العدد 65 - السبت 09 نوفمبر 2002م الموافق 04 رمضان 1423هـ

هل تحرم دمشق واشنطن من «الحصان» الكردي؟

يصوب المراقبون في بغداد هذه الأيام انظارهم إلى دمشق إذ يحل فيها زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني تلبية لدعوة من المسئولين السوريين في الوقت الذي يوجد فيها حليفه اللدود زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني الذي يواصل لقاءاته مع كبار المسئولين في دمشق.

كان الطالباني قد صرح موضحا أسباب الزيارة «ان خطورة الوضع دفعتني إلى المجيء إلى سورية للتشاور مع حلفائنا الاستراتيجيين في الوضع العام للمنطقة». ولعل مسألة التشاور السوري مع الزعماء الأكراد يمكن ان تفهم بصورتين: فهي إما ان تكون تعبيرا عن استعداد دمشق للتواصل معهم في ظل هوس الادارة الاميركية لشن الحرب على العراق وتغيير النظام السياسي فيه، وباعتبار ان الاكراد احد الاطراف التي يمكن ان تستعين بهم الادارة الاميركية لتحقيق اهدافها هذه، وبالتالي تريد دمشق الوقوف على الافكار التي يحملها الأكراد بخصوص دورهم وموقعهم ضمن جملة التغييرات بما يعني ذلك من موافقة سورية مبطنة على العمل العسكري الاميركي، او ان تكون من قبيل الضغط على الاكراد لاقناعهم بحتمية التراجع عن مشاركة واشنطن في خططها الحربية.

التقييم الارجح لدى المراقبين في بغداد، ان ما تقوم به دمشق في مجمل تحركاتها السياسية يستهدف اعاقة الجموح العسكري الاميركي. يقول الخبير المتخصص في العلاقات العربية العربية في كلية العلوم السياسية جامعة صدام حميد عبدالله «ان اول شيء يجب ادراكه هو ان دمشق أخذت تبني علاقاتها مع العراق بهدوء وتقيمها على اساس خريطة مصالح مشتركة تبدأ بالاقتصاد ولا تنتهي بالسياسة بل تتمفصل حول شبكة متماسكة، إلى الحد الذي تنظر فيه دمشق إلى العراق كونه عمقا استراتيجيا لها، بحيث ان العلاقة الوثيقة بين الطرفين جعلتهما يشتركان في مخاوفهما من فوضى التغييرات الإقليمية، لهذا يتميز الموقف السوري في موضوع العراق والضربة الاميركية المرتقبة ضده بأنه أكثر المواقف العربية وضوحا في معارضة هذه الضربة ورفضها، وأكثرها قلقا إزاء مخاطر الحرب والنتائج التي ستترتب عليها».

ومعظم المحللين العراقيين لا يختلفون في هذا التقييم، فهم يرون ان نتائج أي عمل عسكري يضعف السلطة في بغداد ستتمحور نتائجه نحو إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وبداية احتمال قيام دولة كردية مستقلة. وفي كل الاحوال فالامران يقلقان سورية التي تضم غالبية كردية في أراضيها (يبلغ تعداد الأكراد في سورية نحو مليوني شخص). وهذا ما يدفعها إلى تنسيق مواقفها في هذا المجال مع تركيا وايران الرافضتين لقيام الدولة الكردية، وهذا ما يدفعها أيضا إلى استمرار اتصالاتها وتنسيقها مع أكراد العراق تحت سقف وحدة وسيادة الأراضي العراقية مع الاستعداد لتقبل فكرة تمتع الأكراد في العراق بنوع من الحكم الذاتي الموسع.

وفي المجمل ترى دمشق ان حربا اميركية ستصب في مصلحة اسرائيل. ولهذا فإن سورية تبدي قلقا متزايدا ازاء التغييرات اكثر من باقي الدول. ولعل التطورات التي جرت على صعيد الاقليم الكردي (لا سيما تلك المتعلقة بمشروع الدستور الفيدرالي الذي يطرحه الاكراد وبدأ برلمانهم بمناقشته) توحي بأن الاكراد يأخذون مسألة التغييرات المرتقبة في النظام السياسي العراقي على محمل الجد وانهم يهيئون انفسهم إليها، وهو ما يثير امتعاض دمشق خشية ان تودي الفيدرالية الكردية إلى انتشار عدواها إلى المنطقة كلها التي تتمير بالتركيبة الديمقراطية «الموزاييكية»، لذلك كانت الصلات الوثيقة التي تقيمها دمشق مع الاكراد هي من قبيل التحسب للمستقبل والتأثير في ما يمكن ان يقدموا عليه عبر الاحتفاظ بقنوات نفوذ تؤثر في اتخاذهم للقرار، حتى ان دمشق اقامت مكاتب للحركات الكردية وفتحت ابوابها للزعماء الاكراد للتشاور وتبادل الآراء، وبدلالة ان الجماعات الكردية العراقية نفسها تعد سورية بمثابة حليف استراتيجي لها، وهنا تكمن المراهنة العراقية، في ان تستغل سورية صلاتها ونفوذها من اجل تنبيه الأكراد إلى خطورة الوضع في حال قرروا الانسياق وراء المخططات الأميركية، خصوصا ان الاستدعاء السوري لأقطاب الحركة الكردية يسبق مؤتمر المعارضة الذي من المتوقع أن يعقد في بروكسل يوم 20 من الشهر الجاري.

مؤكد ان دمشق تدرك ان واشنطن ستراهن بشكل اكبر على «الحصان الكردي» بعد أن برز تصدع واضح في علاقة واشنطن مع حلفائها الإقليميين والدوليين بما في ذلك ظهور الرفض السعودي من المشاركة في حرب ضد العراق، وبعد ان قال نائب حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعتدل، الذي فاز في الانتخابات التشريعية في تركيا، عبدالله غول: «لا نريد وقوع حرب في العراق»، واضاف: «سنقوم بكل ما يمكننا القيام به لتجنب نشوب حرب ستجر تركيا إليها». ومن جهته قال وزير الخارجية الكندي بيل غراهام انه «لا يدعم إطاحة الحكومة العراقية». ومجمل هذه التقلبات في المواقف الاقليمية والدولية يمكن أن تدفع واشنطن إلى المراهنة بشكل اكبر على الاكراد اذا ما اختارت اللجوء إلى العمل العسكري المنفرد من خلال إعطاء الاكراد دورا اكبر في هذه العملية، وهو ما يدفع سورية إلى العمل على حرمان واشنطن من هذه المراهنة عبر جر الأكراد للنأي بأنفسهم عن حرب لا تريدها دول المنطقة سوى العدو الاسرائيلي. فهل تنجح دمشق في ذلك؟

العدد 65 - السبت 09 نوفمبر 2002م الموافق 04 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً