العدد 5313 - الجمعة 24 مارس 2017م الموافق 25 جمادى الآخرة 1438هـ

الدولة العيونية والتأسيس لبناء الدولة الحضرية

نقود الدولة العيونية في البحرين (الشرعان 2002)
نقود الدولة العيونية في البحرين (الشرعان 2002)

في حقبة السيطرة السياسية للقرامطة على البحرين (929م - 1064م)، مرت البحرين بفترة ركود اقتصادي؛ حيث إن السيطرة القرمطية أثّرت سلباً على الحركة التجارية في المنطقة، وربما ذلك يعود إلى سببين أساسيين، التضييق على الحريات الدينية والضريبة الكبيرة التي كانت تؤخذ من السفن المارة بالمنطقة (Carter 2005). بهذه الصورة أصبحت البحرين منطقة طاردة للسكّان حيث هاجر العديد منها، وقد انعكس ذلك على النشاط الحضاري في البحرين؛ فيلاحظ أن مناطق الاستيطان التي تعود إلى القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين، كما في سار وجنوسان وباربار والدراز، تتميز بوجود كسار فخار يدل على وجود استيطان، ولكن لا توجد أي آثار لمبانٍ مرتبطة بهذا الكسار.

يذكر أن غالبية مواقع الاستيطان التي تعود إلى القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، والتي استمرت حتى فترة القرامطة، كما في عالي وموقع معابد باربار وموقع تل الحسن، تتميز بوجود آثار لمبانٍ ضخمة، بل رجّح البعض أنها ربما تكون قصور. وهذا يرجّح وجود تراجع في المظاهر الحضرية في فترة سيطرة القرامطة، وربما يشير إلى انتشار نمط الاستيطان القبلي. بالطبع، ربما تكون هناك أسباب أخرى لتعليل هذه الظاهرة، إلا أن وجود علاقة قوية بين القرامطة وهجرة الجماعات القبلية يجعلنا نرجّح هجرة جماعات قبلية للبحرين أثّرت على التواجد الحضري في المنطقة.

العلاقة بين القرامطة والجماعات القبلية

لقد نشأ نوع من التعاون بين القرامطة والجماعات القبلية أدى إلى انتشار هذه الجماعات القبلية في المناطق التي تسيطر عليها القرامطة، وهي ملاحظة أشار لها سهيل زكار في كتابه «الجامع لأخبار القرامطة»:

«لقد سبّب نشاط القرامطة في شبه الجزيرة اندفاع أعداد هائلة من القبائل، وخاصة من قبائل عامر بن صعصعة، نحو الشام والعراق، ومع اتساع عمليات القرامطة أيام أبي طاهر جرت زيادة في الاعتماد على رجالات هذه القبائل عن طريق الإغراء بالغنائم ودفع الأموال، وأخذ العباسيون يسعون إلى شراء ولاء بعض زعماء القبائل، كما أن بعض هؤلاء الزعماء أخذ يفكّر بالعمل لصالحه ولمنفعته الخاصة» (زكار 2007، ص 154).

هذا، ويعلل عبد الله أبوعزة في دراسته «القرامطة وقبائل الأعراب البادية»، بأن سبب التعاون بين القبائل والقرامطة لم ينشأ من التقاء عقائدي أو دوافع دينية بل نشأ من التقاء المصالح؛ فقد كان القرامطة بحاجة إلى القوى المقاتلة من الأعراب، كما كان الأعراب بحاجة إلى قيادة تنظمهم وتعطي شهوتهم للغزو والغارات غطاء من الشرعية ينفي عنها صفة النهب والسلب. يذكر أنه كان يوجد العديد من الجماعات القبلية التي استمرت تمارس نشاط الغزو، الذي كان يتناقص ويزيد بحسب ظروف هذه الجماعات، ومع بداية فترة الدولة العباسية، وخصوصاً فترة حكم المعتصم (833 - 842م)، تم الاستغناء عن المقاتلين الأعراب في جيوش الدولة العباسية وبذلك أصبح المقاتلون من الأعراب عاطلين عن العمل، ومع تراكم هذا الفائض البشري المتعطل بدأت جماعات الأعراب تشغل نفسها بالغارات، وهكذا وجد القرامطة في هذه الجماعات خير سند لها في حروبهم (أبوعزة 1986).

بداية تأسيس الدولة العيونية

بعد القضاء على القرامطة من كامل بلاد البحرين الكبرى سيطرت الدولة العيونية (1077 - 1239م) على السلطة السياسية فيها، وبدأت معها حقبة جديدة في أوال، حيث الاستقرار السياسي والحرية المذهبية والانفتاح التجاري وإعادة بناء البنية التحتية. إلا أن بداية فترة العيونيون لم تشهد تغيراً كثيراً؛ حيث إن مواقع الاستيطان التي ظهرت في نهاية القرن الحادي عشر ومطلع القرن الثاني عشر، شبيهة بمواقع فترة سيطرة القرامطة، من حيث خلوها من آثار المباني. يذكر أن آثار المباني بدأت بالظهور في القرن لثاني عشر الميلادي، باستثناء موقع واحد، وهو موقع مسجد الخميس والذي ظهرت به آثار لمبانٍ تعود للقرن الحادي عشر الميلادي.

وفي القرن الثاني عشر، أيضاً، تم إنشاء دور لسك العملة في العديد من مناطق البحرين الكبرى، عرف منها الخط وأوال، وجميع العمل التي سكت كانت من معدن الرصاص، (وللمزيد حول هذه النقود يرجع لكتاب نقود الدولة العيونية في بلاد البحرين للشرعان). لم تكتفِ الدولة العيونية بسك النقود بل بنت/أعادة بناء قصر محصن في موقع قلعة البحرين والذي يضم عدداً من مصانع الدبس، وبنت بالقرب منه قرية/مدينة تضم ثلاثة أحياء، حي السوق وحي التجار وحي ثالث لعامة الناس، ومن المرجح أن هذا الموقع تحول إلى واحد من المراكز التجارية الأساسية في البحرين في تلك الفترة وسنتناول ذلك بالتفصيل في حلقات مقبلة. وبالإضافة إلى التجارة، فقد اهتمت الدولة العيونية اهتماماً كبيراً بالزراعة في كل بلاد البحرين الكبرى، حيث طورت الزراعة وطرق الري، وحافظت على زراعة محاصيل معينة كالقمح والشعير (الحسين 2006). وفي أوال، بدأ العيونيون بصيانة العيون الطبيعية وقنوات الري التحت أرضية أي نظام الثقب والأفلاج؛ حيث تؤكد الدراسات الآثارية أن نظام الثقب والأفلاج تم إعادة العمل به في هذه الفترة، على رغم أنه لا يعرف بالتحديد متى تم بناؤها (Larsen 1983, pp. 87 - 88).

الجانب الثقافي والديني

كانت فترة الدولة العيونية فترة استقرار، وخاصة في القرن الثاني عشر الميلادي، وبلا شك، فقد أدى هذا الاستقرار إلى تعزيز الجانب الثقافي والديني. والمرجّح، أنه في القرن الثاني عشر بدأت تظهر المدارس العلمية، والتي كانت تقوم بتدريس العلوم الشرعية والعقلية على حد سواء، والتي تمركزت في المساجد. لا نعلم بالتحديد عدد المساجد التي ظهرت في القرن الثاني عشر ولكن عرف منها ثلاثة، مسجد سبسب، على الساحل الغربي للبحرين، ومسجد الخميس، ومسجد في جنوب باربار. ولكن هل توجد أدلة على نشوء مدارس علمية في هذه المساجد؟ هذا ما سنناقشه في الحلقة المقبلة. يتبع.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً