العدد 5252 - الأحد 22 يناير 2017م الموافق 24 ربيع الثاني 1438هـ

قصة قصيرة... دموعي والعشرة جنيهات

سامي محمد عبدالفتاح - قاص مصري 

تحديث: 12 مايو 2017

كنت أشد أكمام بلوفري المهترئ كي أغطي يدي من شدة البرد وأنا أقف بموقف للميكروباصات والأمطار تتساقط فوق رأسي، ضاماً كيسي البلاستيكي الذي يحتوي على علب مناديل ورقية بين ذراعيّ، وكل أحلامي أن أبيع كل محتويات الكيس كي أعود ببعض الجنيهات الى البيت فأمي بانتظاري هي وأخوتي، انه ليس بيتا بل مجرد غرفة سقفها من الخشب الذي أكلته الشمس والأمطار بمرور السنين فوق سطح إحدى البيوت القديمة، ولكن أمي تسميها بيتاً.

تحت إحدى مظلات الموقف كان يجلس "زلومه" بمناخيره الطويلة وشعره المنكوش ينظر لي ويبتسم، كثيراً ما حثني على العمل معه ولكني دائماً كنت أرفض.  نهض زلومه من مكانه وتحرك وسط زحام الناس الذين عرضت عليهم بإلحاح أن يشتروا مني علبة مناديل ولكن كثيراً من محاولاتي فشلت فهذا نهرني وهذا دفعني عندما حاولت الاقتراب منهم. فجأة صرخ أحد الرجال وسط الزحام "محفظتي" لا أجد محفظتي. الجميع نظر لي وأشار أحدهم نحوي "هذا الولد" منذ أتيت للموقف وأنا أجده يلتصق بالناس. أقترب مني الرجل الذي فقد محفظته وعيناه تقدحان كجمرتي فحم على النار، جذبني من بلوفري، هزني بعنف، تأرجحت بين يديه، حاولت التراجع للخلف والتخلص منه دون جدوى. سألني "أين المحفظة؟" وأنا لم أستطع الاجابة من عنف هزاته لي، قلبي كان ينتفض، تقوقعت بين يديه كفأر انقضت عليه قطة شرسة.

تجمع الناس حولي ليفتتح أحدهم سيناريو تعذيبي بصفعة على وجهي جعلتني أرتطم بالأرض وبعدها لم أستطع أن أشاهد الضربات التي تنهال عليّ ولكني أحسست بمكانها على جميع أنحاء جسدي وبعد أن انتهوا من وجبتهم الشهية لم يبقَ سوى التخلص من البقايا، جرني أحدهم على الرصيف وقذفني بجانب إحدى عجلات السيارات وزنق رقبتي بين قدمه وعجلة السيارة، وآخر جردني من ملابسي بحثاً عن المحفظة، ولكنهم لم يجدوا شيئاً. تركوني ولم يبقَ شيء في جسدي يقوى على الحركة سوى عيني وهي تتساقط منها دموعي لتختلط بدموع السماء، نظرت بين أرجلهم بحثاً عن كيسي وعلب مناديلي وهم يتقاذفونها بين أقدامهم وسط مياه الامطار.

ساعات وأنا على هذا الحال ملقى بجسدي شبه العاري وملابسي ملقاة بجانبي. أتى زلومه وحملني إلى المنزل وأنا أفكر كيف أعود بدون الجنيهات؟  فهذه الجنيهات كانت ستوفر الغداء والعشاء في آخر الليل وإفطار اليوم التالي، حقاً زلومه كان كريماً معي فقد أعطاني عشرة جنيهات وأنصرف بعد أن أوصلني للمنزل.

في اليوم التالي كان زلومه جالساً في نفس مكانه بالموقف وأنا أجلس بجانبه ولكن بدون كيسي، نهضنا، تحركنا وسط الزحام، ولحظات وصرخ أحدهم "محفظتي" وبعده بلحظات صرخ آخر "محفظتي"، ولكني حينها كنت أركض أنا وزلومه بسرعة كبيرة وخوفي يزيد من سرعة أقدامي، ولم يكن يشغل تفكيري غير شيء واحد فعلوا بي ما فعلوا بالأمس ولم يجدوا المحفظة "فماذا... سيفعلون اليوم"؟





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:38 ص

      كل الاحترام لرأي زائر 1 ، ولكني رأيت أن التشبيهات أغنت النص وخدمت الفكرة.. وأسجل إعجابي بقلم الكاتب

    • زائر 1 | 2:40 م

      القصة جميلة مكتملة ولكن هناك بعض الجمل يظهر فيها صوت الكاتب مثل "ولكن امى تسمسة بيتا"ممكن الاستنغناء عن الجملة دون اخلال النص والتشبيهات لم تضيف كثيرا للنص مثل وعيناه تقدحان كجمرتى فحم ع النار ممكن الاستغناء بعض التشبيهات اذا كانت لا تخدم النص دون ذلك النص مكتمل الاركان وجميل جدا موفق اخى

اقرأ ايضاً