العدد 5329 - الأحد 09 أبريل 2017م الموافق 12 رجب 1438هـ

إلى متى هذا «النَّكَد» على الجمعيات الخيرية؟

حسين مدن comments [at] alwasatnews.com

ناشط اجتماعي ورئيس صندوق جرداب الخيري السابق

في المعاجم اللغوية وبالذات معجم المعاني الجامع، فإن «نكَّد عليه» أي «أغاظه وضايقه»؛ و«أتعسه وأثار أعصابه»، و«أرهقه». النكد عادةً يظهر في سيماء الوجوه، ولكنه يظهر أحياناً في طريقة التعامل، ومن خلال صيغ القوانين والآليات والرسائل والتعميمات التي تجعل «اليسير معقداً» و»البسيط مركباً» و«السهل صعباً».

كنت في الدوحة لأيام، ولكني لم أستطع إلا أن أتابع من هنا الجدال أو «النكد»، أو لنقل ما يشبه «حوار الطرشان» بين الجمعيات الخيرية من جهة ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ووزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني، وأمانة العاصمة ومجلس بلدية الشمالية من جهة أخرى بشأن حاويات جمع الملابس.

ما أثارني فعلاً هو سوء الفهم، والتقصير في دراسة الأمر بروية، ومن ثم التسرع في اتخاذ القرارات التي «تنكّد» على الجمعيات معيشتها، وكأنما الهدف هو ليس عملية التنظيم فقط، ولكن ألا تستفيد الجمعيات وبالتالي الأسر المحتاجة التي تخدمها، من مشاريع ومبادرات طيبة كهذه المبادرة.

بدأت المشكلة قبل أشهر عندما قامت بعض البلديات، عشوائياً، بإعطاء مخالفات لبعض الجمعيات لإزالة هذه الحاويات، بدعوى أنها «تشوه المنظر وأن أماكنها غير مطابقة لإجراءات السلامة». تبعتها أمانة العاصمة بإصدار قرار بهذا الشأن، تلقفته وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، التي تقع هذه الجمعيات تحت مظلتها، بإرسال تعميم للمنظمات الأهلية ومنها الجمعيات الخيرية بالطبع، مفاده «إزالة حاويات جمع الملابس واللوازم المستعملة فوراً، تفادياً للإجراءات القانونية التي ستتخذها أمانة العاصمة بإزالتها بالطرق الإدارية، وذلك خلال أسبوعين مع تحمل تكاليف الإزالة». وطلبت الوزارة فيه «اقتصار وضع الحاويات عند مقار الجمعيات استناداً لما جاء من وزارة التجارة والصناعة والسياحة»، وأرجعت ذلك لـ «الحفاظ على المنظر العام وعلى سلامة المواطنين، ومراعاة للقوانين والأنظمة الأخرى في البحرين».

مسئولة من إدارة الخدمات الفنية أيضاً قالت بأن «المستفيد من هذه الملابس هو متعهد أجنبي، ولا أعتقد أننا في البحرين بحاجةٍ إلى هذا النوع من الصدقات التي يتم التخلص منها بشكل غير لائق وغير منظم ولا يستفيد منه المحتاجون».

ولكن الحقيقة التي نعلمها هي غير ذلك، وإن تبدو خافيةً على بعض المهتمين، وهي أن عدداً من الشركات البحرينية هي من تقوم بالاستثمار في وضع هذه الحاويات، بالتنسيق مع الجمعيات الخيرية للتسهيل على المواطنين توصيل ملابسهم المستعملة الفائضة عن الحاجة للجمعيات، عن طريق وضعها في هذه الحاويات.

