العدد 5265 - السبت 04 فبراير 2017م الموافق 07 جمادى الأولى 1438هـ

غياب التخطيط

جميل المحاري jameel.almahari [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حتى الآن لا توجد قناعة كافية لدى المسئولين لاستحداث وزارة تُعنى بالتخطيط الاستراتيجي المستقبلي، ليس في البحرين فقط؛ وإنما في أغلب الدول الخليجية على رغم ما مرت به هذه الدول من تجارب قاسية، خصوصاً في السنوات الأخيرة مع انخفاض أسعار النفط وعجز الموازنات العامة، ما أدى إلى تآكل الاحتياطات التي جُمعت خلال سنوات طويلة أيام الرخاء.

وحتى الآن لم يستمع أحدٌ لآراء المختصين بضرورة تنويع مصادر الدخل، وخلق صناعات بديلة تساهم في دعم الناتج المحلي الإجمالي، فما زالت دولنا الخليجية تعتمد على النفط بدرجات كبيرة تتعدّى في بعضها 95 في المئة.

الخبراء يحذّرون منذ فترة طويلة من انتهاء عصر النفط كونه المصدر الأساسي للطاقة، وقد بدأت بالفعل الكثير من الدول في إيجاد مصادر طاقة بديلة متجدّدة، ومع حلول العام 2040 ربما سيكون العصر الذهبي للنفط قد ولّى إلى غير رجعة، كما ولّى العصر الذهبي للفحم الحجري.

في حديثٍ لي مع أحد أعمدة الاقتصاد ورجال الأعمال في البحرين أخبرني بقصة مؤلمة حين نعي أبعادها. يقول رجل الأعمال: «كنت ضمن وفد تجاري يضم أكبر رجال الأعمال والتجار الخليجيين في زيارة لجمهورية الهند، وكان من ضمن جدول أعمال الوفد لقاء مع رئيس وأعضاء غرفة التجارة والصناعة الهندية، خلال الاجتماع جلس رئيس غرفة الهند وهو يضع رجلاً فوق أخرى، وكأنّه لا يأبه بالجالسين أمامه... كان يكلّمنا بكل تعالٍ وعنجهية».

هل تعلم ماذا قال خلال الاجتماع؟ قال لنا: «أنتم في الخليج تستوردون أطفالنا ونساءنا للخدمة لديكم في منازلكم، وتستعبدونهم وتذلونهم مقابل مبالغ بسيطة تتكرّمون بها عليهم كرواتب، ولكني أقول لكم إن ذلك لن يدوم إلى الأبد، فما هي إلا سنين بسيطة حتى ينفد نفطكم، أو أن يكون بلا قيمة، وحينها نحن من سنقوم باستيراد أطفالكم ونسائكم للعمل لدينا كخدم في منازلنا».

بالطبع كان كلاماً مقيتاً وصادماً، ولكن إن لم نخطّط لمستقبل أبنائنا منذ الآن، ونبني اقتصاداً يرتكز على الإنتاج، ونخلق صناعات بديلة عن النفط، فليس من المستبعد أن يؤول الأمر إلى ما ذكره هذا الشخص المتعجرف.

لسنا في وارد الرد على مثل هذا الكلام، بأن لدينا ومنذ القدم جينات من الكرامة والعزة تجعلنا نفضّل الجوع على الامتهان، حتى قيل في القديم «تموت الحرة ولا تأكل بثديها»، ومع ذلك فما نراه من بوادر لإفقار الناس من خلال رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية، ورفع أسعار المحروقات والكهرباء والماء، وفرض المزيد من الرسوم والضرائب، ووقف العلاوات وتجميد الرواتب وفي أحيان كثيرة خفضها، وأخيراً فرض ضريبة القيمة المضافة التي ستستقطع 5 في المئة من رواتب المواطنين ولو بصورةٍ غير مباشرة من أجل تخفيض النفقات العامة للدولة، ودعم الموازنة من جيوب المواطنين، ينبئ بسنين عجاف لا يعلم مداها غير الله.

ولذلك ما لم تكن هنالك خطط استراتيجية مستقبلية تضع الأهداف ووسائل تنفيذها، وما لم تكن هنالك مشاريع ضخمة لتنويع مصادر الدخل، وما لم تكن هنالك نية صادقة لوقف الهدر الهائل من المال العام، فإنه من المؤكد أن النتائج ستكون كارثيةً على الجميع.

منذ الآن يجب أن يكون المواطن ومستوى دخله وحياته المعيشية في صدارة الاهتمام عند إصدار أي قرار أو فرض أي رسوم إضافية، وليس العكس كما يحدث الآن، والأهم هو أن تكون فرص العمل الموجودة محصورةً على المواطنين، كما يجب البدء في الحد من تدفق العمالة الأجنبية، ووضع سقف أعلى لعددها، والاستثمار في القطاعات الإنتاجية بدلاً من التركيز على قطاع الإنشاءات والمباني الناطحة للسحاب، التي لن تجد من يستأجرها إن سارت الأمور على ما هي عليه.

إقرأ أيضا لـ "جميل المحاري"

العدد 5265 - السبت 04 فبراير 2017م الموافق 07 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 1:01 ص

      استاذي العزيز نبي انعرف نعتمد على شنو مثلا الزراعه او صناعة السيارات او ماذا او ماء الورد والزعفران وزيت الزيتون وزعتر مثلا لا الجو معتدل للزراعه ولا مياه متوفره

    • زائر 3 | 12:46 ص

      غياب التخطيط وازدهار التخبيط
      تقول ضاربتهم أم الديفان مو عارفين شنو يسوون

اقرأ ايضاً