يضعنا أمام كلمات ذكرها الأمير الراحل المغفور له صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، حين التقاه. الكلمات نفسها تلقاها من وزير الخارجية وقتها الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، ومن صاحب السمو رئيس الوزراء، وصاحب السمو ولي العهد. ويوم وداع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، في حفل أقيم على شرف الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في حديقة قصر المنتزه، وذلك في أواخر أغسطس/آب 1974.

يأخذنا البحارنة إلى لقائه وزير الخارجية المصري وقتها، محمود رياض، رفقة وزير الخارجية البحريني وقتها الشيخ محمد بت مبارك، وذلك بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول 1971، والحفاوة التي قوبلا بها من قبل الوزير، والموضوعات التي تم التطرُّق إليها، من بينها ما أبداه الوزير المصري من ارتياح مصر لاستقلال البحرين، واستنكاره معارضة ممثل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لانضمام البحرين إلى جامعة الدول العربية «وأنه نصحهم أن يتغيَّبوا عن حضور الجلسة، لأن مصر وباقي الدول العربية ستؤيد انضمام البحرين للجامعة».

يتناول الفصل نفسه جانباً من شخصية محمود رياض ومواقفه المبدئية، وإخلاصه لوطنه وعروبته، واستقالته كأمين عام للجامعة العربية احتجاجاً على تطبيع السادات العلاقات مع «إسرائيل»، وذلك في مارس 1979، وزياراته للبحرين، وعلاقته الوثيقة بوزير الخارجية البحريني وقتها. علاقة البحارنة مع رياض الشخصية والعائلية استمرت حتى يوم وفاته في 24 يناير/كانون الثاني 1992.

بداية الشراكة مع أخيه

في فصل «من التجارة إلى السفارة»، يأخذنا البحارنة إلى العام الذي رجع فيه من الدراسة في بغداد العام 1946م، وعمله مساعداً لوالده الحاج محمد بن مكي البحارنة في تجارته التي كانت تمتد «من الخليج العربي إلى الشرق الأقصى، إلى الهند وسواحل إفريقيا وبعض دول أوروبا».

بعد عامين منح الوالد كلاً من تقي وشقيقه صادق مبلغاً مجزياً لتأسيس عمل تجاري مشترك بينهما. وقتها لم يكن الأخ الأوسط حسين حاضراً؛ إذ كان يدرس الحقوق في جامعة لندن لتحضير شهادة الدكتوراه في القانون الدولي. العمل بدأ بمشروع أطلق عليه «مخزن العاصمة»، ليصبح بعدها شركة صادق وتقي البحارنة التجارية. ثمة محطات يتم المرور عليها، منها محطة صدور مجلة «صوت البحرين» في أواخر العام 1949م؛ حيث أُوكلت لمكتبهما مهمة توزيع المجلة، فعلاوة على رفد الشركة المجلة بالإعلانات التجارية، ساهم تقي البحارنة في تزويدها بالمقالات وفي مواضيع مختلفة.

في الفصل كلام على التدرُّج في العمل بفعل الاجتهاد، والشراكة التي جمعت شقيقه صادق بالمرحوم علي عبدالرحمن الوزان، وذلك في العام 1957، وتأسيس شركة وكالات الخليج العربي المحدودة، التي تحولت فيما بعد إلى شركة الوكالات العالمية المحدودة. هنالك أيضاً تناول لسنوات مبكرة، حيث كان يصحب الشقيق الأكبر صادق، شقيقه الأصغر وفي أيام الجمعة إلى مكتبة المرحوم إبراهيم عبيد (المكتبة الوطنية)، وعلاقته بالقراءة، كتباً ومجلات في تلك الفترة من تاريخ البحرين.

حديث السفارة

ينقلنا السفير السابق البحارنة إلى بدايات بلوغه نبأ الانتقالة التي سيعرفها في تاريخه المهني الآخر، الذي يبدو بعيداً عن عالم المال والأعمال، إلى عالم السياسة والشئون الدبلوماسية. حدث ذلك بعد وفاة المرحوم علي الوزان؛ حيث عهد الشقيق الأكبر لأخيه الأصغر إدارة شركتهما، كي يتفرغ لشركة الوكالات التجارية المحدودة مع نجل المرحوم الوزان، عبدالرحمن. زاره في محلهما في أغسطس 1971، يخبره بأن وزير المالية وقتها، محمود العلوي استدعاه ليخبره بأن أمير البلاد قد اختاره ليكون أول سفير للبحرين في جمهورية مصر العربية، وممثلاً لها في جامعة الدول العربية.

كانت أعمال الشقيقين تزدهر يوماً بعد يوم، وفي الوقت نفسه تظل تلبية اختيار أمير البلاد لخدمة وطنه أمراً لا يقدَّر بثمن بالنسبة إليه.

يأخذنا إلى الهواجس التي انتابته، وهو الذي لا يعرف الكثير عن السفارات والسفراء، ولم يدرس شيئاً عن البروتوكولات والمراسم والقلق المرافق لمهمة كتلك، واضعاً نفسه في الإجراءات التي سيتخذها من شراء مقر للسفارة واختيار الموظفين، والعلاقات مع بقية السفراء، وتبادل المذكرات والتقارير، في بلد لم يعش فيه من قبل وليست له فيه معارف أو أصدقاء. كان عليه أن يحسم أمره للمهمة التي اعتبرها بمثابة تحدٍّ.

هذا الجزء من الكتاب يأخذ القارئ إلى تفاصيل تتعلق بزملاء دراسته، وإلى فترة المستشار بلجريف، ونادي العروبة، وعلي التاجر وما يرتبط بتلك المرحلة، وصولاً إلى استقبال وزير الخارجية له. حديث طويل يسرده البحارنة في ذلك اللقاء.

كان على البحارنة أن يرتب أموره قبل تسلُّمه مهام عمله في السفارة، بدأها بتسليم منصبه كأمين عام لاتحاد غرف تجارة وصناعة إمارات الخليج العربي، الذي تولاه بعد ذلك رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين في إحدى دوراتها حسن زين العابدين، وإعفاء نفسه من بعض المجالس واللجان، بما في ذلك عضويته في لجنة الزكاة، ومجلس إدارة أموال القاصرين. كان عليه أيضاً ترتيب أوضاع الأعمال في دبي وأبوظبي ومدينة العين، حيث فروع الشركة، مع استرسال لقصة الشراكات هناك.

المهمة... مرسوم التعيين

في 21 سبتمبر 1971، وصل البحارنة إلى القاهرة لمباشرة المهمة التي أوكلت إليه. بعدها صدر المرسوم الأميري بتعيينه سفيراً فوق العادة مفوَّضاً، وذلك بتاريخ 12 أكتوبر من العام نفسه، والإجراءات المتبعة في هذا الشأن من تأدية القسم أمام أمير البلاد، وصدور خطاب الاعتماد بتاريخ 14 أكتوبر 1971 إلى الرئيس المصري أنور السادات، ليحط البحارنة رحاله في القاهرة بتاريخ 14 أكتوبر. بدأت مرحلة البحث عن مقر للسكن وآخر للسفارة، وما يتبع ذلك من مراحل وإجراءات. قبلها اتخذ السفير من فندق الشيراتون سكناً مؤقتاً له. محطات تتبع كل ذلك بتعيين موعد مقابلة نائب الرئيس المصري حسين الشافعي لتقديم أوراق اعتماده سفيراً للبحرين، وكان ذلك بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.

مع مطلع العام 1972 تم الاحتفال بافتتاح مقر السفارة في شارع السد العالي بالدقي، ورُفع عليها علم البحرين. تلك مرحلة ستليها زيارة السفراء والسفارات، وهي تدخل ضمن مقتضيات المجاملة التي تمهد للتعرُّف على زملاء السلك.

من بين ما لفت نظري تفاصيل اجتماع اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية، حيث كانت معرفة البحارنة الأولى بالسفير الإماراتي وقتها الراحل تريم عمران تريم، مؤسس صحيفة «الخليج» فيما بعد، والرئيس الأسبق للمجلس الوطني الاتحادي، وهو بمثابة البرلمان، حيث ناقشت اللجنة وقتها موضوع إقدام شاه إيران على ضم الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الصغرى، طنب الكبرى، وأبوموسى، تمخض الاجتماع عن بيان شجب واستنكار؛ بحسب ما كتب البحارنة.

فصل «مع السفراء والبعثات الدبلوماسية»، يدخل القارئ في تفاصيل لقاءات من الشرق والغرب، أسهمت فيما بعد إسهاما كبيراً في توطيد العلاقات بين البحرين والدول التي ينتمي إليها أولئك السفراء.

ما تناوله الكتاب

فصول كثيرة تناولها الكتاب، حملت عناوين عديدة؛ إذ يتناول الفصل الثالث من الكتاب الزيارات الدبلوماسية داخل مصر وخارجها، وفي الفصل الرابع يتناول الأوضاع العامة في مصر وأوضاع السفارة، أما الفصل الخامس، فيسلط فيه الأضواء على جامعة الدول العربية قبل حرب أكتوبر وما بعدها، أما الفصل السادس والأخير، فيفرده للمواقف المحرجة والطريفة، وكذلك عالم الصحافة.

الكتاب بصفحاته الـ 350، ثري في معلوماته، وسرده للوقائع والأحداث والمواقف، وتحول المساحة المخصصة هنا الإحاطة باستعراض تفاصيله، على رغم أهمية بعضها، والمفارقات التي تضمَّنتها، وكذلك الصعوبات. أنصح بقراءة الكتاب ربما لأهمية الوقوف على طبيعة الفترة التي أعقبت فترة الاستقلال، وتشكُّل مؤسسات الدولة الحديثة بسرعة قياسية، على رغم محدودية الموارد وقتها، وما يتطلبه إنشاء ممثليات وسفارات في الخارج من اعتمادات مالية، علاوة على تقديم السفير البحارنة خدمة وطنه بتلك المهمة على التفرُّغ لأعماله التجارية التي شهدت توسعاً وازدهاراً كبيرين في تلك الفترة من التاريخ.

تضمَّن الكتاب مجموعة من الصور النادرة لشخصيات وفي مناسبات متنوعة تحكي قصة فترات مهمة من تاريخ البحرين، والفترة التي قضاها البحارنة سفيراً في مصر، وعلاقاته بالسفراء، وأخرى في مناسبات اجتماعية وعائلية، وصولاً إلى عضويته في مجلس الشورى البحريني.

ضوء لابد منه

ولد الأديب تقي محمد البحارنة في مدينة المنامة العام 1930. تلقى تعليمه في مدارس البحرين وبغداد. درس الأدب والاقتصاد والشئون العربية والإسلامية. زاول الأعمال الحرَّة وأصبح عضواً في مجالس إدارة عدد من المصارف وشركات التأمين وغُرف التجارة والمؤسسات المالية. تولَّى منصب أمين عام اتحاد غُرف تجارة وصناعة الخليج العربي في الفترة ما بين 1969 و 1975م. صاحب مؤسسة تقي محمد البحارنة. شغل منصب سفير البحرين في مصر، ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية في الفترة ما بين 1971 و 1974م. عضو مجلس الشورى، ورئيس لجنة الشئون الخارجية في الفترة ما بين 1993 و 2002م. عُيِّن عضواً في اللجنة الوطنية لوضع ميثاق العمل الوطني، وفي لجنة صياغته في ديسمبر/كانون الأول 2000م. نائب رئيس جائزة عيسى لخدمة الإنسانية. عضو عامل في منتدى الفكر العربي - عمَّان (الأردن).

أرَّخ سيرة نادي العروبة خلال خمسين عاماً، ونشرها في كتاب صدر العام 1992. له من الإصدارات الشعرية: «بنات الشعر» وصدر العام 1996م، «في خاطري يبكي الحنين»، وصدر العام 2003، «من يضيء السراج»، وصدر العام 2009م. كما صدر له «من عيون الشعر العربي»، وصدر العام 2013. وفي السيرة الذاتية وسيرة البحرين في الزمان الأول كتاب «أوراق ملوَّنة»، وصدر العام 1998م، و «أحاديث وسيَر»، وصدر العام 2010م. نال عدداً من الأوسمة، من بينها: وسام الشيخ عيسى من الدرجة الأولى، من قبل جلالة ملك البحرين العام 2001م، وسام البحرين من الدرجة الأولى. كما حصل على جائزة مجلس التعاون لدول الخليج العربية للتميُّز في مجال السياسة والدبلوماسية العام 2015. عيَّنه عاهل البلاد في اللجنة الوطنية المعنيَّة بتوصيات تقرير اللجنة الوطنية المستقلَّة لتقصِّي الحقائق، كما تم اختياره لرئاسة فريق المصالحة الوطنية في الفترة ما بين 2011 و 2012م.

البحارنة يُهدي كتابه إلى سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة
البحارنة يُهدي كتابه إلى سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة
محمد مكي البحارنة
محمد مكي البحارنة
وزير الخارجية البحريني
وزير الخارجية البحريني




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً