العدد 5268 - الثلثاء 07 فبراير 2017م الموافق 10 جمادى الأولى 1438هـ

كي لا نحاور أنفسنا

هناء بوحجي comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في أحد المؤتمرات النسائية التي نُظمت بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، حيث غلب الحضور النسائي على الرجالي، وكان القلة المتواجدون من المسئولين في المؤسسات العامة والخاصة قد أتوا تلبية للدعوة والمجاملة، حتى بدا شكلهم غريباً بعض الشيء وسط الحضور النسائي الكثيف، تحدثت عدد من الحاضرات عن المصاعب التي تتعرض لها النساء في مسيرتهن المهنية، والتي تستنفد طاقتهن وتعيقهن عن التقدم، والأعباء الملقاة على عواتقهن كنساء عاملات وزوجات وأمهات يطمحن لتحقيق القيمة من وجودهن في الحياة وفي المجتمع كالرجل تماماً.

وعندما انتهين، علّق مدير إحدى الشركات وأبدى استغراباً من أن هذه الموضوعات التي تراها المرأة مهمة وأساسية وبحاجة لتفهم الطرف الآخر سواء أكان زميلاً أو مديراً في العمل أو زوجاً في المنزل تطرح في قاعة مغلقة، في حين أنها لابد من أن تطرح في جلسات يدعى لها «الطرف الآخر» لكي يتعرفوا على وجهات النظر المختلفة، والصعوبات التي ترى المرأة أنها تبطئ أو تعرقل مسيرتها وتقدمها، وقد تحرمها من فرصة المساهمة بكامل قدراتها وطاقتها كفرد في المجتمع. وقال: «الشكوى في مثل هذه القاعة المغلقة، تشبه «التحلطم» الذي لا يقصد منه سوى التنفيس مع البقاء في الدائرة المغلقة نفسها».

هذا الوضع يتكرر دائماً في الكثير من المنتديات التي تقيمها الكثير من منظمات المجتمع المدني، وتناقش القضايا المزمنة والمستجدة، وتطرح فيها خبرات وتجارب أعمار طويلة غنية بالخبرة والحكمة؛ لكن لا يكون لها صدى في عملية التغيير المأمولة، وذلك لاقتصار الحضور على الأفراد أنفسهم الذين يناقشون هذه القضايا أصلاً فيما بينهم؛ لأن كياناتهم تأسست أصلاً من أجل هذه القضايا التي يتخصصون فيها، ولغياب جيل الشباب الذي من أجله يرتجى التغيير لتجنيبه التعرض للأوضاع ذاتها التي مر بها هذا الجيل، وربما أضاعت منه فرصاً مهمة بسبب عراقيل مختلفة قد تكون قانونية أو مجتمعية.

مثال على ذلك كان الوضع في منتدى «المرأة في صراعها الطويل» الذي نظمه الاتحاد النسائي البحريني قبل نحو أسبوعين، إذ كان الحضور مقصوراً على مجموعة مألوفة من الوجوه المهتمة بالشأن النسائي، وغالبيتها من فئة المنتصف عمريين الذين كان واضحاً أنهم قد قضوا عمراً طويلاً يعملون في المجال نفسه، وبالتالي فالجمهور الموجهة له رسائل المنتدى وخبرات المشاركين هو مشبع أصلاً بما سيقال له، وربما يحمل خبرات مشابهة، وبالتالي فلا يتوقع أن يكون هناك نقاشاً ثريّاً، ولا أصوات مختلفة، أو ربما متمردة تفتح في الحوار آفاقاً جديدة وتضفي عليه نكهة أخرى.

المنظمون قالوا إنهم لم يدخروا جهداً في توجيه الدعوات للكثيرين من الشباب؛ ولكن هذه الدعوات لم تلقَ أي تجاوب.

بعد المنتدى مباشرة كنت على موعد مع غداءٍ عائلي، كان بين أفراده فئات عمرية مختلفة من المراهقة حتى الثلاثينات ومن الجنسين. طرحت بعضاً ما تناوله المنتدى الذي كنت قد غادرته للتو، وتساءلت عن ظاهرة عدم حضور الشباب لمثل هذه المنتديات التي تتناول موضوعات تهمهم، وقد يكون لآرائهم ومقترحاتهم دور في لفت الأنظار لقضاياهم ومتطلباتهم.

البعض لا يعرف عن أي معاناة يتحدث المنتدى؛ لأنه ليس على تماس مع ما يدور في المجتمع، ولم يبلغ مرحلة الاصطدام التي تجعله يبحث في الأسباب، البعض وجد ما أتحدث عنه آتياً من كتب التاريخ الذي يستهوي، حتى على مقاعد الدراسة فقط القلة من المهتمين. الغالبية، وهم ليسوا إلا نموذجاً قد لا يكون ممثلاً عن الجيل بأكمله ولكنه لابد وأن يعطى مؤشراً بدرجة ما عما يدور في عقل الجيل الجديد، قالوا إنهم لا ينتظرون المجتمع أن يتغير لكي يسمح أو لا يسمح بمجرد التفكير في التغيير.

التواصل كان صعباً للتعرف على الآراء لأن عدم الوعي بوجود وبهدف مثل هذه المنتديات وبأهمية موضوعاتها يجعل الآراء غير واقعية.

الواضح أن الفجوة صارت تتسع بين الأجيال بسرعة التغييرات في كل المجالات المحيطة، وبالانكشاف على ثقافات جديدة، وهذه الفجوة قائمة بدرجات مختلفة سواء في مجتمع العائلة الصغيرة أو في المجتمع الأكبر المحيط. والحل لتجسيرها سيحتاج بالتأكيد للدخول في مجتمع الجيل الجديد للتعرف على ما يدور في رأسه، والبحث عما يغريه بالمشاركة وبالاهتمام بالموضوعات التي تقام من أجل تسليط الضوء عليها، المنتديات، كي تكون جزءاً من مكونه الثقافي واهتماماته، وكي لا تهدر الخبرات التي بنيت على مدى السنين وتصبح كالثروة التي يجمعها الأب لكنها يورثها لأبناء لا يعرفون الطريق إليها.

إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "

العدد 5268 - الثلثاء 07 فبراير 2017م الموافق 10 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:08 ص

      لان مثل هذه المنتديات بطابعها مملة وطويلة..يجب التغيير ومواكبة هذا العصر التكنولوجي للوصول للجمهور المستهدف بطرق ذكية وفعالة..
      لو استخدموا فكرة دعاية فكاهية ع الانستغرام مثلا سوف يكون حضور الناس اقوى
      ومع العلم اني لست من الحاضرين:)

    • زائر 1 | 12:16 ص

      روعة كعادتك. هناك خلل في الرصد من قبل الجهات المسؤولة عن عملية التغير. فعلاً النقاش في قاعات مغلقة يشبه ما يسمى بالتحلطم. اتذكر كيف نهضت ماليزيا مثلا. كيف وصلت فنلندا الى اعلى مستوى في النظام التعليمي. عملية رصد المعوقات صحيحة. تحياتي ام عطاء

اقرأ ايضاً