العدد 51 - السبت 26 أكتوبر 2002م الموافق 19 شعبان 1423هـ

وفرة المعلومات أحد شروط الديمقراطية: ساحل باربار مثالا

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

ونحن ندخل مرحلة جديدة في حياتنا السياسية نتوقف قليلا لنسأل عن مدى استعداد مؤسساتنا الرسمية لدخولها. فالديمقراطية لا تنجح ولا تتقدم إلا اذا كانت هناك وفرة في المعلومات في جميع المجالات العامة. وجميع الدول المتقدمة توفر المعلومات لمواطنيها وتستثني النزر القليل الخاص بأمن الدولة الخارجي والداخلي. وهذا النزر القليل يبقى قليلا ويبقى الاستثناء وليس الأمر الاعتيادي.

أما في بلادنا البحرين، فإن كل مؤسسة رسمية تعتبر ان كل معلومة لديها سر من اسرار الدولة العليا، ويجتهد كل موظف كبير وصغير في التحفظ عليها وانكارها واستنكار نقلها من قبل الغير.

وهذا الأمر هو الذي دفع بصحافتنا المحلية للتركيز على «الآراء» بدلا من «التغطية الخبرية». فبما ان الاخبار ممنوعة أو غير متوافرة يلجأ الصحافيون والكتاب إلى التنظير المسهب في كل صغيرة وكبيرة الا ان المشكلة في هذا التنظير هي عدم فائدته الكبيرة وخصوصا انه يوجه الانظار إلى القضايا التي تعيش في ذهن الكاتب بدلا من توجيهها إلى القضايا التي تتحرك داخل المجتمع، فعلى رغم ازدياد مساحة الحرية الصحافية في البحرين فإن القضايا المهمة تبقى خارج الدائرة العامة.

فمثلا المأساة التي يمر بها اهالي باربار حاليا هي بسبب عدم وجود الوفرة المعلوماتية. فلم يكتشف أحد ما كان يدور في الظلام ولم يلتفت أحد من أهالي باربار إلا وقد تم بيع ساحلهم، وان ساحلهم، بدأ يختفي، وان أصحاب الاراضي تسلموا البحر ودفنوه، واستمروا في دفنه حتى بعد ان اكتشف أهالي باربار ذلك وبدأوا في التظاهر والكتابة في الصحافة. وحتى كتابة هذه السطور مازالت الآت الدفن تعمل ليل نهار ولا يبدو ان هناك سلطة تستطيع ايقافهم بعد ان سلم ساحل باربار إلى مستثمرين باشروا حجب القرية وحرمان اهاليها من رزقهم وتغيير معلم مهم من معالم المحافظة الشمالية. وهكذا تبدو المأساة الناتجة عن عدم وجود معلومات والتي تحولت إلى صمت المسئولين الذين لا يستجيبون لنداءات الأهالي ولا يردون على تساؤلات عضو المجلس البلدي ولا يأبهون بمظاهرات الاحتجاج ولا بما يكتب في الصحافة.

متى تم بيع ساحل باربار؟ ومن اشتراه؟

ولماذا لا يهتم الذي يدفن الساحل بالاحتجاجات؟

ولماذا لا تتدخل سلطة بصورة فورية لايقاف حجب باربار عن الساحل كما حجبت قرى المنطقة الغربية عن ساحلها وأصبح أهالي تلك القرى يسمعون عن البحر من آبائهم وأجدادهم؟ واين الديمقراطية وماذا يعني عدم توفير معلومات كافية لعضو المجلس البلدي المسئول عن رعاية مصالح الاهالي؟ وهل نريد ديمقراطية للديكور أم نريد ديمقراطية لخدمة المجتمع؟ وهل الديمقراطية إلا المشاركة في القرار والثروة؟ فأي قرار اشترك فيه أهالي باربار عندما تم بيع ساحلهم؟ واي ثروة سيحصلون عليها بعد ان تقطع ارزاق عدد منهم؟ واي ثقافة مرتبطة بتاريخ عريق كباربار ستبقى بعد التهام الساحل؟ واي صدى حقيقي لرأي الجمهور الذي احتجّ ولم يجد من يوقف هذا الزحف الذي لم يرحم الطبيعة ولم يرحم أهل باربار؟

هل نريد ديمقراطية بين الضعفاء فقط؟

هل نستسلم لأصحاب النفوذ الخاص؟

هل نخاف من تهديد موظف في مؤسسة حكومية (سواء كان وزيرا أم مديرا أم فراشا) عندما يهدد الصحافي والصحيفة بانه سيقطع عنها الاعلانات او سيحرمها من شيء معين أو سيعاقبها ونضحي بالديمقراطية؟

اسئلة كثيرة وجادة تواجهنا ونحن نشرع في تدشين مرحلة ديمقراطية في بلادنا... والديمقراطية لن تعني شيئا الا اذا شعر المواطن ان رأيه يؤخذ به وأن مصلحة المواطن العامة فوق مصلحة المسئول ومصلحة المستثمر الخاصة... نريد عدالة في المجتمع وعدالة في الاقتصاد، وهذه العدالة تحققت لدى الآخرين عندما فسح المجال للشعب للمشاركة في صنع القرار وعندما أصبح المواطن له نفوذ في شأنه العام...

ومأساة باربار ماثلة امامنا لتعطينا اختبارا حقيقيا على مدى فاعلية المواطن ورأيه وحماية مصالحة، التي يجب أن تعلو فوق أي شيء آخر

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 51 - السبت 26 أكتوبر 2002م الموافق 19 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً