العدد 71 - الجمعة 15 نوفمبر 2002م الموافق 10 رمضان 1423هـ

«هنا البحرين»... هنا المشكلة

صرخة من إذاعة البحرين

كحال أي منشأة في البلاد، فإن لدى الموظفين في إذاعة البحرين همومهم التي ربما لا تشبه هموم الآخرين من حيث طبيعة العمل، كون الإذاعة جهة واحدة ووحيدة في البلاد، ولكنها تظل هموم الإدارة التي ـ ربما ـ تتكرر في أكثر من مكان.

إذاعة البحرين التي انطلقت منذ الخمسينات، بالأصوات المميزة آنذاك، ولازمتها المعروفة «هنا البحرين»، تململ موظفوها أخيرا مما أسموه التفضيل وسوء المعاملة والمحسوبيات وغيرها، فيقف موظفو الإذاعة يبثون شكاواهم، ويتحدثون زاعمين عن ممارسات وتجاوزات يمارسها القائمون على الإذاعة، والتهديد المتواصل بقطع الأرزاق، وتلك الخاصة بمكافآت البرامج المادية، التدخل في اختيار الضيوف وفقا للعلاقات الشخصية... فالشكوى ممنوعة، و«الفنش» دائما جاهز.

وعلى الجانب الآخر يقف مدير الإذاعة لينفي كل التهم الموجهة إليه وإلى إدارته، ويشرح موقفه.

مجموعة من موظفي وموظفات الإذاعة طرقوا أبواب «الوسط»، لم يأتوا معا، خوفا من تسرب أخبار مجيئهم إلى المسئولين في الإذاعة كما قالوا، فضلوا الحضور منفردين على دفعات، علقت إحداهن قائلة: «لا نريد أن يعرف أحدٌ أسماءنا لأن في الإذاعة ممنوع الشكوى» خوفا من مصادرة آرائهم وفصلهم كما قالوا.

* ماذا يحدث في إذاعة البحرين؟

- تقول موظفة: «ما يحدث في الإذاعة مهزلة، هل يُصدّق أن تبتعث من قبل الإذاعة مذيعة جديدة لتمثل الإذاعة في مهرجان القاهرة، في الوقت الذي تمتلك فيه الإذاعة مذيعات لديهن من الخبرة ما يفوق سنوات عمر هذه المذيعة، والسبب لا يرجع إلى كفاءتها، ولكن ما يحدث مجرد محاباة من قبل مدير الإذاعة لا تستند على منطق وتفتقد أبسط شروط الاختيار الحقيقية».

موظف آخر يضيف: «منذ شهور قام بعض موظفي الإذاعة والتلفزيون باعتصام في مبنى الإذاعة للمطالبة بحقوقهم المادية، وسمعت مدير الإذاعة يقول وهو يقف في الممر الموصل لمكان الاعتصام «اللي بيشارك في الاعتصام باراويه»، وتعجبت كيف يصدر هذا التهديد من مدير الإذاعة إلى موظفين وموظفات حملوا عبء العمل في الإذاعة على أكتافهم سنوات طويلة».

ويضيف قائلا: «نحن جميعا نعاني من تمييز المدير للبعض من دون وجه حق، الإحساس بالغبن يُشعر المرء بالإحباط، نحتاج إلى وقفة حاسمة يعاد فيها صوغ العمل في الإذاعة».

بقية المجموعة تحدثت عن ممارسات أخرى للمدير كلها تطلق الكثير من علامات الاستفهام، منها ترشيح سكرتيرته للمشاركة في لجنة التحكيم في مهرجان القاهرة، علق أحد الموظفين: «حتى ولو كانت سكرتيرة المدير تقوم بالمشاركة في إعداد بعض البرامج، إلا إن هذا لا يعطيها الحق بأن تكون عضوة في لجنة التحكيم».

وتحدث آخرون عن عدم وجود معايير تحكم تقييم كل العاملين في الإذاعة، وكيف أن بعض البرامج تظلم في التقييم المادي، وإن الموظف في الإذاعة لا يعامل بأسلوب إنساني، وإن أي شكوى في حق مدير الإذاعة تعد شكوى ضائعة، لا احد يلتفت إليها.

وتعلق إحدى الموظفات: «أنتم الفرصة الأخيرة بالنسبة لنا، لا ندري إلى من نذهب؟».

ويقول آخر: «فكرنا في مناشدة الملك، ولكن خوفنا على قطع أرزاقنا جعلنا نتردد، فبعد أن تنكشف هويتنا أمام مدير الإذاعة، لن يصمت على ما يحدث، وقد يضطر أحدنا إلى تسديد الثمن وحده، ويصبح كبش فداء».

هل هي شكاوى كيدية؟

قد يجمع البعض على سوء مدير، أو عدم حسن تدبيره، أو استبداده، ولكن كل هذا لا يحرمه من فرصة توضيح موقفه، فحملنا كل هذه الشكاوى إلى مدير إذاعة البحرين حمد المناعي، خلال اتصال هاتفي، وقد أبدى استعداده لوضع النقاط على الحروف، بعد أن سأل عن إمكان معرفة أسماء أصحاب الشكوى، ولأن هذا الأمر لا يمكن قبوله في عرف الصحافة، كان اللقاء التالي في مكتبه:

بلا أسماء

وفي مكتب مدير الإذاعة التقينا رئيس الإذاعة سامي القوز، ومراقب الإنتاج الإذاعي عبدالواحد درويش، ومشرفة قسم المكتبة والتنسيق بدرية كمال، وسألنا مدير الإذاعة عن أسباب وجود رئيس الإذاعة، ومراقب الإنتاج، ومشرفة المكتبة، في حضور لقاء «الوسط» بالمدير؟

قال: «من أجل توضيح الصورة كاملة».

* «بمَ تفسر هذا الكم الهائل من الشكاوى؟

- «كل واحد حر في أن يشكو كما يريد».

رئيس الإذاعة: «نريد أن نعرف من هم أصحاب الشكوى؟» فينبهه مدير الإذاعة: «هذا لا يجوز صحافيا».

* هناك شكوى بتمييز بعض المذيعات الجدد (اسم المذيعة تحديدا تم ذكره) عن القدامى، من دون وجود أسباب منطقية سوى المحسوبية؟

فيقترح المدير: «لتكن الأسئلة عامة من دون تحديد أسماء».

ويقول: «إن المقياس الأساسي في العمل الإذاعي هو الكفاءة، والقدرة على توصيل الرسالة الإعلامية المطلوبة بالشكل الصحيح، وما زالت مذيعاتنا القدامى يؤدين دورهن في الإذاعة وفقا لخطط البرامج الموضوعة، ونوعية البرامج المقدمة بكل كفاءة واقتدار، سواء في قراءة النشرات الإخبارية أو تقديم البرامج المتميزة التي تحتاج إلى أصحاب الخبرة والكفاءة والمقدرة».

ويستطرد: «لكننا نؤمن أيضا بتجديد الدماء، وإعطاء الفرصة لأصحاب المواهب من المذيعين الجدد لاكتساب الخبرة، والدخول في ميادين العمل الإذاعي والتعلم ممن سبقوهم في هذا الميدان، لأن المجال الإعلامي ـ سواء في الإذاعة أو التلفزيون أو الصحافة ـ يحتاج دائما إلى صف ثانٍ يبدأ متدربا ومبتدئا إلى أن يكتسب الخبرة اللازمة لتسيير دفة العمل في المستقبل، وهذا الصف لن يكتسب الخبرة والدراية ما لم تسنح له الفرصة الكافية لإثبات قدراته، وهذه إحدى مسئولياتنا، والتي توليها الهيئة عناية واهتماما كبيرين».

باطل... باطل

* وماذا عن تهديد الموظفين بعدم المشاركة في أي اعتصام للمطالبة بحقوقهم؟

- هذه تهمة باطلة، لأن القنوات المتاحة أمام موظفي الإذاعة والتلفزيون لإيصال شكاواهم وتظلماتهم معروفة، فهناك لجنة الشكاوى التي يرأسها الرئيس التنفيذي للهيئة، ويمكن لأي موظف أن يتقدم بأي شكوى أو تظلم، كما أن وزير الإعلام أصدر في مايو/أيار الماضي، قرارا بتشكيل لجنة لتطوير الأداء الإداري والفني بهيئة الإذاعة والتلفزيون، وقد ضمت هذه اللجنة عددا من موظفي الإذاعة يمثلونهم في الاجتماعات، وينقلون آراءهم ومقترحاتهم وتظلماتهم أيضا، وكان من أبرز المهام التي أوكلت للجنة تحسين أوضاع الموظفين العاملين في الهيئة، والنظر في درجات الموظفين وأسلوب ترقيتهم ومكافآتهم وحوافزهم، ويمكن لكل من يشعر بأنه تعرض للظلم وعدم الإنصاف في التعامل مع الإدارة، أن يتقدم بشكواه إلى وزير الإعلام أو رئيس الهيئة، وهم أقدر على إحقاق الحق، وإنصاف المظلوم.

* يقول الموظفون إن أي شكوى ضدك لا ينظر فيها، ولا ينصف الشاكي؟

- هذا ادعاء باطل.

لا وقت

* وماذا عن قول الموظفين عن إصرارك على اختيار الضيوف بنفسك، ورفض آخرين من دون أسباب منطقية؟

- هذه تهمة غير صحيحة، فليس من المعقول، ولا متاح لي من الوقت أن أحدد شخصيا ضيوف كل برامج الإذاعة اليومية والأسبوعية التي تبث من خلال جميع الموجات الإذاعية، وجميع معدي البرامج مخولون في اختيار ضيوف برامجهم، والإدارة لا تتدخل بتاتا في تحديد الضيوف، إلا فيما يتعارض مع التوجه الإعلامي الذي تنشده الإذاعة، والأهداف التي تخدم المجتمع حسب السياسة الإعلامية المرسومة.

* وماذا عن التدخل في عمل المذيعين والمذيعات والفنيين بأسلوب يتنافى مع خبرتهم؟

- العمل الإداري في الإذاعة مقسم حسب الهيكل التنظيمي للهيئة وفق التسلسل الإداري المتبع في كل الإذاعات العربية والأجنبية، وكل مسئول يتولى القيام بما هو مناط به، ولكن يبقى ان مسئوليتي عن هذا الجهاز الإعلامي تتطلب أن أوجه القائمين عليه إلى كل ما من شأنه الارتقاء بالأداء، وتقديم برامجهم بأسلوب راق يتناسب مع توجهات العمل الإذاعي الحديث.

مظلومون

* يقولون ـ أيضا ـ إنك تميز البعض في المكافآت المادية، فبعض المكافآت لا تتناسب مع حجم العمل المقدم، وتظلم آخرين؟

- هذا اتهام غير صحيح أيضا، ويمكن الرد عليه من خلال كشوفات المكافآت التي تصرف للعاملين في الإذاعة، لأننا نطبق لائحة المكافآت المعتمدة والمطبقة منذ أكثر من عشر سنوات، وهي تساوي بين جميع العاملين سواء في مجال التقديم أو الإعداد أو الإخراج، آخذين في الاعتبار الخبرة والكفاءة، والجودة، وهذه المكافآت لا تصرف إلا من خلال القنوات الرسمية في الدولة، وهي ديوان الخدمة المدنية، ووزارة المالية والاقتصاد الوطني، ونحن نعمد إلى تطبيق نظام جديد وفيه تحدد بدقة أكبر المقاييس التي يتم على أساسها تقييم البرنامج ماديا.

وهنا قام مدير الإذاعة بإطلاعنا على جداول توزيع البرامج على المذيعين والمذيعات والمخرجين.

ويضيف: «كما هو واضح، لقد حرصنا على تحقيق الإنصاف ـ بقدر المستطاع ـ في توزيع البرامج عليهم جميعا، وأعتقد أن أسباب هذه الشكاوى تكمن في انني قمت ببعض التغييرات، عندما استلمت مسئوليتي كمدير لإذاعة البحرين، فعندما يكون لدى مذيع ستة برامج، ثم أسحب منه اثنين لابد إن هذا الأمر سيغضبه، وكل تغيير يجد في البداية مقاومة من البعض، وبعد ذلك يعتادون عليه».

لم يعد لدينا المزيد من الأسئلة ممكن توجيهها إلى مدير الإذاعة، غير أن هذا لا يعني أن الشكوى انتهت.

الموظفون في المحطة يشعرون أنهم مغبونون، وأن لهم الحق في إنهاء حال الغبن هذه، بينما المدير يرى أنه يسير على الطريق السليم إداريا في تطبيق التطوير وتنفيذ اللوائح والسياسات، ولكن ما يخشى منه اليوم أن تتأصل حال عدم الثقة بين الموظفين والإدارة، وما يخشى عليه أن يسوء وضع الإذاعة تبعا لهذه الحال في الوقت الذي من المطلوب فيه أن تمارس الإذاعة نوعا من النشاط لتنافس الإذاعات الأخرى التي بدأت لاحقا وصارت سباقة في مجالاتها

العدد 71 - الجمعة 15 نوفمبر 2002م الموافق 10 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً