العدد 5287 - الأحد 26 فبراير 2017م الموافق 29 جمادى الأولى 1438هـ

الدولة العربية... تآكل الداخل وتأثيرات الخارج

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

ما الذي يمكن أن تتعلمه الدول المستقرة من غير المستقرة في إقليمنا؟ فإيران تخترق العالم العربي، وإسرائيل تتوسع في ما تبقى من فلسطين، بينما سورية والعراق وحلب والموصل في حالة نكبة مفتوحة الأبعاد، ومصر في حالة عجز، بينما بقية العرب غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم. بعض العرب يبحثون عن تفاهمات مع الرئيس الأميركي ترامب، لكن ذلك لن يغير من عمق المشكلة وطبيعة التآكل، وخاصة أن الرئيس ترامب يعيش هموما تتعلق بإدارته، في ظل شكوك بشأن ديمومته إن استمر بنفس التوجهات والسياسات.

إن الوضع العربي يتعثر على مستويات كثيرة من أهمها عدم قدرته على بناء التجانس الوطني المحلي الذاتي بين قبيلة وقبيلة، وبين مدينة وريف، وشيعة وسنة، وبين شمال وجنوب، وبين المشارب المختلفة التي تصنع الدول الحية والناجحة، لقد سقط النظام العربي في امتحان بناء الثقة بين الناس، وهذا أدى لفقدان الثقة بين الشعب والنظام السياسي. ان الذي يجعل من إيران والولايات المتحدة وداعش وروسيا وإسرائيل وتركيا (مع الفارق بين كل اللاعبين) بهذا التأثير على الأوضاع العربية مرتبط بضعف البنيان العربي الداخلي على كل الأصعدة.

الدولة الوطنية العربية لم ترسم حدودا واضحة بين مؤسسات كالجيش والقضاء، وبين النظام السياسي وما يمثله من وزراء ورؤساء وحكومات وإعلام، وهي قلما احترمت خصوصية ومكانة المؤسسات التي شيدتها. فلقد احتكر النظام السياسي الدولة والاعلام والقضاء والحكومات، كما احتكر التعبير والتعليم والمجتمع، ما جعل الدولة قشرة تخلو من الحركة والديناميكية. فلا يمكن للديناميكية والحركة أن تصيب مجتمعا أو دولة بلا حالة من التوازن بين مؤسسات فاعلة. في أجواء كهذه تتراجع الكفاءة لصالح الولاء. فالكفاءة بطبيعتها معارضة للاحتكار والمركزية التي تصاحبه وساعية لبناء مؤسسات تتمتع بالديمومة والبقاء، الكفاءة تميل للنقد والتجديد، وهذا يثير حساسية النظام العربي، الذي لا يتحمل النقد، كما وتخيفه الأحزاب والحركات السياسية، وكل ما يخلق أرضية لإشراك المجتمع في إدارة شئونه.

في ظل الاحتكار السياسي ينمو الفساد بصفته آلية لتثبيت الاحتكار، لكن ذلك لا يكفي فلا بد من تضخم في حجم ومهام الأجهزة الأمنية، التي تتوجه لملاحقة كل نقد وفكر وصوت. لقد جاءت قضية الإرهاب للدول العربية كهدية من السماء متحولة لوسيلة لإغلاق صحف وملاحقة نقاد وحركات سياسية سلمية لا علاقة لها بالإرهاب. في ظل أجواء كهذه يقع التراجع في مؤشرات التعليم والصحة والاقتصاد، كما وينقسم المجتمع ضمن سلسلة من النزاعات المفتعلة. إن بناء جدران من الخوف بين السنة والشيعة، والريف والمدينة، وبين الغالبية والأقلية، ينتشر كالسرطان في الجسد الوطني العربي. هذا درس يمكن تعلمه من العراق وسورية واليمن وليبيا ودول كثيرة أخرى تمر بذات التجربة من زوايا مختلفة. كلهم ضحايا الاحتكار وغياب المؤسسات الفاعلة، والمشروع الوطني الحقيقي، الذي يتعامل مع جميع مكونات المجتمع.

أصل المشكلة أن الدولة العربية الحديثة اعترفت بمواطن يتمتع بحقوق محدودة، فمواطنها نصف مواطن. بل أصبحت الدولة الوطنية العربية مع الوقت مركزا لبث العنصرية والتفرقة واللاعدالة، ما يؤسس لتشققات جديدة في واقعها وبنيانها ومجتمعها، هذه الدولة لن تصمد أمام الإعصار إن استمرت في عجزها الراهن عن الاصلاح.

التجانس والولاء، في كل مجتمع، لا يفرض بالقوة ولا بالدعوات العاطفية، فالتجانس الصحي يحترم التنوع، وينمو في ظل المعاملة العادلة، ومن الشعور بالحرية وثبات الحقوق. كل جماعة يمكن لها أن تتكتل عندما يتم التعدي على جانب من حقوقها وهويتها. إن خروج الدولة الوطنية من أزمتها يتطلب قواعد للمواطنة، جوهرها الاقتصاد العادل والمساواة بين الناس، وسياسات تنهي الاحتكار السياسي، وتفصل بين الدولة والنظام.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 5287 - الأحد 26 فبراير 2017م الموافق 29 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:02 ص

      مقال موفق. في سياق تدخلات ايران وروسيا وتركيا واسرائيل وامريكا في شؤوننا، لا ننسى هنا تدخلات بعض الدول العربية ...في شؤؤون دول عربية اخرى...

اقرأ ايضاً