العدد 5248 - الأربعاء 18 يناير 2017م الموافق 20 ربيع الثاني 1438هـ

خطاب كيري... وقضية فلسطين

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

خطاب وزير الخارجية الأميركي الطويل يوم 28 ديسمبر/ كانون الاول2016، الذي ركز على سياسات إسرائيل الاستيطانية المدمرة لحل الدولتين، يعكس مأزق العلاقة الاسرائيلية الأميركية الراهنة والمستقبلية. جاء خطاب وزير الخارجية الأميركية، كما قالت افتتاحية «الغارديان» منذ أيام، متأخرا، لكنه ضروري في مرحلة مفصلية. ويحاكي الخطاب قيام إدارة اوباما بتمرير قرار مجلس الأمن ضد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس. إن تصفيق دول مجلس الأمن بعد القرار يؤكد الضيق الدولي من السياسة الإسرائيلية، كما والخوف من نهاية حل الدولتين.

في المقابل، فإن ردود الفعل الإسرائيلية المعادية بإصرار لأوباما، بالإضافة لردود فعل الديمقراطيين وأعضاء من قادة الكونغرس والصحافة على مواقف إدارته، تـؤكد مدى صعوبة الوضع عندما يتمرد البيت الأبيض على السياسة الإسرائيلية الاستيطانية. فإسرائيل جزء من السياسة الداخلية الأميركية.

لقد تطور حل الدولتين منذ العام 1974 في الساحة الفلسطينية وفي الوسط العالمي، وأخيرا في ظل اتفاقات أوسلو العام 1994. مشروع الدولة الفلسطينية عنى قبول الضحية الفلسطينية بحل وسط يسمح بدولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها العام 1967 والتي تتضمن القدس الشرقية. لكن بنفس الوقت لم تع القوى الفلسطينية كما والعربية المؤمنة بحل الدولتين طبيعة الحركة الصهيونية التي تتعطش للاستيطان، ولجلب مزيد من المهاجرين اليهود دون أي اعتبار لسكان البلاد الأصليين. لقد أنتجت الصهيونية في كل عقد وزمن حراكا استيطانيا أكثر شراسة من ذلك الذي سبقه. هذه هي الورطة التي عاشتها إدارة أوباما مع الاستيطان الإسرائيلي وحكومة نتانياهو. فالاستيطان لا يعرف حدودا لمشروعه، وطالما لا يوجد تحالف قوة في الطرف المقابل العربي والفلسطيني والدولي فإيقاف هذا التطرف لن يكون ممكنا.

ولتنجح الصهيونية فهي مضطرة لقمع الآراء التي تعارضها، وهذا يقع مع أدنى تعبير أميركي رسمي وشعبي، فإسرائيل تحت حكم اليمين، فالصهيونية تتصرف بقمعية مع اليهود المخالفين لتصوراتها أكانوا إسرائيليين أم يهودا أميركيين وأوروبيين. وهي تعتبرهم خارج الملة عندما لا يصادقون على سياساتها. الصهيونية بصيغتها الأكثر تطرفا، وهذا يتضمن حكومة نتانياهو الحالية، تفترض أن أدنى تنازل وقبول بحلول وسط سينهى الصهيونية والدولة اليهودية.

من جهة أخرى، هناك صهيونية أخرى تقبل بحل الدولتين، وتعتقد هذه الصهيونية، التي تمثل في هذه المرحلة آراء الأقلية الأقل، بأن بقاء غالبية يهودية في إسرائيل كما قامت عام 1948 سيتطلب عدم استيعاب العرب الفلسطينيين سكان الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة. هذه المجموعة الصهيونية التي تتخوف من دور المتدينين اليهود وصعود اليمين خسرت بصورة واضحة منذ اغتيال إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي من قبل متطرف يهودي في العام 1995.

يمثل موقف الإدارة الأميركية وبالتحديد موقف كيري الناقد لإسرائيل أحد أهم وأجرأ المواقف الأميركية منذ زمن طويل. وفي المقابل، ستكون سياسة ترامب (الرئيس الذي سيتوج بعد أيام) أكثر تعاطفا مع اليمين الإسرائيلي. ترامب سيعين سفيرا أميركيا مؤيدا للاستيطان. بل يمكن تصور سيناريو يقوم من خلاله الرئيس الاميركي الجديد ترامب بالعمل مع نتنياهو لإنهاء فكرة حل الدولتين. لكن من جهة أخرى ستكون المسألة الفلسطينية أساسية في الحراك الأميركي الاجتماعي المعارض للرئيس ترامب، وخاصة في ظل إعادة بناء الحزب الديمقراطي ضمن تصورات أقرب لرؤية ساندرز واليسار.

فرضية استمرار الاحتلال في فلسطين مبنية على إمكانية تحكم 6 ملايين يهودي بستة ملايين فلسطيني. لكن، كما يخبرنا التاريخ، للتحكم ثمن وحدود. فبينما تبقى السيطرة الإسرائيلية الفلسطينيين خلف جدران عازلة، وتحاصر غزة وتعزل القدس وتمارس العنصرية ضد فلسطينيي 1948، فهي لا تعي كم تؤسس لثورات وانتفاضات المستقبل. ثورات الزمن القادم ستفتح آفاقا جديدة في مواجهة الاحتلال والعنصرية، وهذا سينعكس مرة ثانية على التحالفات والمواقف الدولية.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 5248 - الأربعاء 18 يناير 2017م الموافق 20 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً