العدد 5264 - الجمعة 03 فبراير 2017م الموافق 06 جمادى الأولى 1438هـ

بهْرَم لم يأتِ مُكمَّماً... جاء فرحاً منفتحاً

بهرم حاجو
بهرم حاجو

عباس يوسف - كاتب وفنان تشكيلي 

تحديث: 12 مايو 2017

افتتح وكيل وزارة الداخلية لشئون الهجرة والجوازات والاقامة، الرئيس الفخري لجمعية البحرين للفنون التشكيلية، الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة، على صالة مركز الفنون يوم الخميس (19 يناير/ كانون الثاني 2017)، معرض الفنان بهرم حاجو «مكمماً لا حوار»، الذي يستمر حتى 19 فبراير/ شباط 2017. المعرض نظّمته هيئة البحرين للثقافة والآثار، بالتعاون مع السفارة الألمانية لدى المملكة؛ حيث شهد حضوراً لافتاً، تقدّمته مدير إدارة الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة، والسفير الألماني الفريد سيميز بورتس وعدد من السفراء والدبلوماسيين، إضافة إلى عدد من الرسامين والمتابعين والمهتمين بالشأن الثقافي في البحرين.

قال لي: «فرحت كثيراً حين عرفت أني مرشح لعرض أعمالي في البحرين»، مضيفاً «فرحت لكثر ما سمعت عن البحرين... عن طِيب أهلها... تواضعهم... حبهم للثقافة وشغفهم بالفنون، فرحت لأني سأعرض أعمالي إلى جمهورها للمرة الأولى. والذي أعلمه، أن الكثير من الفنانين والمهتمين يعرفون تجربتي الفنية، فرحت لأني سألتقي البساطة في الشارع والمقاهي والأحياء الشعبية وسألقى التواضع والحفاوة العالية من كبار المسئولين في المملكة، هكذا نقل لي الأصدقاء وهذا ما لمست وعايشت.

لا توجد لغة حوار بين بني البشر/ بين الرجل والمرأة، بين رجل الشارع والمثقف، بين المثقفين والفنانين أنفسهم، بين الإنسان العادي والسياسي... الخ، لغة معدومة لذا تجد شخوصي مُكمّمة وفي أغلبها مولية غير مكترثة وتعطيك ظهرها تعبيراً عن استخفافها ورفضها للغة الحوار. أنا فرح لأني تحاورت مع الكثير من الأصدقاء الفنانين حول الكثير من القضايا المتعلقة بالفن... باللوحة ذاتها... وبكيفية الرقي بمستوانا وبالهم الذي نعيشه كفنانين ولاسيما في منطقتنا.

بشخوصه المعروفة وتكويناته التي تعيش وتتعايش في فضاء خلفياته المقتصدة لونياً، وجوه أشكال من الوهلة الأولى، هي تشبه هؤلاء الناس. هذا الكون وعلاقاتها المتنافرة التي تصل حدّ التناحر، بشر تظهرها خطوط سوداء... جريئة... سريعة... عفوية... قوية... وصارخة في أحيان أخرى تبرز صراحة التعبير. بهرم حاجو الذي مرّت تجربته الفنية بمحطات ومحطات اجتازها واستقر به الأمر ومنذ سنوات في التعبيرية الواقعية التي مازال يتغذى منها روحياً وفنياً حتى معرضه الحالي المعنون «مكمماً لا حوار». قلت له: يا بهرم لم تأتِ مكمّماً... جئت فرحاً منفتحاً، ابتسم واستسلم لسكونه وهدوئه.

الاختزال اللوني

صحيفة «الوسط» استمزجت آراء بعض الفنانين حول المعرض فكتب الفنان عبدالجبار الغضبان: «إنها تعبيرية واقعية تستند في تأثيرها البصري والمعنوي على حركات وأشكال لتوصل المعنى بشكل غير مباشر للمشاهد. ترسم في مضمونها إشارات واضحة للمضمون الذي أراد الفنان بهرم أن يوصلها عبر الصمت والهدوء الدائم في اللوحة من خلال الشخوص التي يرسمها في حركات واضحة ومحدودة تعبر عن الصمت الذي هو أكثر بلاغة في توصيل المعنى، ويقابله في الجانب الآخر المعنى العميق لرفض ما هو مغاير للواقع الذي تنتشر فيه مظاهر القمع الفكري الإنساني والتطور الحضاري للجوانب المضيئة عند الإنسان، كالحب والعاطفة والجمال، تلك تعبيرية حقيقية بكل معنى الكلمة تجسدت في شخصية وحيدة هي شخصية الإنسان التي تتكرر بوجوه وحالات مختلفة لتختصر المشهد والحدث والرفض القاطع، وما يريد أن يطرحه الفنان من أفكار، هذه الأفكار التي ركزت في عمقها الفني على قدرة الفنان في رسم شخوصه بطريقة بليغة وذلك لارتباط الرسم بمفهومه التعبيري القوي في تشخيص الجسد الإنساني وتحويله إلى طاقة إبداعية معبرة من خلال التأكيد على الخطوط الصارمة في تحديد معالم الأشكال والاختزال اللوني الذي يقتصر على لونين أو أكثر مستفيداً من عمق التأثيرات الجرافيكية التي تركز على اللون الأسود والمساحات الرمادية متدرجة نحو بياض يميل إلى الرمادي. في جانب آخر من المشهد الذي قدمه الفنان بهرم حاجو قدرته على رسم الوجوه المعبّرة التي تملأ مساحة اللوحة وتخفي الكثير من ملامحها التي تتلاشى لكي تركّز على حركة العينين من أجل المزيد من التأثير على قوة التعبير ولفت انتباه المشاهد، إلى التقنيات المستخدمة في أعماله، على رغم شحة الالوان وبهرجتها واعتماده على ترك مساحات مكشوفة من قماش اللوحة. هذا التعمد المقصود يدل دلالات قوية على ان أهمية التعبير والتأثير اللوني ليس الأساس فبهذا التقشف استطاع أن يوصل أفكاره الجمالية في أعماله الفنية، تلك التقنية التي نستطيع أن نعتمد عليها في توصيل الأحاسيس والمؤثر البصري لم تكن ذات أهمية؛ لولا قدرة الفنان على رسم الهدف الأساس في مخيلته، وأهمية الرسم الذي يقتصد في خطوطه وفي تلميحاته اللونية كأساس لأسلوبه المتميز».

تنقُّل الوجه في اللوحات

أما الفنان الشاب حسن الساري فقد فقال: «تتسم أعمال الفنان بهرم حاجو بالواقعية التعبيرية المؤطرة بالغموض في معظم أعماله التي تكاد تكون لوناً واحداً لولا بعض التداخلات اللونية التي تكسر تلك الحالة.

للوهلة الأولى تستشعر عندما تقع عيناك على نتاجه الفني أنها تتوقف عند بعدها الأول أو البعد الواحد ولكن لا يمكنك إلا أن تتغلغل في الجوانب المخفية التي تستنطق الحالة الشعورية مع التأني في الملمس الذي تعامل معه الفنان، فالهدوء الذي يسيطر على انفعلاته في المساحات الواسعة من البياض لا تخلو من محطات داكنة وغامضة وخشنة أيضا تكسر كل ذلك الشعور بالراحة المتمثلة في البياض واسع الانتشار أو الاستفهام المكرر في ملامح العينين المحدّقة فيك تارة، وتارة أخرى إلى أبعد من إطارها الزمني والمكاني... حالة فضول واضحة للمتلقي عند مشاهدة وجه الفنان يتنقل في جميع اللوحات وبأي صيغة كانت إلا أنه مفروض على الحدث، وشاهد على كل الحالات والتقلبات المجتمعية وكأنها كاميرا رصد للحدث تجعلك دائم الاستفهام دائم التطلع لمعرفة ما يرمي له الفنان من كتل تحمل تأويلات متعددة مع شخوصه المتحركة في أعماله».

فنّ لا يغادرك بمغادرة المعرض

المساهمة الأخيرة قدَّمها الفوتوغرافي والروائي حسين المحروس الذي كتب: «خرجت من معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية الثاني والأربعين بلا شيء! بدا لي هذا أسوء معرض منذ انطلاقه في العام 1972م، ربّما بفعل فرض اللوحات الثلاث ممّا جعل أكثر الفنانين يجهدون أنفسهم لوضع قصة من مشاهد ثلاثة فيها! سيكون عليهم تسخير الاستعارات والمجازات البصرية مضاف إليها مجازات النص المتخيّل مع ضرورة تجربة ذكية في التكثيف! اللوحات لم تظهر هذه القدرة أبداً، واكتفى أكثرها بالكميّة التي تتزايد في كلّ لوحة! أمّا الفوتوغرف فجاء أكثر بؤساً! والاستثناء منها نادر! عندما نغادر معرضاً تشكيلياً يحدث لنا في الغالب شيء من الانتشاء والفرح بسبب مرورنا على جماليات لونية مصاغة في معان يبدو لنا أننا نعرفها ولا نعرفها! وأنّ الفنان رسم شيئاً من داخلنا وصار يعرّفنا به وبأنفسنا. بعدها يبدأ التحريض اللذيذ على طرح الأسئلة على النفس والتقلّب في تلك المعاني. حدث ذلك لي عندما غادرت معرض الفنان بهرم حاجو «مكمّماً لا حوار» المقام حالياً في مركز الفنون. قدرة فلسفية وفنيّة فائقة في تتبع السلوك البشري المكمم في كافة دروب الحياة واتجاهاتها، بتقنية ترك قماش اللوحة(Canvas) بلا تلوين ليعبّر عن الجسد البشري. ليس ثمّة وجهة سياسية خالصة في هذه اللوحات، وتتعدى ذلك إلى التكميم في كلّ وسائل التواصل البشري ولا ينسى ذلك الحادث في التواصل غير اللفظي، الجسدي الحميمي أو حتى وسائل التخاطب غير اللفظية، وهو في الغالب أكثر من الكلام! شخوص ينظرون إليك مباشرة وهم في حالات تكميم عديدة ومختلفة. التكميم يعني الإغلاق، أي الموت! والحوار يعني قدرة الشخص على محادثة نفسه، وبالتالي على التفكير. نعم هناك سياسة في لوحات حاجو لكنّها «سياسة الرؤى وليست سياسة الأحداث»، قاسم حداد في (أيّها لفحم يا سيدي). سياسة الفنّ الذي لا يُعنى بحدث ينتهي، ولا فعل يمرّ فتنتهي اللوحة معه! هذا فنان عميق فاذهبوا وابحثوا في لوحاته عن السرّ الذي يجعل منها فنّا لا يغادرك بمغادرة معرضه»!





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً