العدد 5295 - الإثنين 06 مارس 2017م الموافق 07 جمادى الآخرة 1438هـ

أنجيلا ميركل: تونس مشروع أمل

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

مثّلت الزيارة الرسميّة للمستشارة الفدرالية لجمهورية ألمانيا الاتحادية إلى تونس نهاية الأسبوع الماضي حدثاً مهماً في تاريخ العلاقة بين البلدين؛ ليس فقط لكونها الزيارة الأولى من نوعها للمسئول الألماني الأول لتونس بعد العام 2011، ولا لكونها حظيت باهتمام رسمي وشعبي في تونس على جميع المستويات، وإنّما أيضاً لأنها تتنزّل في سياق تاريخي حارق بالنسبة إلى تونس التي لا تزال تبحث عن توازنها الاقتصادي واستقرارها السياسي والاجتماعي، وكذلك بالنسبة إلى ألمانيا التي تعيش قيادتها السياسية، ولا سيماأنجيلا ميركل، تحت ضغوطات كثيرة بسبب مواقفها الجريئة من اللاجئين.

كانت قضايا الهجرة واللجوء والأمن ومقاومة الإرهاب والدعم السياسي والاقتصادي أبرز محاور هذه الزيارة؛ حيث تمثّل ألمانيا بعد فرنسا وإيطاليا الملاذ الأوروبي الثالث للمهاجرين التونسيين الذين رسموا صورة ناصعة طيلة العقود الماضية لولا بعض التصرفات الفردية المعزولة، ولا سيما مع موجة تمدّد التحرك الداعشي. ولا ينسى الألمان والتونسيون العملية الإرهابية في برلين ديسمبر/ كانون الأول الماضي والتي تورّط فيها مهاجر غير شرعي من تونس.

وعلى رغم التوتر النسبي في قضية المهاجرين غير الشرعيين إثر هذه الحادثة، فإنّ ألمانيا تميّزت بمواقفها الداعمة للمسار الانتقالي الديمقراطي في تونس، وتجلّى ذلك قولاً وفعلاً؛ فتصريحات أنجيلا ميركل بعد لقائها مع رئيس الجمهورية التونسية، أو بعد لقائها مع رئيس الحكومة، أو حتى خلال زيارتها الرسمية للبرلمان (مجلس نواب الشعب) لا تفتأ تؤكد على إعجابها بالنموذج التونسي في الانتقال الديمقراطي، وتجدّد دعم بلادها لهذه التجربة الناجحة أو مشروع الأمل على حدّ وصفها؛ فقد جاء في تصريح لها أمام مجلس النواب مخاطبة الشعب التونسي: «تونس تمضي في طريقها ويمكن أن تعوّل على دعمنا».

ويظهر هذا الدعم جلياً في الملف الاقتصادي؛ إذْ أنّ ألمانيا هي الشريك الأبرز لتونس في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها، وتقدّم دعماً استثنائياً لتونس حيث ضاعفت ثلاث مرات حجم مساعداتها التنموية لتبلغ أكثر من 250 مليون يورو تسعى إلى توجيهها في الاستثمار في الكفاءات التونسية الشابة التي تعيش في الجهات الداخلية. وقد رافق ميركل إلى تونس وفد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين الألمان لا لمتابعة تنفيذ التزامات ألمانيا بتعهداتها خلال مؤتمر الاستثمار لدعم تونس المنعقد في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي فحسب، وإنّما أيضاً لبحث فرص بعث مشاريع اقتصادية جديدة وخاصة في الجهات الداخلية، من ذلك مواصلة المشاورات مع المصنع الألماني «فولكسفاغن» قصد إنجاز مصنعٍ بتونس موجّه للتصدير.

وفي إطار هذا الدعم الألماني المتواصل تمّ تدشين مركز تونسيّ ألمانيّ للإعلام بشأن الهجرة والتشغيل والاندماج وإعادة الاندماج في سوق الشغل بتونس، من طرف وزيري التكوين المهنيّ والتشغيل بكلا البلدين. وقد أُنشئ هذا المركز بتمويل من الحكومة الألمانية في إطار برنامج الهجرة ودفع التنمية، وهو فضاء مفتوح يهدف إلى مرافقة طالبي الشغل الراغبين في العمل بألمانيا من خلال توفير المعلومات المحدّثة بشأن سوق الشغل الألمانية وفرص العمل وكيفيّة الاندماج في المجتمع الألمانيّ. كما سيساعد هذا المركز على إعداد المهارات اللازمة التي يتطلبها سوق الشغل في الداخل وفي الخارج والسهر على الإحاطة بالعائدين من ألمانيا للإندماج بسوق الشغل التونسية.

وأمضى الجانبان اتفاقية للهجرة تقضي بعودة 1500 مهاجر غير شرعي إلى تونس، بعد التثبّت من هويات المهاجرين ووثائقهم، مع مساعدتهم مادياً للإندماج من جديد في بلادهم. وبالمقابل لم تقبل تونس مقترحاً ألمانياً سابقاً بإقامة مخيّمات في تونس لاستقبال المهاجرين الذين يتمّ إنقاذهم خلال عمليات عبور المتوسط لمنع وصولهم إلى أوروبا. وقد اعتبرت السلطات التونسية أنّ الحل يجب التوصل إليه مع الشقيقة ليبيا، حيث يستفيد المهرّبون من حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي على حدودها. ويُذكر في هذا السياق أنّ الضغط لا يزال قائماً على المستشارة الألمانية في أزمة اللاجئين حيث تواجه صعود حزب مناهض للهجرة في ألمانيا، لذلك تسعى من جهتها إلى إيجاد الحلول مع الضفة الجنوبية للمتوسط، خاصةً قبل الانتخابات التشريعية المرتقبة في ألمانيا في سبتمبر/ أيلول المقبل.

تدرك ألمانيا جيداً صعوبة مرحلة الانتقال الديمقراطي، فقد عاشتها إثر سقوط جدار برلين وتوحيد الألمانيتين، تلك التجربة الملهمة التي عبّر رئيس مجلس نواب الشعب التونسي عن إعجاب التونسيين بها خلال استقباله ميركل تحت قبة البرلمان التونسي. كما تدرك ألمانيا أيضاً أنّ التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي مثالية مقارنةً بغيرها من الدول في العالم، لذا تواصل ألمانيا دعمها وتكثف جهودها للتعاون مع تونس وخاصةً في ملف مقاومة الإرهاب بالحلول الجذرية الحقيقية لا فقط بالمعالجة الأمنية.

ويؤكد حرص ألمانيا على التعاون مع تونس عمق العلاقة بين البلدين فضلاً عن الارتياح الألماني للاستقرار المتحقق بنسب متقدمة في تونس ممّا يشجع على مزيد الاستثمار، فضلاً عن تقدير ألمانيا للسياسة الخارجية التونسية ومساندتها للجهود التونسية المغاربية المصرية لحل الأزمة الليبية. وبناء على هذا التقدير وجّهت المستشارة الألمانية دعوةً للرئيس التونسي لحضور قمةمجموعة العشرين في همبورغ في مايو/ أيار المقبل، وما يمثّله ذلك من دعم لتونس «مشروع الأمل».

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 5295 - الإثنين 06 مارس 2017م الموافق 07 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:42 م

      تبقى ألمانيا إحدى أبرز الدول التي ساندت الديمقراطيات الناشئة في العالم العربي إلى حد الآن

    • زائر 2 | 4:44 ص

      إنهم قالوا وخير القول قول العارفينا مخطئٌ من ظنّ يوماً أنّ للثعلب دينا..
      ميركل لا تعطي إلاّ لكي تأخذ.

    • زائر 1 | 11:56 م

      ربما تكون ألمانيا استثناء جميلا يدعم هذه التجارب الديمقراطية الناشئة دون حسابات سياسية ومصلحية ضيقة

اقرأ ايضاً