العدد 63 - الخميس 07 نوفمبر 2002م الموافق 02 رمضان 1423هـ

مكتبة الإسكندرية منارة الفكر والحضارة

في الأمس القريب تم افتتاح مكتبة الاسكندرية بمصر في ردائها الجديد. والمعروف أن الإسكندر الأكبر هو الذي أنشأ مدينة الاسكندرية. وهذا الاسكندر المقدوني الذي تلقى علمه على يد أرسطو وأرسطو بدوره تعلم على يد افلاطون واكتسب الاسكندر حب مصر لأن أساتذته تلقوا علومهم من جامعة أون «عين شمس»، ولقد تلقى افلاطون علمه من مصر والتقى علماءها ورأى حضارة وادي النيل، وعندما فتح الاسكندر مصر أمر بإنشاء مدينة الاسكندرية، وكلف المهندس دينوقراطيس بتأسيس مدينة الاسكندرية والذي قام بتخطيط الشوارع عمودية ومتوازية على شاطئ الاسكندرية. ومن الطريف في حكاية تخطيط المدينة أن قاموا عند التخطيط بوضع دقيق مصري فجاءت الطيور بكثرة لتأكله ففرح العلماء والاسكندر وأبلغوه بأن هذه المدينة ذات شأن وستصبح من أنبل المدن وستصبح مرضعة حوض البحر الأبيض المتوسط وذلك رمز إلى أنها ستكون مرضعة العقول.

بعد موت الاسكندر تولى بطليموس الأول الذي بدأ في عهده بناء المكتبة وأتمها بعده ابنه بطليموس الثاني وبعد الانتهاء من بناء المكتبة في العام 290 قبل الميلاد أصبحت مكتبة الاسكندرية منارة للعلم في العالم القديم وأقبل عليها طلاب العلم من كل مكان، وبعد تدهور اثينا تم شراء مكتبات ارسطو وأفلاطون وتم إيداعها في مكتبة الاسكندرية بجانب آلاف البرديات المصرية القديمة وكانت المكتبة تحتوي على حوالي سبعمئة ألف مخطوطة أصلية قدمت إلى للعالم مرادفات للإنسانية في كل العلوم ووضع في المكتبة مؤلفات أصلية عن أبو الهندسة اقليدس ونظرياته الهندسية الأولى، كما وضع ارشميدس دراساته عن الحجر الرقمي للهرم وعلوم الرياضيات وغيرها الكثير من علوم الطب والفلك والفلسفة وعلم الجماد وعلم النبات والحيوان وكانت الدراسات تلقى في منفلوطية القديمة، وتحت حركة ترجمة الكتب من العربية إلى اليونيانية والعكس وكان يقابل المكتبة في الحي الملكي الفنار القديم والميناء الذي كان مصدرا مهما للتجارة واتصال الثقافات وكان يفرض على كل سفينة قادمة تنزل في ميناء الاسكندرية بأن تحضر ما معها من مطبوعات أو كتب أو مراجع أو حتى خرائط أصلية، ثم يتم عمل نسخة طبق الأصل منها ثم ردها إلى أصحابها ويروى بأنها بلغت ما يقارب من نصف مليون كتاب تشكل مصادر للعلم والمعرفة وكانت مصدر إشعاع للنور والمعرفة في العالم القديم واستمرت هكذا لمدة 700 عام حتى قامت الحروب ونشأت فيها الحرائق ويتهم في ذلك يوليوس قيصر الذي جاء لينقذ كليوباترا ويساعدها على تولي عرش مصر وذلك في العام 48 قبل الميلاد. ويروى ان مارك انطونيو قدم ما يقرب من 200,000 كتاب هدية لها وتعويضا لها عما فقدته المكتبة في الحريق.

وبعد مرور حوالي أربعة قرون أي في العام 412 ميلادية تم هدم المكتبة بالكامل على يد الأسقف ثيوثيلوث.

ومن المعروف أن كليوباترا كانت تعطي من يقوم بترجمة كتاب يصل وزنه إلى 20 كيلوجراما تعطيه عشرين كيلوجراما من الذهب. وبعد مجيء عمرو بن العاص فاتح مصر وبداية العصر الإسلامي لم تكن المكتبة موجودة بفعل الحروب والحرائق التي نشبت فيها.

بعد تلك الفترة الكبيرة من النسيان تذكرها العلماء الذين يعرفون قيمتها وتوالت النداءات العام 1986 لإعادة بنائها مرة ثانية وبدأت الفكرة على أيدي أساتذة جامعة الإسكندرية وان تكون إقامتها في المكان نفسه «البروكيون» أي الحي الملكي للامبراطورية اليونانية القديمة التي كانت ملتقى الثقافات والديانات بين الحضارات في العالم القديم.

وتبنّت الفكرة سوزان مبارك وقامت برعايتها وتمت مخاطبة جميع الهيئات والشركات الهندسية العالمية لإنشائها وتقدم لها ما يقرب من 1400 تصميم من 77 دولة وتنافست الشركات على نيل شرف إقامة ذلك الصرح الحضاري العالمي، وتم اختيار تصميم لشركة نرويجية قدمت التصميم الذي يتمتع بأسلوب معماري رمزا للدمج بين الأصالة والحداثة من حيث الشكل وأصالتها من حيث قدم وعراقة الفكرة الموجودة قديما ولسمعتها العالمية وقيمتها العلمية. وشاركت في التكلفة المنظمة الدولية للعلوم والثقافة والفنون اليونسكو.

وعندما ننظر للقيمة المعيارية للمكتبة نجدها أصبحت نموذجا لتراث الغد وهي عبارة عن شكل دائري مائل نسبيا يرتفع تدريجيا وهو مائل تجاه البحر ويحيط بالشكل الدائري جدار ضم 4000 قطعة من حجر الجرانيت المنقوش عليه جميع أحرف لغات العالم هكذا منذ القدم وكأن المكتبة جاءت لتخاطب جميع أبجديات العالم. وقد تم تقطيع الأحجار الخاصة بالجدار بالطريقة نفسها التي اتبعها الفراعنة قديما. والشكل الدائري للمكتبة غير مكتمل وهو عبارة عن اسطوانات مائلة حتى تصل من أحد أطرافها المائل تحت مستوى البحر ما يقارب ارتفاع طابقين تحت الأرض وتبدو من أعلى وكأنها قرص شمس دائم الإشراق وإمالة السقف بجانب قيمتها الجمالية فلها قيمة نفعية وهي وصول أشعة الشمس إلى كل قاعات المكتبة وروعي في تصميم المكتبة أن يصل ضوء الشمس إلى كل مكان في المكتبة حتى عن طريق غير مباشر، ويرتفع مستوى المكتبة عن سطح الأرض بحوالي 33 مترا فوق سطح البحر و12 مترا تحت الأرض وهو ما يمثل 11 طابقا. وللمكتبة 9 مستويات أعلى سطح الأرض وطابقان تحت مستوى سطح الأرض.

والقرص الدائري للمكتبة غير مكتمل ويمر من خلاله كوبري يربط بيد المكتبة وجامعة الاسكندرية ويسمى «كوبري التاريخ» كناية ورمزا لقراءة آفاق المستقبل وذلك لإطلالها على البحر الأبيض المتوسط مباشرة في شكل مقطع اسطواني مائل والتي بدورها تصل بيد عبق التاريخ وآفاق المستقبل بحيث يتواجد الفرد وكأنه داخل ساحة للحضارات.

كما يوجد بجانب القرص والكوبري شكل كروي عملاق ويسمى بالقبة السماوية وهي تحفة معمارية من الخارج وتمت تقنيتها بأحدث الطرق العالمية في البناء المعماري وهي عبارة عن شكل كرة أرضية معلقة تلقي على من يشاهدها الدهشة والتعجب لقوتها المعمارية وهيئتها الشكلية الغاية في الروعة الهندسية التي يحتويها التصميم الداخلي لها، ويتم فيها عروض تقدمها المكتبة إلى المكتشفات العلمية الحديثة في علم الفلك ونظرياته من خلال التعليق الجيد المدروس مصحوبا بالمؤثرات البصرية.

كما تضم المكتبة متحفا للوثائق يضم حوالي 50 ألفا من المحفوظات المقروءة والصوتية والوسائل المتعددة النادرة والتي تسجل تاريخ الفكر والثقافة بجانب القاعات الخاصة بالخرائط والدوريات وقاعات للموسيقى والفنون التشكيلية، والتراث. وتحتوي المكتبة على أكبر قاعة اطلاع مفتوحة في العالم وتضم حوالي 3 ملايين كتاب ومن المنتظر ان تحتوي على 8 ملايين كتاب، كما تكتسب المجموعات المهداة للمكتبة من الإصدارات القديمة والنادرة والفريدة قيمة عالية، وقد تم إهداؤها من أصحابها الأصليين حيث فقدت تلك الطبعات وتوالت المنح من جميع الرؤساء والملوك والأدباء، وتوجد أماكن لحفظ الكتب الكترونيا حتى يسهل الحصول عليها، كما قدمت اسبانيا وبعض الحكومات مخطوطات نادرة ليتم عرضها داخل المكتبة كما تم تزويد العرض بنظام الكمبيوتر لتصفح المخطوطات الموضوعة داخل المكتبة.

كما توجد بحيرة صغيرة من الماء أمام مبنى المكتبة لتعكس فكرة التصميم بأنها الشمس التي تسطع وتضيء النور للعالم أجمع.

والمكتبة أقيمت بمنطقة السلسلة بحي الشاطئ بمدينة الاسكندرية الموقع القديم نفسه للمكتبة وتوجد بالاتجاه الآخر قلعة «قاتيباي» ذات الطراز المملكوي التي أقيمت بدلا من الفنار القديم الذي كان يعد قديما من عجائب الدنيا السبع

العدد 63 - الخميس 07 نوفمبر 2002م الموافق 02 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً