العدد 5329 - الأحد 09 أبريل 2017م الموافق 12 رجب 1438هـ

من البادية إلى النفط... النعيمي يتحدّث

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اليوم، سأتحدث عن شخصية سعودية بارزة كان لها حضور طوال عقدين من الزمن. إنه علي بن إبراهيم النعيمي الذي عمل كوزير للنفط في بلاده المملكة العربية السعودية منذ العام 1995 ولغاية العام 2016. لكن النعيمي أيضاً، وقبل أن يتبوأ ذلك المنصب بنصف قرن و6 سنين كان راعياً لـ 150 رأساً من الغنم مع أخيه غير الشقيق محمد. هكذا يتحدث الوزير النعيمي عن حياته.

بل ويزيد عليها بأنه لم يعرف النعل حتى سن التاسعة من عمره «إذ لا يحتاجها ابن بادية كان أول عمل يزاوله رعي الغنم في الرابعة من عمره»، كما يشير. وهو ما يجعل من سيرة الرجل تتناول قضايا متعددة.

عندما نتحدث عن النعيمي يجب أن نُركِّب المشهد حوله بشكل دقيق. فهو كان وزيراً للنفط في أهم بلد مُنتِج للطاقة الأحفورية في العالم، ولديه احتياطي يُقدَّر بـ 260 مليار برميل من النفط. إذاً، هو وزير من نوع خاص في بلد له من الخصوصية الاقتصادية الكثير. وبالتالي، فهو حين يتحدث يجب أن يُستَمَع له جيداً، وهو ما جعل سيرته الذاتية الصادرة حديثا واحدة من أهم السِّيَر التي كُتِبَت في الآونة الأخيرة.

«من البادية إلى عالَم النفط» هو اسم المذكرات التي صَدَرَت حديثا عن الدار العربية للعلوم ناشرون، وتحكي قصة حياة الوزير النعيمي. الكتاب من القطع الكبير، ويضم 285 صفحة موزعة على 23 عنوانا تناولها هذا السِّفْر القيِّم، إذ تحدث النعيمي فيها عن حياته الخاصة والعملية والحوادث التي عاصرها سواء في طفولته أو حين تقلد مناصب مهمة في الدولة.

الكتاب دُشِّن في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي في معهد تشاتام هاوس بالعاصمة البريطانية لندن، وقد صَدَرَ حينها باللغة الانجليزية تحت عنوان: Out of the Desert ، وهو اليوم بين أيدينا مترجم بالعربية. لكن في المحصلة، فإن الكتاب مهم جداً كونه يتحدث عن محطات مهمة سياسية واقتصادية مفصلية، بل وحتى اجتماعية تجعل من قراءته أمراً ضرورياً.

بالتأكيد فإن وجود الوزير النعيمي 70 سنة في شركة أرامكو السعودية، و22 عاماً كوزير للنفط في بلد نفطي هي أشياء مهمّة، لكن أيضاً لا يُمكن إغفال رؤية الكاتب للظروف الاجتماعية خلال فترة الثلاثينات من القرن الماضي وما تلاها، وخصوصاً أن التجارب الذاتية في المشاهدة تبقى كالمكعبات التي ما إن تُجمَع حتى تمنحنا صورة أوضح للمشهد الاجتماعي الذي كان قائماً.

يصف النعيمي حياته الأولى بأنه عاشها «شبه معزولة عن المدينة والحضارة». وكانت «كُتُبنا هي الشمس الحارقة والقمر المنير والنجوم المتلألئة، وكانت مدارسنا مجالس السّمر حول النار، وكانت أحاديثنا مع الأغراب عند واحات النخيل أو في ميادين المدن الساحلية وأسواقها بمثابة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة اليوم». ثم يتحدث عن النقلة التي حدثت حين تأسست الدولة السعودية قبل أن يُولَد بثلاثة أعوام، ثم اكتشاف النفط فيها بعد ولادته بثلاثة أعوام أيضاً.

من الأشياء اللافتة في السّيرة هي أن النعيمي (وهو القادم من مجتمع محافظ جداً) يتحدث بالتفصيل عن أسرته وعن شخصه حتى في أدق الأشياء. وهو يذكر مازجاً ما يقوله مع ما تناولته الدراسات الإثنوغرافية حول البدو والحضر. كما يصف أحوال الأنواء وكيف يتابع البدو رحلاتهم ودالتهم في ذلك هي العشب الذي ينبت في الشتاء هنا، والصيف هناك وهكذا. بل إن الحَفر في الذاكرة قد يجرّك إلى أشياء تعتقد أنها بسيطة لكنها تشكل مدخلاً لدراسات يقوم بها أهل الاختصاص.

أما عن حياته العملية كوزير للبترول وقبلها متدرجاً في مناصب قيادية بأرامكو فهي تزخر بالتجارب والمشاهدات. وللعلم فإن الوزير النعيمي عندما تقلد منصب وزير البترول كان يستعد حينها للدخول إلى عامه الستين، وبالتالي الذهاب إلى حياة التقاعد، لكن تكليفه من قبل المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله في العام 1995 كي يتقلد منصب وزير النفط جعله يبقى في المنصب عقدين ونيّف، أيّ أنه وحين مغادرته منصبه الوزاري في العام 2016 كان النعيمي قد ناهز الثمانين من العمر، لكن ذلك العمر المتقدم لم يحل دون أن يصبح وزيراً متفرداً مسطرا إنجازات مهمة.

والحقيقة أن مسألة النفط هي من المسائل المعقدة والدقيقة، التي يتداخل فيها التقني بالسياسي. أتذكر أنني وحين شرعت في إتمام ملف موسّع عن المسألة النفطية ونشرناه في «الوسط» في 08 أكتوبر/ تشرين الأول2014 شكَّل ذلك تحدياً كبيراً لي، بل واعتبرته من أكثر المهام الصحافية تعقيداً والتي واجهتها من حيث فهم المُركَّبات الهيدروكربونية وأساسها، وكيف تتدرَّج في التعقيد، مع زيادة عدد ذرَّات الكربون، ثم التفاصل الخاصة بالعقود والبيع والطلب والأسعار.

فهذه المادة (النفط) وعلى رغم حروفها الثلاثة: نَفْط حين ننطقها بالعربية أو بحروفها الخمسة: بترول كما يسمّيها الأعاجم إلاّ أن هذه النعمة باتت تدرّ على العالم من الأموال ما يربو على الـ 800 مليار دولار كل عام. لذلك غيَّرت هذه المادة المستخرجة حياة كافة المجتمعات التي ظهرت فيها، ومن بينها المملكة العربية السعودية التي اكتُشِف النفط فيها في العام 1938.

لن أسهب في الاستعراض أكثر لكن من المهم أن يتمّ الاطلاع على مذكرات الوزير النعيمي كونه أحد الشهود المتميزين على حوادث كثيرة جرت خلال عقود من الزمن.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5329 - الأحد 09 أبريل 2017م الموافق 12 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:22 ص

      نعم يمكن استنتاج ومعرفة الكثير من كتاب سيرته. وكذلك مؤلفات الدكتور الراحل غازي القصيبي سيرته الذاتية وتجاربه وما واكبه من احداث في حياته حينما تقلد بعض المناصب في الدولة.حتى مع عدم توافق الرأي مع بعض الحيثيات ولكن تبقى المعرفة من خلال بوابة هؤلاء الرجالات زاخرة مهمة.

اقرأ ايضاً