العدد 5250 - الجمعة 20 يناير 2017م الموافق 22 ربيع الثاني 1438هـ

قصة قصيرة... كوب (بطوط)

أسامة محمد إبراهيم - قاص مصري 

تحديث: 12 مايو 2017

 كان يهوي أمامها... وكأنما قد طالت اللحظة لتزيد عذابها!

عندما نزحت مع عائلتها من سورية، كانت تتساءل ماذا بقي لتعيش من أجله، وقد فقدت كل شيء؟!

ليس ثمة أموال ليحاولوا الهرب إلى أوروبا، فكان أن قضوا وقتاً طويلاً في المخيم بالبلد المجاور، قبل أن تقبل عائلة صديقتها بالمراسلة هناك أن تستضيفهم.

وكم كانت سعيدة وهي تعيش فب بيت من جديد. مزدحم بعض الشيء، لكنه أفضل بكثير.
وبدأت تتفاءل، وتفكر في طريقة للعودة إلى الدراسة، فقد بدا ممكناً أن تعود الحياة جميلة على رغم كل شيء... لكن لوقت قصير.

وسرعان ما أدركت أنه يجب دفع ثمن الإقامة، لمّا طلبها شقيق صديقتها للزواج، والحّ.
 دوماً ما تمنت ان تحيا قصة حب جميلة، تملأ كيانها... وبعد أن ضاعت أحلامها مع كل ما ضاع، لم يعد لديها سوى هذا الحلم... تسرح بخيالها، فيرتسم أمامها فارس أحلامها المستقبلي، وتجد بعض السلوى.

فكانت لا تستطيع حتى تصور نفسها زوجة لذلك الشاب الذي لا خلاق له، وكثيراً ما رأت تبرّمه من وجودهم في بيت عائلته!

كادت تثور وترفض، لكنها تذكرت المخيم، وأيام البرد القاسي وجحيم الحر هناك، عندما أوشكت أمها المريضة أن تموت... وتذكرت العمل المضنى في الحقول لقاء أجرة الخيمة، والمعيشة البسيطة.

فأطرقت لا تحري جواباً.
وسرعان ما تمت الزيجة، لتمضي بها الأيام جحيماً... هو يثور لأتفه سبب، ويضربها بسادية غريبة... يعاملها دوماً كجارية، ويهددها إن لم تنجب فسيطردها وأسرتها.

هكذا كانت تستيقظ كل يوم لتفكر في الاختفاء من هذا العالم!

أما أجمل أوقاتها فكانت حين يغيب زوجها في عمله، إنها فقط تستطيع الاستمتاع بقبس من عالمها القديم الجميل... والفضل لكوبها العزيز!
كوب مطبوعة عليها صورة (بطوط)، أهدته لها أمها وهي طفلة... وبمعجزة ما نجا طويلاً من التحطم، وكان وسط حاجيات قليلة دستها في حقيبتها، يوم أسرعت العائلة تغادر البيت.
وكما لو كانت تدخر فيه ذكرى جميلة، كل مرة شربت منه، فصار لديها ثروة... تحتاجها للغاية الآن!

كل يوم تصنع فيه الشاي... تمسكه في حنان كأنها تحتضنه، وترشف منه ببطء كأنها تقبلّه، ثم تجد نفسها تعود طفلة سعيدة، غافلة عما يخبئه المستقبل... بيتها الذي دُمّر يعود جميلاً كما كان، وصديقة عمرها التي قُتلت ماتزال حية هناك.
محلقة في عالم سعيد، تريد أن تصير مهندسة عندما تكبر، وتبني مباني جميلة... وتحلم بالحب العذب الذي ستعيشه يوماً.
وعندما يفرغ الشاي، ترجع إلى الواقع، وقد شُحنت سعادة تكفيها لتحتمل يوما آخر من تلك الحياة.
تتأمل الكوب في حب، وتشكر مخزن ذكرياتها وفرحتها!
بيد أنها يوماً كانت تعد شاي الصباح كعادتها، شاردة فيما قاله لها الطبيب... ولحظة أن وضعت الكوب، لم تدرك أنها كانت تضعه على حافة المنضدة... فهوى قلبها، وشعرت به يتحطم مع الكوب.
تدمع عيناها، وتمد يدها لتحمل القطع.
تتمنى لو لم يحدث هذا، ولكن هل يكفي أن نتمنى الشيء ليتحقق؟!
فجأة تجد القطع تتحرك، وكل قطعة تعود إلى مكانها، حتى يلتحم الكوب من غير سوء.

الذهول يغمرها، وقلبها يخفق بقوة... فتأخذ الكوب وتضمه إلى صدرها، معتذرة له، دون أن تشعر بالدماء الدافئة التي بدأت تنبجس!!!

 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً