العدد 5253 - الإثنين 23 يناير 2017م الموافق 25 ربيع الثاني 1438هـ

قصة قصيرة... مواعدة

المواعدة شيءٌ متعب، وأنا رجل يحب أن تأتيه الأمور على رويّة، وعلى تمهّل، فلا أعلم ما هي مشكلة هذا الجيل الجديد، يبدو أني لا أستطيع التأقلم معه.

أذكر أني احببت فتاة لم تكن من عشيرتي، مثقفة ومن الطبقة المتوسطة، وهو أمر نادر الحدوث في هذه القرية المترعة بالأقاويل والمحظورات، تعلمت منها أشياء وعادات لطالما كانت محظورة لدي، كأن ألتزم في مواعيدي، وأن أستعمل على غير العادة هذا الاختراع الذي يسمى "مشط" على رأس مثقل بمثبتات الشعر يومياً. كما أني ومذ عرفتها لم أعد أتسكع في "سوق الحرامية" ذاك السوق الشعبي الذي احتلته فيما بعد البرجوازية الصاعدة بمحالها التجارية الضخمة مستغلةً فترة التسامح السياسي بداية الألفية الجديدة والتي قضت على أحلام كثر من المهربين والمعدمين ممن كانت هذه القطعة العشوائية هي مصدر انتفاعهم الوحيد.

لكنني أحببتها، وكثرٌ هم الذين تحاسدوا لمواعدتي لها، كنت أرى ذلك في أعينهم، وهو من الحوادث الطبيعية هنا، فليس في هذه القرية شيء لم يتحاسدوا عليه ولم يتنازعوه حتى "السمعة، الصحة، والراحة" كل ذلك.

أعتقد أن ذلك بحد ذاته تمرد واضح، وبما أن عروقي تنتفخ بدم عشيرة بدوية لا تستطيع أن تميز بين اللحم الرديء واللبن الخالص حدث أني لم أتورط أكثر في هذا التمرد العشقي الفاضح، ولم أستمر معها طويلاً، فهي لا تحب هواياتي، لا تحب ما أقوم به من جمع المفاتيح القديمة وعلب الكبريت الفارغة، وتعتبر "اصطياد الحمام" ليس بذي قيمة في هذا المجتمع، كانت تهينني بذلك، وأكثر ما يمقتني أنها على خلاف الفتيات هنا تمشي برشاقة، وتدور حول نفسها برشاقة، و لطالما حاولت أن أتلوى مثلها بمرونة مقلداً، لكنني ابن عشيرة تحتم على شبابها أن يقصدوا في مشيهم.

كما أنها تفضّل القانون والشرطة في استرداد حقوقي، وأنا لا أحبذ رفقتهم. فقد طلبت مني ذات مرة أن اتصل بهم كي يحققوا فيمن سرق منزلي، وعندما وصلوا وفتحت لهم الباب، ذعروا ورفعوا مسدساتهم في وجهي يصرخون (لازال اللص هنا... ارفع يديك).

أرجو ألا يُفهم كلامي بطريقة عنصرية سيئة، لكنها مشكلة أن تكون المذنب والمدان على الفور في نظر السلطة فقط عندما يحكمون عليك من سجل عشيرتك الغارق بالمشاكل والخطايا الأخلاقية والقانونية، أو من الندوب والشدوخ التي تركتها الحياة في وجهك وجسدك.

مع ذلك فهي تحب هذه الندوب، وهو الشيء الوحيد الذي أخبرتني أنها تحبه في علاقتنا طوال تسعة شهور مضت.

أتذكرها الآن وأنا أصطنع الهدوء والسكون، لكن من الحق أنه ليس في هذه الحرب اليوم وهذا الخراب الذي شاركت يداي في صنعه أطيب وأعمر قلباً وأنبل نفساً منها، فما أن تركتها حتى استشرفت نفسي مشارف القلق والتوتر، لذا أتذكرها اليوم بالذات لأني أهملت في الحرب ما لا ينبغي أن يهمله أحد وهو "الحب".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:55 م

      قصة جميلة وممتعة وواقعية في نفس الوقت اتمنى لك التوفيق

اقرأ ايضاً