وإذا كانت الدول الأخرى لديها شركات متخصصة وعندها سجل تجاري مرخص لشراء الملابس المستعملة وبيعها، ولا يوجد في البحرين ترخيص لشركات بيع الملابس المستعملة، وبالتالي فإن «هذه الحاويات لا تمتلك ترخيصاً»، فلماذا لا تقوم إذن وزارة التجارة والصناعة والسياحة بتوفير هذا الترخيص لهذه الشركات والطلب منها الالتزام بشروط الترخيص؟

بالطبع، المستفيدون هم المواطنون المتبرعون بهذه الملابس والشركات البحرينية المنظمة والمستثمرة للحاويات، وكذلك الجمعيات الخيرية التي تحصل على مبالغ مادية جيدة نظير هذا التنسيق، والتي يعود نفعها على الفقراء والمحتاجين عن طريق ما تقدمه لهم من خدمات مباشرة.

بصراحة الشكل الخارجي لهذه الحاويات يبدو جميلاً، مع الاحتفاظ باختلاف الذوق بين إنسان وآخر، وعلى الأقل أفضل شكلاً من حاويات القمامة التي تديرها شركات النظافة برعاية البلديات، التي هي المسئولة عنها وعن مواقعها، والتي هي أيضاً يمكن أن يقال عنها بأنها تحجب الرؤية وتشوّه المنظر العام لوجود معظمها على الطرقات العامة.

إذا كانت المشكلة هي فقط في تنظيم مواقع هذه الحاويات فذلك لا يحتاج لكل هذا التراشق الكلامي في الإعلام، والذي يتسبّب في عدم تشجيع المتبرعين من المواطنين، لأن الكثير منهم يملكون فائضاً من الملابس المستعملة حيث تتكدس في دواليبهم، ويجدون حرجاً في إيصالها مباشرةً لمستحقيها. كذلك فإن تخويف الجمعيات الخيرية بإزالة هذه الحاويات سينتج عن ذلك خسارتها لموارد مالية تحتاجها فعلاً لتقديم خدماتها إلى الأسر المحتاجة وتنمية المجتمع.

القائمون على الجمعيات الخيرية على علمٍ تامٍ بأهمية تنظيم أية عملية أو مشروع يقصد من ورائه جمع المال وزيادة موارد جمعياتهم، بدون إخلال بالأنظمة والتعليمات الصادرة من الجهات المختصة. وما الامتثال بقوانين وآليات جمع المال عن طريق الحصالات التجارية التي أصبحت سارية المفعول منذ أمد بعيد، إلا مثالاً واحداً لذلك. وحتى آلية جمع المال للمشاريع التنموية والأغراض العامة، التي أصدرتها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية من طرف واحد، ولم تشاركها الجمعيات في صياغتها والإتفاق عليها، والتي عليها ما عليها من مآخذ وسلبيات كونها تضيّق الخناق على الجمعيات الخيرية، اضطرت الجمعيات إلى تنفيذها على مضض. هذه الآلية أصبحت حجرَ عثرةٍ في سبيل تطوير موارد الجمعيات بل تحجيمها وتقييد حركتها.

ولذلك، عندما نقرأ هذه الأيام عن اشتراطات جديدة لتنظيم عملية حاويات جمع الملابس، ومنها دفع تأمين على كل حاوية، وإعطاء فترة زمنية لكل حاوية مرخصة، وأخذ تصريح خاص لكل حاوية، ووضع ملصق خاص عليها، وأخذ تصريح جديد في حال انتهاء الفترة أو استبدال موقع الحاوية، فإننا نتذكّر تلك الاشتراطات المعقدة الخاصة بجمع المال التي تكبل حالياً أيدي الجمعيات. وعلى أساس أنه قد «عادت حليمة لعادتها القديمة»، فستضيف هذه الاشتراطات الجديدة عبئاً جديداً على هذه الجمعيات.

يقول بعض المتطوعين في هذه الجمعيات، ولعله رأي أغلبهم، بأنهم حتى الآن لم يستوعبوا بعد الاشتراطات في قانون وآلية جمع المال، فكيف بها، أي السلطات المختصة، ستقنع الجمعيات هذه المرة بأن هذه الاشتراطات الجديدة لوضع الحاويات، لن تكون كمثل الاشتراطات المعقدة السابقة لوضع الحصالات في المحلات التجارية وكذلك جمع المال عموماً؟

والسؤال المهم: لماذا كل هذا النكد على الجمعيات الخيرية التي قامت على مبدأ مساعدة الدولة في دعم الفقراء والمحتاجين والأيتام وتقوم بدور كبير في تنمية المجتمع المحلي؟ فالأساس هو مساعدة الجمعيات على تقوية دورها التنموي وإزالة كل ما يعوق ذلك، وليس وضع التعقيدات في طريقها كلّما سعت هذه الجمعيات في سبيل زيادة مواردها وتسهيل مهمتها الإنسانية.

إننا نرى أنه من واجب وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أن تنسّق مع الجهات الأخرى في الدولة التي لها علاقة مباشرة بشئون الجمعيات الخيرية، ولكن أن تكون لها اليد الطولى في حماية الجمعيات وتطويرها، كونها المسئولة عنها وتحت مظلتها، لا أن تتركها في مهب الريح تتقاذفها آراء الجهات الأخرى التي ربما ليس لها علمٌ بظروف عمل وأداء هذه الجمعيات وخدماتها ومتطلبات تطويرها.

لو كنت المسئول في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية فلن أكتفي بإرسال هكذا تعميم فوقي من الوزارة، وكأن المشكلة سيحلها ببساطة هذا القرار أو ذاك، ولكنني سأجتمع ببعض ممثلي هذه الجمعيات للتشاور معهم وأخذ آرائهم ومرئياتهم. مشاركة الجمعيات في صياغة الآلية المطلوبة لتنظيم عملية نشر حاويات جمع الملابس، ستجعلها تلتزم بالآلية المتفق عليها وتنفذها بارتياح بما يكفل حق الجميع. إذاً باسم الخير لهذا البلد المعطاء، أوقفوا هذا «النَّكَدْ».

إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"

العدد 5329 - الأحد 09 أبريل 2017م الموافق 12 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 6:54 ص

      الهدف من وضع صندوق او حاوية جمع الملابس هو التسهيل على المتبرعين او الراغبين بالتبرع وتذكير الناس بأهمية التبرع بالملابس المستعملة للاستفادة منها وهذا عمل خيري من الحسنات
      لاكن مع الاسف صارت الحاويات توضع في مواقع بشكل عشوائي و في هذه الفترة عند دخولك شارع باب البحرين من جهة الكنيسة سترى دكاكين جديدة يقوم البنغالية بأستغلالها بالمتاجرة هي نفسها الثياب التي تبرع الناس بها للمحتاجين .

    • زائر 19 | 6:02 ص

      هناك من يتشفى بمعانات الفقراء .... عدم احساس بالمسئولية ....
      نفوس مريضة

    • زائر 17 | 4:35 م

      متى ما غيرت الوزارة نظرتها للجمعيات الخيرية من نظرة مراقب ومحاسب الى نظرة الشريك و المكمل سيتغير الحال .
      عندها سنرى اجتماعات دورية لمناقشة القوانين و الأنظمة المساعدة والمنظمة لعمل الجمعيات افضل من القرارات الفوقية التي تفرض فرض على الجمعيات الخيرية.

    • زائر 15 | 3:12 م

      بدل دعم الوزارة للجمعيات تنكد عليهم

    • زائر 14 | 10:40 ص

      للأسف الموضوع ذو شجون اخشى أن لاتصل الأمور الى مالايحمد عقباه وبسبب كثرة التعقيدات والضغوط من قبل وزارة التنمية على الجمعيات الخيرية أن تقوم أدارات الجمعيات بالتخلي عن مسئولياتها والقيام بأرسال العوائل والفقراء الى الوزارة وتحميل الوزارة كافة المسئولية و\\لك من أجل أبراء الذمة....

    • زائر 13 | 9:46 ص

      لو كان بيدي لاتصلت بممثلين الجمعيات و شغلتهم موظفين لدى الوزارة و اجريت لهم رواتب و اعطيتهم مهام واضحة و استلمت منهم تقارير دورية.....مو احسن من شغل النكد و لنحاس ؟؟؟؟!!

    • زائر 12 | 8:58 ص

      نكد وتضييق، يفترض تسهيل ودعم.

    • زائر 16 زائر 12 | 4:27 م

      لقد أصبت يا أستاذ حسين
      فالعمل الخيري في البلد يتعرض إلى تضييق شديد ،ونخشى عليه من أن يصل به الحال إلى الإنحسار - وتكون الأسر الفقيرة والمعدمة ضحايا ذلك الإنحسار

    • زائر 11 | 8:32 ص

      المقال في الصميم .. وتعبير (نكد) ما هو إلا تلطيف للواقع اللي قاعد يصير ... الحكومة قاعدة تضيق الخناق على الجمعيات الخيرية .. هذا هو الواقع

    • زائر 8 | 2:40 ص

      للأسف الحكومة تواجه الجمعيات بحجة جمال البلد وسياحته هذا اسلوب غير مقنع ، وما تشير اليه المعطيات من (نكد) هو دليل على التضيق على الجمعيات ، والله المستعان

    • زائر 7 | 2:29 ص

      فكرة جمع الملابس المستخدمة وبيعها بطريقة غبية يعتبر عيب على القائمين عليها . الاستثمر ممتاز أما بيعها ب 100 فلس أو 200 للكيلو فهذي قمت الغباب لو في استثمار حقيقي تقدر توفر فيه فرص عمل ودخل ممتاز . الأساليب التقليدية سبب كل بلية

    • زائر 9 زائر 7 | 5:07 ص

      هذا الاسلوب لا يعمم على الجميع ويكفيكم ادعاءات باطلة. والبيع بثمن رخيص واستثمار المبلغ في دعم الفقراء لهو افضل من ركن الملابس لعدم تقبل غالبية المحتاجين بلبس المستخدم.

    • زائر 10 زائر 7 | 8:30 ص

      الجمعيات الخيرية مستعدة للتطوير والإستماع للمقترحات .. في كل كلامك الناقد ما قلت ويش هوه مقترحك وويش هوه الحل البديل

    • زائر 4 | 1:17 ص

      الحواجز الاسمنتية والاسلاك الشائكة في معظم مناطق البحرين الا تشوه جمال البلد وسياحة البل .… فاين هم من يدعوون المحافظة على جمال البلد .؟؟؟..ماأقول الا طمبورها عجل

    • زائر 3 | 1:06 ص

      المسألة أعمق من هذا .. فهناك جمعيات لاحسيب ولا رقيب ولديها كل الصلاحيات بوضع حصالات وجمع مال وغيره ودون وجود أي تصريح.

    • زائر 1 | 11:26 م

      حاويات الملابس حلّت مشكلة عند أغلب العوائل بتصريف الملابس، وهذه خطوة ذكية ومنظمة من الجمعيات الخيرية
      من وجهة نظري هو ليس نكد بقدر ما هو تضييق وسياسة تجويع للمواطن الفقير ، وكما ذكرت التصريح على الحصالات هو البداية والنهاية في منطقة الدراز وجمع أموال الخمس.

    • زائر 2 زائر 1 | 12:31 ص

      بهذا سياتي اليوم الذي ترى فيه وزارة التنمية طوابير المحتاجين على ابواب الوزارة لانه حينها ستكون الجمعيات الخيرية قد اغلقت ابوابها لانه لا يمكنها الاستمرا تحت وطأة هذا التضييق . هذا ما ستؤول اليه الامور شئنا ام ابينا.

    • زائر 18 زائر 2 | 3:58 ص

      من المناسب تسمية عام٢٠١٧ ب " عام النكد " على الجمعيات الخيرية والبركة في قرارات وزارة العمل والتنمية الاجتماعية .الموضوع بإختصار : لا ترحم ولا تخلي رحمة الله تنزل .

اقرأ ايضاً