العدد 5287 - الأحد 26 فبراير 2017م الموافق 29 جمادى الأولى 1438هـ

بولانو في «2666» يشخِّص الاضطراب وينقد العوْلمة

لم يتخطَّ عمره الـ 50 عاماً...

روبرتو بولانو
روبرتو بولانو

قبل الدخول في تشريح وإطناب وتحليل للعمل الروائي الفارق «2666» للكاتب والروائي والقاص والشاعر التشيلي روبرتو بولانو، الذي توفي في العام 2003م، وتفصلنا عن رحيلة أكثر من 12 عاماً، علينا التذكير بأن العالم - ضمن أوساطه الأدبية والإبداعية - ظل لعام متواصل يمارس الاحتفاء به، مُركِّزاً على آخر ما طبع من أعماله بعد رحيله، روايته المشار إليها آنفاً والتي صدرت في العام 2004م. الرواية عبارة عن خمس روايات في رواية واحدة. عمل سردي منهِك، عبْر 2000 صفحة، تمتزج فيها القضايا بالمفاهيم، وتبرز روعة ودقة التشخيص في الوقت نفسه. تشخيص الاضطراب الذي لفَّ وعَمَّ القرن العشرين، من أقصاه إلى أقصاه؛ لكن هذه المرة تتبّعاً له ضمن القارتين الأميركية والأوروبية.

ثمة انتقالات بين المعاصرة، وحركة العولمة، والمجهول الذي ينتظر ذلك المدّ الذي ألقى بظلاله الكئيبة على مختلف دول العالم، بما تمخّض عنها - في جانب منها - من تنوع وتعدّد في الاستيلاءات التي أخذت صوراً ومناحيَ عديدة. في استذكار لأعماله، والمكانة التي يحتلها في المشهد الروائي والإبداعي العالمي اليوم، وما يشبه الاتفاق حول تلك المكانة، بوضعه جنباً إلى جنب مع القاص الأرجنتيني خورخي بورخيس، وخوليو كورتازار، وغيرهما من عمالقة الإبداع في أميركا اللاتينية، عمدت صحف في القارتين إلى الاحتفاء به على طريقتها الخاصة، ويمكن تلمّس أوجه ذلك الاحتفاء بالمساحات التي خصصت لخبر نشر روايته، وإضاءة عدد من أعماله التي صدرت في تسعينات القرن الماضي وما بعدها.

من بين كتابات الاحتفاء، ما كتبه إيان تومسون، في صحيفة «التلغراف»، بتاريخ 2 ديسمبر/ كانون الأول 2014)، نورد جانباً منه:

الروائي التشيلي بولانو الذي توفي في العام 2003، أثناء انتظاره عملية زرع كبد له في مستشفى بإسبانيا، عن عمر ناهز الخمسين عاماً، ارتفعت أسهمه الأدبية منذ وفاته، ويعدُّ الآن واحداً ممن تتوجَّه الأنظار إلى أعماله، وتلقى اهتماماً كبيراً، مستلهمة قيمتها الكبرى، وبات أيقونة في عالم الأدب؛ ليس في بلاده فحسب، وإنما في دول أخرى، ويمكن معاينة ذلك من خلال ترجمة أعماله إلى عديد من اللغات.

رواية الحيْرة

كان لوصف رواية بولانو الأخيرة «2666»، بأنها تحفة فنية ما يبرِّره، لأن الرواية تتوافر على مساحات كبيرة من الحيرة والاستطراد، من خلال سلسلة جرائم القتل تتم على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، خلال فترة التسعينات من القرن الماضي.

هنالك، في المركز من الرواية، نقف على الكاتب المراوغ واسمه بينو فون أرتشيمبولدي، والذي كان محط الاهتمامات الأساسية للحصول على جائزة نوبل؛ لكن يبدو ألاَّ أحد توصّل إلى أين يعيش؛ أو كيف هو الشكل الذي يبدو عليه.

كان بولانو نفسه، متناقضاً مثله تماماً ويلفّه الغموض. الرجل المراوغ الذي يمكن تبيّنه بشكل قاطع. كان بطبيعته رجلاً لطيفاً، ولم يبدُ عليه «وكأنه مختلٌّ عقلياً»، عندما غنّى بعض أغاني البوب المكسيكية للأصدقاء في البلد الذي احتضنه (إسبانيا).

كاتب من هذه النوعية، يظل من الصعب تتبّعه ورصْده لكتابة سيرة ذاتية عنه. كان لابد من الاقتراب من أكثر الناس التصاقاً به، زوجته التي تقترب من الثلاثين من عمرها، والمولودة في إسبانيا، كارولينا لوبيز. لم تُجْدِ كل المحاولات؛ إذ رفضت التحدُّث إلى كتَّاب السيرة، وكما يبدو، فإنها تأمل في الاحتفاظ بشيء من الغموض.

اليوم، وبعد 11 عاماً (أكثر من 12 عاماً) من وفاته، تحيط ببولانو هالة من العشق والاندفاع نحو اقتناء أعماله الإبداعية. وأبدى كثير من القرَّاء حماسة شديدة، والكثير من التفاني ليكونوا على التصاق بما تكتنز به أعماله من إدهاش وعمق وإنهاك في الوقت نفسه.

بولانو الذي ولد في تشيلي العام 1953، لأبوين من الطبقة المتوسطة الدنيا، وكان يعاني من صعوبة في تعلم القراءة والكتابة، تعرض للمضايقات في المدرسة؛ لكن ذلك لم يعرقل موهبته الأدبية التي حققت ما حققته وصارت محط اهتمام العالم.

انتقل والده الذي يعمل كسائق شاحنة (وكان ملاكماً أيضاً) وأمه، التي تعمل مدرّسة، إلى مكسيكو سيتي في العام 1968، عندما كان في الخامسة عشرة من عمره. كان عقد الستينات عقد اضطرابات بالنسبة إلى أميركا اللاتينية، ووجد الطلاب الجامعيون أنفسهم مأخوذين بثورة الفلاحين التي دعا إليها تشي غيفارا، وخرجوا في احتجاجات عارمة إلى الشوارع.

تعويذة القتلى

في أكتوبر/ تشرين الأول 1968، وفي تلاتيلولكو، خرج ما يقارب ربْع سكان مدينة مكسيكو سيتي، وعمدت المليشيات الحكومية إلى إطلاق النار على المحتجّين؛ ما أدَّى إلى مقتل نحو 300 طالب، إضافة إلى عدد من المدنيين، ومثّل ذلك المشهد إلهاماً لإحدى رواياته التي كتبها في العام 1999 وحملت عنوان «التعويذة»، والتي كانت خليطاً مدهشاً من الرعب والكشف واليوميات.

ووفقاً للشاعر المكسيكي خوسيه ماريا إسبيناسا، رفض بولانو، حين كان طالباً في «مكسيكو سيتي» ما عُرف بـ «الواقعية السحرية»، تلك التي ارتبطت بالروائي الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز في أواخر ستينيات القرن الماضي، وتحديداً في العام 1967، بصدور روايته الأشهر «مئة عام من العزلة»، كما رفض الأزياء القاتمة، وأدب اللامعقول.

يشار إلى أن روبرتو بولانو أفالوس، هو كاتب وشاعر تشيلي ولد في عاصمة تشيلي (سانتياغو) في 28 أبريل/ نيسان 1953، وتوفي في مدينة برشلونة الإسبانية في 15 يوليو 2003.

بدأ أول عمل له كبائع تذاكر في إحدى الحافلات التي كانت تعمل بين كيلبويه وفالبارايسو. حصلت روايته «المخبرون المتوحّشون» على جائزتي «هيرالدي» العام 1998، و «رومولو جايجوس» العام 1999. تحوّل بولانو بعد وفاته إلى أحد أكثر الكتّاب المؤثرين في الأدب الإسباني، وهذا ما تؤكده العديد من المنشورات المخصصة لأعماله، كما يؤكده انضمام ثلاث من رواياته وهي: «2666»، «نجم بعيد» و «المخبرون المتوحشون» إلى قائمة أفضل مئة كتاب في الخمسة وعشرين سنة الأخيرة، والتي قام بوضع قائمتها 81 كاتباً وناقداً أميركياً لاتينياً وإسبانياً في العام 2007. وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات منها: الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الإيطالية والهولندية.

قبْل وفاته، عمدت 37 دولة إلى نشر أعماله، وبعد وفاته انتشرت أعماله في عدَّة دول منها الولايات المتحدة الأميركية.

حظي بولانو بآراء ملفتة؛ سواء من جانب كتَّاب أو نقَّاد معاصرين، فدائماً ما تتم مقارنته بكتّاب بمستوى خورخي لويس بورخيس، وخوليو كورتازار.

ربما يكون بولانو أكثر معرفة وانتشاراً باعتباره روائياً؛ لكنه أنجز عدداً من المجموعات الشعرية التي لا تقل توهّجاً في لغتها وابتكار صورها، عمّا أنجزه في مجال الرواية، والذي هو بطبيعته، عالم آخر، له أدواته المختلفة.

له من الإصدارات: «حُطام الجامعة المجهولة» (1992)، «آخر المتوحشين» (1995)، «كلاب رومانسية» (1993 - 2000)، وغيرها.

وفي مجال الرواية صدرت له في العام 1984 «طريق الأفيال»، وتمّت إعادة نشرها بعنوان «السيد باين»، «مزْلجة الجليد» (1993)، «الأدب النازي في الأميركتين» (1996)، «نجم بعيد» (1996)، «أمسيات تشيلي» (2000)، «رواية مهشّمة» (2002). إضافة إلى أعمال روائية نشرت بعد وفاته، من بينها «ريتش الثالث»، «اضطرابات الشرطي الحقيقي»، «مكالمات تليفونية»، «عاهرات قاتلات». أما القصص القصيرة التي نُشرت بعد وفاته فمن بينها «الغاوتشو المزعج» و «سر الشر»؛ علاوة على المقالات والخطابات والمقابلات.

غلاف الرواية
غلاف الرواية




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً