العدد 5264 - الجمعة 03 فبراير 2017م الموافق 06 جمادى الأولى 1438هـ

القرية الإسلامية المبكِّرة ما بين الدراز وباربار

التنقيب في عين أم السجور العام 1956 (Glob 1968)
التنقيب في عين أم السجور العام 1956 (Glob 1968)

المنامة - حسين محمد حسين 

تحديث: 12 مايو 2017

تناولنا في الحلقة السابقة الآثار الإسلامية المبكرة في كل من قريتي باربار وجنوسان، كما تطرقنا بصورة ثانوية إلى آثار الفترة الإسلامية المتوسطة (1055 - 1500م) في تلك المناطق.

يذكر أن التركيز الأساسي هنا حول الآثار الإسلامية المبكرة، والهدف من ذلك وضع نموذج أولي حول الاستيطان في البحرين في تلك الحقبة، أما تفاصيل الحقبة الإسلامية المتوسطة فسنتناولها بالتفصيل لاحقاً، ضمن مقالات تستهدف بناء نموذج التوسع السكاني في الفترة الإسلامية المتوسطة. هذا، وقد تم التطرق إلى الآثار التي تعود إلى الفترة الإسلامية المتوسطة والتي توجد في المناطق التي تطرقنا إليها سابقاً؛ لأنها تقع مجاورة لآثار الفترة الإسلامية المبكّرة، وربما تمثل التوسع السكاني للمناطق المبكرة، بمعنى، أن هذه المواقع الأثرية تكمل بعضها بعضاً.

وعلى رغم وجود بعض المواقع الأثرية التي يوجد بها تتابع في الطبقات الأثرية وتبين بوضوح عملية استمرار الاستيطان وتوسعه، إلا أنه من الصعب بلورة نظرية واضحة تكون مرجحة حول عملية التوسع السكاني بين الفترتين الإسلاميتين المبكرة والمتوسطة. أما أسباب ذلك، فتتمثل أساساً في غياب عمليات التنقيب الممنهجة في العديد من المواقع الأثرية الإسلامية، والاعتماد، في الغالب، على نتائج المسوحات الأثرية التي قامت بها كل من البعثة الدنماركية والبعثة البريطانية، ويضاف لها المسوحات الأثرية التي قام بها Larsen بصورة منفردة (Larsen 1983, appendix II). ويضاف إلى تلك الأسباب أيضاً، اختفاء جزء من الآثار الإسلامية تحت الطرق والمباني الحديثة. كل تلك الأسباب تقف عائقاً حول معرفة العلاقة بين الآثار الإسلامية المبكرة والمتوسطة، باستثناء تلك المناطق التي يوجد بها تتابع للطبقات الأثرية والتي تشير بوضوح إلى تتابع الاستيطان والتوسع السكاني.

هذا، وتمثل غالبية مواقع الآثار الإسلامية المتوسطة، مواقع استيطان جديدة، باستثناء في المواقع التي تتداخل أو تتجاور فيها مع الآثار الإسلامية المبكرة، حيث يصعب فهم هذا التداخل أو التجاور. وقد شهدنا مثل هذا الوضع في المناطق التي تطرقنا لها منذ بداية سلسلة هذه المقالات، وهي عالي وسار وباربار وجنوسان. والوضع ذاته يوجد في المواقع الأثرية الإسلامية التي تقع بين الدراز وباربار، فمنها ما يعود إلى الفترة الإسلامية المبكرة وتقع بصورة أساسية غرب موقع عين أم السجور، ومنها ما يعود إلى الفترة الإسلامية المتوسطة وهي تنتشر ضمن المنطقة التي تقع بين قريتي باربار والدراز وتمتد من شارع البديع جنوباً حتى شاطئ البحر شمالاً.

القرية الإسلامية بين باربار والدراز

تشير نتائج المسح الآثاري للبعثة الدنماركية إلى وجود منطقة أثرية مهمة تقع في الطرف الشرقي لقرية الدراز وتمتد غرباً في قرية باربار، وجنوباً، تمتد من شارع البديع إلى شمال قريتي باربار والدراز، وكان يوجد في هذه المنطقة الشاسعة، بحسب وصف Bibby، العديد من التلال الرملية، والتي كانت مغطاة بآلاف القطع من الفخار؛ ما يدل على أن هذه المنطقة كانت في السابق مدينة كبيرة (Bibby 1956)، (Bibby 1970, p. 67).

ومن أهم المواقع الأثرية التي تم الكشف عنها في هذه المنطقة، معبد الدراز، الذي يعود إلى الحقبة الدلمونية، وموقع عين أم السجور، والذي يعود أيضاً إلى الحقبة الدلمونية. هذا، وقد نقبت ثلاث بعثات في موقع عين أم السجور وهي: البعثة الدنماركية في الخمسينات، والبعثة البريطانية في السبعينات، والبعثة اليابانية التي نقبت في الموقع طوال ثلاثة مواسم بين الأعوام 1991 - 1995م. وقد كان تركيز تلك البعثات ينصب على الآثار التي تعود إلى الحقب الدلمونية. إلا أن عين أم السجور، بلا شك، استمرت في التدفق حتى الفترات الإسلامية، ومن المرجح أن قرية إسلامية نشأت حول العين قرابة القرن العاشر الميلادي؛ حيث تشير نتائج المسح الذي قامت به البعثة الدنماركية غرب عين أم السجور إلى وجود موقع إسلامي عثر فيه على لقى أثرية تعود إلى الفترة ما بين القرنين العاشر والرابع عشر الميلاديين (Larsen 1983 appendix II).

عين أم السجور والذاكرة الشعبية

من أشهر الروايات الشعبية حول عين أم السجور هي رواية ردم العين في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان بن الحكم (685 - 705م)، وهي رواية لا يوجد ما يؤكد صحتها، وهي أقرب للخيال منها للحقيقة. إلا أنَّ عين أم السجور استمر تدفقها منذ الفترة الإسلامية المبكرة. هذا، ولا نعلم بالتحديد إلى أية فترة بقيت العين تتدفق، غير أن تقرير البعثة اليابانية للموسم 1993 / 1994م يشير إلى شهادات مهمة لبعض كبار السن من قرية الدراز والذين يتذكرون وصف العين ومواقع قنواتها المختلفة والأراضي التي تستفيد منها، أي أن العين كانت تتدفق حتى النصف الأول من القرن العشرين (1994, p. 10). هذا، وقد زعمت بعض العامة أن «عين أم السجور» كانت من أعظم عيون البحرين في السابق، كما زعموا وجود عددٍ من القنوات المائية التحت أرضية المرتبطة بها (Andersen and Hojlund 2003). وفي بعض الروايات الشفاهية التي لايزال البعض يتداولها، أنه كانت لهذه العين قنوات ضخمة جداً تمتد منها وتصل إلى مناطق بعيدة ومنها ما يصل حتى منطقة رأس الرمان.

هذه الشهادات، وإن كان بعضها مبالغ فيه، تتفق مع الاسم الذي أطلق عليها وهو عين «أم السجور»، والذي ربما أطلق عليها بسبب كثرة السجور فيها أي كثرة القنوات الفرعية التي تخرج منها. فكلمة السجور، ومفردها سجر، هي مصطلح معروف في وسط الجزيرة العربية وتعني «السواقي المتفرعة من قناة العين الرئيسية وهي أصغر منها» (المشوح 2009, ص 56). وهي لفظة واردة في كتب اللغة، جاء في معجم تاج العروس (مادة سجر): «الأَسْجَرُ: الغَدِيرُ الحُرُّ الطِّينِ... وتَسْجِيرُ المَاءِ: تَفْجِيرُه حَيثُ يريد».

الخلاصة، أن هناك قرية نشأت حول موقع عين أم السجور وذلك قرابة القرن العاشر الميلادي واستمرت حتى القرن الرابع عشر الميلادي. كما أن هناك عدداً من المواقع الأثرية الإسلامية والتي تقع شمال هذا الموقع وتمتد وصولاً إلى مسجد أبو صبح، وجميعها تعود إلى الحقبة الإسلامية المتوسطة. وربما تمثل هذه المواقع امتداداً إلى القرية المبكرة، أو أنها تمثل توسعاً لاحقاً، وهو ما سنناقشه بصورة منفصلة عندما نتناول تفاصيل التوسع السكاني في الفترة الإسلامية المتوسطة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً