العدد 5243 - الجمعة 13 يناير 2017م الموافق 15 ربيع الثاني 1438هـ

جنوب باربار: التوسع الاستيطاني في باربار

المنامة - حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

في الحلقة السابقة، ذكرنا أنه تم تحديد عددٍ من المناطق، تم ترجيح حدوث الاستيطان فيها في الفترة الإسلامية المبكرة (630م – 1055م)، وهذه المناطق هي: المحرق، وجبلة حبشي، وحول مسجد الخميس ومحيط البلاد القديم، وفي عالي، وفي سار، وفي منطقة فاران القديمة، وفي الدراز، وفي باربار، وفي جنوسان. في هذه المناطق عثر على آثار تدل على وجود استيطان فيها يعود للفترة الإسلامية المبكرة. يذكر، أنه لم يعثر على أي أثر يدل على وجود استيطان في أي منطقة أخرى في البحرين يعود للفترة الإسلامية المبكرة، ولا حتى قبور، أو حتى ذكر لمناطق أخرى غير تلك التي تم ذكرها سابقاً. هذا، وقد عثر في العديد من المناطق في البحرين على آثار ولقى آثارية تدل على وجود استيطان، لكنه يعود للفترة الإسلامية المتوسطة (1055 – 1500م)، وتلك المناطق سنتناولها بالتفصيل في حلقات مقبلة من هذه السلسلة.

كذلك، ذكرنا في الحلقة السابقة، أن بداية الاستيطان في باربار كان قرابة القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، وقد كان يتمركز في وسط باربار تقريباً، وبالتحديد، بالقرب من موقع معابد باربار الأثري؛ حيث عثر على أساسات مبنى ضخم، ربما قصر، مع العديد من قطع الفخار السامرائي. هذا، وتشير نتائج المسوحات والدراسات الآثارية، إلى أن الاستيطان في باربار أتسع شمالاً وجنوباً، حتى شمل منطقة واسعة من باربار؛ ففي الجنوب امتد الاستيطان حتى انتهت آثاره بالقرب من شارع البديع، أما شمالاً فقد كان يمتد حتى يصل قريباً من الساحل، ويشمل ذلك موقع مسجد الشيخ علي بن حماد الحالي. وتوضح الخريطة المرفقة رسماً تقريبياً موضحاً عليها المواقع التقريبية للآثار واللقى الآثارية التي عثر عليها في باربار وما حولها.

التوسع الاستيطاني جنوباً

تشير نتائج المسوحات الآثارية التي نشرها Larsen في كتابه، إلى أن الاستيطان بدأ في موقع معابد باربار في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، ثم بدأ التوسع شمال وجنوب موقع معابد باربار. في الجنوب تم مسح أكثر من موقع وجميعها متجاورة، وكلما ابتعدنا عن موقع معابد باربار جنوباً تختفي اللقى الآثارية التي تعود للقرنين التاسع والعاشر الميلاديين، وتكثر اللقى الآثارية التي تعود للفترة الإسلامية المتوسطة، وكذلك للفترة الإسلامية المتأخرة (Larsen 1983, appendix II). هذا، وقد عثرت البعثة الفرنسية في أقصى جنوب باربار على آثار تدل على وجود قرية قديمة تعود للفترة ما بين القرنين الثاني عشر والثامن عشر الميلادي.

آثار القرية العتيقة في الجنوب

في العام 1981م، وعندما كانت البعثة الفرنسية تقوم بأعمال التنقيب في تلال قرية جنوسان، والتي تعود للحقبة الهلنستية في البحرين، تم اكتشاف تلال أخرى في جنوب قرية باربار. اعتقدت البعثة الفرنسية، في بادئ الأمر، أن هذه التلال تمثل امتداداً لتلال قرية جنوسان، وعندما بدأوا بالتنقيب، تبين لهم أن الموقع عبارة عن موقع استيطان يعود للحقبة الإسلامية المتوسطة، وهو عبارة عن قرية، لا يعرف بالتحديد امتداد حدودها، وبها آثار لمسجد ضخم، ويتبع لهذا المسجد عدد من المباني الصغيرة تحيط به، وهي مبانٍ لم تتحقق البعثة الفرنسية من أهميتها (Salles et. al. 1981). كما يشير التقرير، إلى أن القرية هجرت في قرابة نهاية القرن الثامن عشر الميلادي بعد أن تعرضت القرية بأكملها لحريق كبير (Salles et. al. 1981).

وبحسب تقرير البعثة الفرنسية، فإن المسجد الذي عثر عليه في هذا الموقع، يعود بناؤه للقرن الثاني عشر الميلادي، وقد مر بعدد من مراحل التطوير؛ حيث بدأ بناء المسجد كغرفة صلاة صغيرة، وبعدها تمت توسعته على مراحل، وتمت إضافة مباني أخرى تابعة له. كما يشير التقرير، إلى أن القرية استمرت قرابة ستة قرون، حتى هجرت في قرابة نهاية القرن الثامن عشر الميلادي بعد أن تعرضت القرية بأكملها لحريق كبير (Salles et. al. 1981).

إن مثل هذا المسجد والمباني المحيطة به ليست بالغريبة على البحرين، فقد كانت تمثل مراكز تعليمية أو مدارس فقهية، ويبدو من حجم هذا الموقع، مدى أهميته، فربما كانت هذه المدرسة إحدى المدارس المركزية في تلك الحقبة.

القرية العتيقة والروايات الشعبية

أرتبط موقع آثار القرية القديمة في جنوب باربار برواية شعبية مختلف عليها، حيث يزعم البعض أن هذا الموقع كان في السابق يمثل قرية مقابة القديمة، وأن المقبرة التي بجواره تمثل مقبرة مقابة القديمة. إلا أن الرواية الشعبية لا تحدد متى أستوطن أهل مقابة هذا الموقع ومتى هجروه، كما أن هناك روايات شفاهية أخرى، تعارض هذا الزعم. ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، ترجيح أي رواية شعبية ما لم تقدم في صورة نظرية أو حقيقة علمية مثبتة، وكل ما يمكن استنتاجه أن هناك قرية قديمة كانت موجودة في هذا الموقع.

هذا، ولا نعلم بالتحديد امتداد هذه القرية القديمة، إلا أن نتائج المسوحات الآثارية تشير إلى وجود لقى آثارية جنوب شارع البديع في الجهة المقابلة لموقع هذه القرية العتيقة، أي في محيط مقبرة مقابة الحالية. هذه اللقى الآثارية تعود للفترة الإسلامية المتوسطة والفترة الإسلامية المتأخرة (Larsen 1983, appendix II)، أي أنها تعود، تقريباً، للفترة ما بين القرنين الحادي عشر والسابع عشر الميلادي، أي أنها موازية لوجود آثار القرية القديمة، وربما كانت امتداد لها.

الخلاصة

إن الاستيطان في باربار بدأ في وسطها، ومع الزمن بدأ يتسع شمالاً وجنوباً، في الجنوب، نعلم أنه يصل حتى شارع البديع حيث موقع يضم آثار مسجد ومبانٍ أخرى، أما في الشمال فيصل حتى موقع مسجد الشيخ علي بن حماد، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في الحلقة المقبلة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً