العدد 5260 - الإثنين 30 يناير 2017م الموافق 02 جمادى الأولى 1438هـ

بوابة مدرسة في البحرين

طالبات في مدرسة الإرسالية الأميركية
طالبات في مدرسة الإرسالية الأميركية

هذا المقال الذي كتبته روث جاكسون مأخوذ من العدد «222»، المؤرخ شتاء 1950 من مجلة «أريبيا كولنج» Arabia Calling التي تصدرها الإرسالية الأميركية في الخليج.

من كل جهة تصل إليها، البنات الصغيرات بملابسهن الملونة والبنات الأكبر سناً المتشحات في عباءاتهن السوداء. تفتح البوابة لهن جميعاً وواحدة تلو أخرى يدخلن، إلى عالم جديد، حياة جديدة ستتأثر بعمق بما يحدث داخل البوابة. من أين يأتين؟ من البيوت الغنية وأكواخ الفقراء، من العائلات العربية والفارسية واليهودية والزنجية. الترحيب هو نفسه لكل واحدة وخلال البوابة لا يحدث تمييز. الكثير منهن تقودهن أخواتهن أو صديقاتهن الأكبر، أخريات متشبثات بخجل بأمهاتهن. نجيّة تضع يد ابنتها الصغيرة في يدي وتقول: « هل تتذكرين كيف كان عملنا صعباً، أنت وأنا، لأقناع عائلتي بالسماح لي أن أكمل السنة الدراسية وأحصل على الدبلوما قبل أن أتزوج؟ أتمنى يا ربي أن تحصل ابنتي على تعليم أكثر مني». أم أخرى تقول: «هذه طفلتي. إنها بيدكِ الآن. افعلي ما تشائين بها»، وأم ثالثة تبادر: «أحضرت ابنتي إلى هنا بدلاً من المدرسة القريبة لأنني أعلم بأنكم ستهتمون بها كما لو أنها ابنتكم وتدربوها لكي تكون فتاة صالحة.»

يقرع الجرس. الآن كلهن اصطففن في الساحة وينظرن إلى وجوهنا بينما نحن نقف على العتبات أمامهن. حتى الطفلات الصغيرات يستطعن المشاركة في أغنية «عيسى يحبني» أو أنشودة «الرب هو الراعي». لنأخذ بعض اللمحات من داخل الفصول. هن مهتمات أكثر بعمل الإنجيل؟ هنا الصف الرابع. الطالبات لم يعدن يدرسن قصصاً منفصلة كالصغيرات لكنهن يتلقين معرفتهن الأولى بمعاملة الله المستمرة لأطفال «إسرائيل» ثم الأحداث التالية في حياة عيسى. إنهن مجموعة نشيطة، مليئة بالأسئلة ومتعطشة للمعلومات. يندهشن حينما يصل التطبيق الشخصي إلى مفاهيمهن.

الصف الخامس أكثر جدية. في كتابهن الدراسي (ملك الحب) يدرسن معنى حياة وتعاليم المسيح، والقصة الكاملة لموته التي غالباً ما تجلب الدموع إلى عيونهن، ومجد القيامة. أما الصف السادس وهو أعلى صف فيدرّس فيه كتاب الإنجيل بأكمله وتعلّم استخدامه. لقد أحبّت البنات عمل الإنجيل وغالباً ما يشكرنني على الدرس.

ربما نجد الطالبات في الصف الثاني يكتبن صلواتهن الصغيرة الخاصة لاستخدامها في طقوس الكنيسة، والأخريات يتعلمن أشعاراً وترنيمات بالذاكرة ويكررن القصة التي روتها لهن المعلمة. وماذا عن الدروس الأخرى؟ نعم تستطيعين أن تريها جميعها، القراءة والكتابة والإنشاء والجغرافيا، إلخ. يطلب منكِ أن تتحدثي خصوصاً عن موضوع الصحة والنظافة حيث نكافح مع المعرفة الكم الكبير من الخرافات والمعتقدات والممارسات التي تعلمنها خارج البوابة.

جرس آخر يدق. هل الصخب مفتوح؟ لا إنها فترة استراحة فقط. فألعاب مثل قاعدة السجين ولعبة القفز ولعبة العلامة والرافعات، تجري مباشرة في الساحة الكبيرة. البنات الأكبر سناً يمشين ذراعا بذراع أو ربما يجلسن على العتبات وهن يشتغلن في أعمال التطريز أو الحياكة. أعمالهن اليدوية ستعرض لاحقاً في معرض المدرسة. مجموعة تتجمع عند صيدلية العيادة للحصول على قطرات عين أو زيت كبد السمك، وأخرى تتوجه إلى المستشفى لعلاج خاص. أربع خريجات من المدرسة يعملن هناك وسيستقبلنهن وربما يكن البنات اللواتي يتابعن العلاج بعد وصفه. ثم ترجع الفتيات على أمل أن يحظين بوقت للعب. في هذه الساعات تتعرف البنات في الساحة على بعضهن البعض ويتصادقن مع الأخريات من جميع الأعراق. يتعلمن تناوب الأدوار ووضع الأخريات في الاعتبار، وأن يلعبن بعدل والأهم من ذلك أن يحببن بعضهن البعض. هنا تتشكل الصداقة المستمرة بين الفتيات اللواتي لا يسمح لهن أبدا بمعرفة الأخرى خارج البوابة.

هل يتعلمن أيضاً العطاء بأنفسهن وممتلكاتهن؟ نعم، هنا القصاصات التي تصنعها الطالبات الصغيرات للأطفال في المستشفى، وبنات الصف الثاني قررن أن يعطين كل دفاتر رسمهن حينما ينتهين منها لمرضى المستشفى. بعضهن يخطن الملابس أو يحكنها للفقراء. قبل الكريسماس تُعد الديكورات للمدرسة لكن حينما تبدأ الإجازة يحملنها جميعا للمساعدة في تزيين أجنحة المستشفى. أما الصف الثالث فقد أعد برنامج الكريسماس للمرضى، والصف الرابع أرسل ملصقا بالكريسماس إلى فرع المستشفى في قطر. وفي فصل الربيع الأخير حينما دمرت النيران أكثر من ثلاثين كوخا حتى أفقر طفل ساهم في العطايا التي قدمت لهؤلاء المعدمين واستطعنا أن نجمع ثلاثين دولاراً ساعدنا بها عدداً من العائلات.

أخيراً يأتي اليوم الكبير لتلك القلة المحظوظة، البالغ عددهن من ست إلى عشر من البنات اللواتي أنهين الدورة. جميعهن يرتدين ملابس متشابهة، سعيدات وفخورات ومتوترات، يجلسن على المنصة المواجهة لقريباتهن وصديقاتهن. سيقدمن برنامجاً جميلاً ويستلمن دبلوماتهن المرغوبة ويغنّين أغنيتهن المدرسية في وداع. فخورات وسعيدات وسيعبرن من البوابة بعد أن يقبّلن يدي بخجل على النمط القديم كتعبير عن التقدير والشكر.

هل ستغلق البوابة عليهن بعد ذلك؟ لا، ستكون البوابة دائماً مفتوحة على رغم أن البعض قد لا يسمح له بالعودة. ربما يتزوجن سريعاً ولفترة من الوقت على الأقل يبقين منعزلات. لكن معظم المتخرجات من المدرسة سيسجلن كعضوات في نادي المدرسة. في عصريات الاثنين سيدخلن من البوابة ويستمتعن مرة أخرى بزمالتهن في العمل واللعب. أنشطتهن متنوعة، مجموعات العمل للفقراء أو المستشفى، برنامج لتسلية الضيوف وإمتاعهم، رحلات في الطقس الحار وأحيانا أفلام أو شفافيات من قصص الإنجيل أو أفلام تعليمية.

هل أخبركِ عن بعض هؤلاء البنات؟ بجانبكِ (ناظمة) التي كانت واحدة من التلميذات الأوائل في المدرسة والآن لديها ابنتان يدرسن فيها. لقد نجحت في حياتها وأعطت هدايا سخية للإرسالية بالإضافة إلى الصداقة المخلصة. بجانبها تجلس ثلاث أخوات، اثنتان منهن كانتا مدرستينا في وقت ما. الكبرى تزوجت بحسب العادات القديمة لكن الثانية كانت ترتدي ملابس بيضاء ومحاطة بوصيفات الشرف وبنات الأزهار (لكن لا يوجد ضيوف ذكور!). أما الصغرى فقد رجعت للتو من الحج مع أمها وأصبحت الآن حاجّة. وماذا عن الفتاة الشابة الجميلة المقابلة لنا؟ إنه يجعل قلبي مسروراً أن أرى ابتسامتها وسعادتها بين صديقاتها مرة ثانية. فمباشرة بعد تخرجها تزوجت، وعلى رغم كون زوجها ابن عمها إلا أنه لم يكن طيباً معها ولم يسمح لها أبدا بالخروج من البيت، حتى لزيارة أمها. وبعد مضي بضعة أشهر طلقها لكنه طلب حضانة الطفل حين يولد وأن يجلب مباشرة إليه. ومع أنها أصرت على أن تحتفظ بالطفل خلال فترة رعايته إلا أن عائلتها شعرت بأن الانفصال سيكون حينها أصعب ورغبت في تزويجها مرة ثانية بسرعة. لذلك عاش الطفل بعيداً عنها دون حتى أن تراه. الآن هي عروس مرة ثانية، مرصعة بالجواهر. وحينما أعربت لها عن تمنياتي بزواج سعيد أجابت: (حسناً، سنرى)، ثم أضافت بابتسامة: (على أية حال، أستطيع أن آتي إلى النادي الآن وقد افتقدتكم كثيراً). وماذا عن الفتاة التي جلبت لكِ الشاي للتّو؟ إنها واحدة من اليتامى التابعات لنا التي هجرتها عائلتها لدى ولادتها في مستشفانا. لقد تخرجت من مدرستنا وتم تعميدها في عيد الفصح وانضمت مع زميلتيها المسيحيتين إلى الكنيسة، وهي الآن تحت التدريب في المستشفى.

تمنيت لو أنكِ زرتِ بيوت بعض هؤلاء الأمهات الشابات ورأيتِ مدى التناقض بينها وبين العديد من البيوت التي حولها. والأكثر من ذلك تمنيت أنكِ ربما تتحدثين بحميمية مع بعضهن وتستشعرين كيف أن التدريب المسيحي قد شكل أهدافهن وصاغ حياتهن وحجم تعاليم المسيح التي دخلت إلى قلوبهن وقبلنها. وعلى نحو متكرر نكون مثبطين لأن الكنيسة المرئية في الجزيرة العربية صغيرة جدا لكنها تعطي أحياناً لمحات عن عمل الروح المقدس في هذه الحيوات حيث نثرت البذور وتم ريها وحيث الله وحده يستطيع أن يأتي بالزيادة. دعنا نبتهل بأن العمل الصالح الذي بدأه فيهن سوف ينهيه وأنه سيكون هناك الكثير من هؤلاء اللواتي سيدخلن في تلك البوابة الضيقة التي تهديهن إلى الحياة.

مهدي عبدالله - قاص ومترجم بحريني
مهدي عبدالله - قاص ومترجم بحريني




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً