العدد 5264 - الجمعة 03 فبراير 2017م الموافق 06 جمادى الأولى 1438هـ

من تاريخ الجيوش في دول الإسلام الكبرى

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل يومين آثرتُ أن أستعرِض دور القبائل في الصراعات السياسية التي عاشها المجتمع العربي والإسلامي، وكيف كان لتلك القبائل أدوار مختلفة في الدولتين الأموية والعباسية؛ بل وحتى في الدول التي تَلَتَ ذلك. وربما من المهم أن نستعرض اليوم صورة أخرى من الصور المنسيّة في تاريخنا العربي والإسلامي، وهي المتعلقة بدور الجيوش والجند في التمرّدات العسكرية، أو ما نصطلح عليه اليوم بـ «الانقلابات العسكرية» وتغيير الأنظمة أو عزل حاكم والإتيان بآخر وإقامة التحالفات.

هذا الأمر مهمّ جداً؛ لأنه يجعل المرء يُعيد النظر في المفاهيم التي سادت عن الدولة الأموية (على سبيل المثال)، وتحديداً البيئة العسكرية الشاميّة، وكيف أنها بُنِيَت على أسس من التراتبية والعقيدة التي تمنع حدوث تمرّد عسكري كما كان يقال، وهو ما ظهر خطؤه.

ففي اللحظة التي قُتِلَ فيها الوليد بن يزيد بن عبدالملك على يدي جنوده، ثار جنود مماثلون على الخليفة الجديد «يزيد بن الوليد بن عبدالملك (ابن عمّه) الذي لم يحكم سوى 6 أشهر، ثم جاءت ثورة الجند على مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الذي انتهت به دولة الأمويين.

دعونا نستعرض ما ذكرته كتب التاريخ بشأن هذا الأمر. فقد سجّلت لنا المصادر كيف فَتَكَ الجند بيزيد بن أبي مسلم بعد أن ولاه يزيد بن عبدالملك على إفريقيا، وهو يهمّ بقتل محمد بن يزيد، قبل أن يأتيها بشر بن صفوان الكلبي عامله على مصر.

ويذكر المقريزي في المواعظ، أنه لما ولّى المأمون العباس بن موسى على الصلاة والخراج، أساء الحسين بن عبيد الأنصاري السلوك مع الناس. وعندما قام بحبس المطلب ثار الجند عليه. ثم أضاف أن السري بن الحكم بن يوسف وُلِّي بإجماع الجند، وعندما حُبِس أخرجه الجند ونصروه. وكذلك الحال مع سليمان بن غالب بن جبريل البجلي عندما وُلِّي على الصلاة والخراج بمبايعة من الجيش.

وقبل ذلك كانت المصادر التاريخية تشير إلى أن الجند في مصر ثاروا بعد أن وُلِّي محمد الأمين بعد أن صار الحسن بن التختاح والياً على الصلاة الخراج. ويشير ابن خلدون في تاريخه ما وقع مع إبراهيم بن الأغلب عندما بعث ابنه عبدالله إلى طرابلس، فتمرّد عليه الجيش بل وحاصروا داره، ولم يفكّوه إلاّ بعد أن يخرج منها منهزماً فخرج.

وفي أخبار الدولة الطولونية يذكر النويري أن ضباط الجيش عند خمارويه تمردوا عليه قائلين له: «لا نرضى بك أميراً، فاعتزلنا حتى نولّى الإمارة عمّك». والذي يظهر من أسباب ذلك، هو ما قيل عن أن خمارويه بدأ في تقريب عديمي الخبرة وبدأ يسمع إليهم وتأليبه على القادة، وهو ما يعني أن التداخل ما بين السياسي والعسكري كان قائماً في تلك الفترة وما قبلها.

وأشار النويري كذلك في نهاية الأرب بشأن مقتل أبى يوسف البريدي، فيقول لما قَتَلَ أبوعبدالله البريدي أخاه أبا يوسف لم يمكث الأول سوى 8 أشهر بعد قتلهِ أخيه، ليستقر الحكم بعده لأخيه أبي الحسين؛ لكن هذا الأخير أساء السيرة فانقلب عليه الجنود، وأرادوا قتله فهَرَبَ إلى هجر فنصّبوا بعده أبا القاسم بن أبي عبدالله.

كما جاء أنه وبعد مقتل الآمر بأحكام الله أبي علي، تمرّد الجنود ونصّبوا ابن أحمد بن الأفضل كتيفات. وفي تاريخ بن خياط ذُكِرَ بأنه وخلال تولية الفضل بن روح ثارت الجنود يتقدمهم قائد من هراة يُدعى عبدويه، فتمكن من الفضل وقضى عليه وتملك في البلاد.

وقد استمرت مثل هذه الأمور حتى القرون الهجرية التي تلت الدول الكبرى في الإسلام. ففي سيرة الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاوون الذي حَكَمَ مصر في السنة الـ 764 هـ يذكر المؤرخون أنه وبعد أن ساء حكمه في اللهو والنساء وتبذير المال «اتفق الأمراء والأجناد وأصحاب العقد والحل» على خلعه وفعلوا ذلك ونصّبوا أخاه المظفّر.

كذلك وجدتُ في الكامل لابن الأثير أن حركة عمارة بن أبي الحسن اليمني وعبدالصمد الكاتب والقاضي العُوَيْرِس وداعي الدعاة ضد صلاح الدين الأيوبي في مصر كان فيها ضباط وجنود من عسكر صلاح الدين (وكذلك من حاشية القصر).

أيضاً ذكر ابن الأثير في حياة أبناء محمود بن سبكتكين الملقب بـ يمين الدولة بعد وفاته أن ابنه مسعود الذي كان بأصبهان ذهب إلى خراسان لترتيب الأمر، إلاّ أن مَنْ استخلفهم بأصبهان من الجنود وأصحابه ثاروا عليهم في عملية تواطؤ. وعندما دبّ الخلاف بين مسعود هذا وأخيه محمد كان بعض جنود الأخير يميلون إلى أخيه مسعود، لذلك، وما إنْ تجهَّز الجيشان للقتال حتى قام بعض جنود محمد بالثورة عليه وتقييده وحبسه في منطقة تسمّى تَكْنَابَاذ وهي بين الهند والصين.

في المحصلة، فإن تتبع مثل هذه الأخبار يعطينا صورة أخرى من صور المجتمع العربي والإسلامي في تلك الفترة، ولطريقة عمل الدول والتحالفات التي كانت تجري. ولأن صفات الشعوب عادة ما تكون متجذرة حتى بعد حين، فإن قراءة ذلك المشهد يصبح ضرورة حتى بعد مضي دول ورجال.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5264 - الجمعة 03 فبراير 2017م الموافق 06 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:06 ص

      الآن حاطين ايدهم مع الاعداء كلمن تحمق ربط دولته مع الصهاينة اليهود للحماية من عدوه كآن الصهاينة هم اخلص ناس بالعهد والميثاق وهم كما ذكر الله في كتابه ليس لهم امانة ولا عهود ولا ميثاق يسلمونك عند الوثبة ياقل الاثمان "" ولن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم ""

    • زائر 2 | 11:45 م

      قتل وقتل واغتيل ما هذا التاريخ الذي لا نجد فيه الا سماع كلمات سفك الدماء والقتل والاغتيال ...
      ويش هالمآسي التي ورّثوها لنا

    • زائر 1 | 10:25 م

      مقال تحليل تاريخي كبير وعميق جدا ينم عن حكمه صحقيه نادرة ربي يحفظك ابوعبدالله تاج راس كل مواطن غيور

اقرأ ايضاً