العدد 5287 - الأحد 26 فبراير 2017م الموافق 29 جمادى الأولى 1438هـ

قصة قصيرة... مواسم ما بعد العشق!

أيمن عبدالسميع حسن - قاص مصري 

تحديث: 12 مايو 2017

(1)

كان الصباحُ يستفيق عليها بوهنٍ، والنافذة - المطلة على ميدان الساعة - مفتوحة على مصرعيها، تستقبل شمساً ما زالت عادية، والزحام من عواء السيارات، ونداءات الباعة  الجائلين يعانق غباراً مرتفعاً غير ذي وِجهة، نعم، اليومُ ثقيلٌ بلا ملامح، فقد تركت الفِراش مكوناً أخدوداً... نظرت إلى المرآة.. قد يكون وعيها قليلاً... ربما... فرأت مذبحة!

هي نحيلة بادية الطول، شاحبة اللون، رأسها الصغير يتمايل على عنقها الطويل، يغطيها من الخلف شعر أشقر مُرسل قد تلطَّخ بالأتربة من وعثاء الطريق... نراها جلداً شاحباً، وغراب يُحلّق... يفرض سطوته... زحف على تضاريس الوجه البلاهة والخمول، وعلى شرايين القلب الترهل والضغط، والأنف المعقوف فقد قدرته على الشم، وتشعثت الحواجب وانتشر  زغب الوجوه... جميع المحاولات باءت بالفشل... وهي تجلس في الشرفة الخلفية التي تطل على الكورنيش كانت صامته، بدت خيوط الظلام تزحف على النهر الطامي... راحت تُقلّب صفحات مجلة "الكواكب" الصفحات قديمة... باهتة، كانت صورها الجميلة... المتناثرة في جلسة تصويرية تملأ أركان المجلة بجوار اسم فيلمها الأخير "حواء تحت الفانوس"!

قفت، تحركت صوب المرآة، اضطربت، تحسست وجهها في ذعرٍ... اصفر لونها، وتخدَّر وجهها فجأة... وبرزت محاجر عينيها، ثم ضربت بقبضتها المعروقة سطح المرآة، فأُصيبت في يدها بجروح عدة... فتقيأت... وسقطت مغشياً عليها.

(2)

كان النهارُ يجمع أجزاءه ويفر هارباً بهدوء، وفي تلك الليلة الليلاء، لحظتها، ظل الظلامُ ينهمر بقوة عليها، هي تجلس وحيدة على كرسي (البامبو)... تلتحف بشال صوف بنّي... وترتعش بجوار المدفأة المشتعلة... المشهد يتسع ويضيق... لا يتفق على شيء بعينه... وقتها زحف الليلُ، وتكاثف الظلام وامتد... وراحت تغمغم... وتحملق في الزجاج المكسور الذي يفرش الأرض وهي تبكي بحرقة... تَعضُ بأسنانها الاصطناعية على الشفاه القاتمة:

-   ملاعين... ملاعين... الكل فقد الذاكرة... حتى الجماد... حتى الجماد، ألا يكفيني البشر؟!! وعندما لملمت الدنيا نفسها، وأطلقت للريح جناحيها، كان الدم القاني يتجلط بين أصبعيها السبابة والإبهام. 

هنا فتحت عينيها على الدنيا الرحيبة الواسعة... كان الليلُ مايزال ينشر رواقه على أسطح البيوت النائمة، المنتشرة في خنوع، فأحست – هي - بوخز الإبر في جسمها القميء! ثم لاذت بالصمت... غير عابئة بالهواء الذي أخذ يلفح نصفها السُفلي المشدود!





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً