العدد 5330 - الإثنين 10 أبريل 2017م الموافق 13 رجب 1438هـ

أوائل الكتب البحرينية المطبوعة

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

كان على الكتاب العربي أن ينتظر قروناً طويلةً حتى ينتقل من عصر المخطوط إلى عصر الطباعة الحديثة التي عرفتها البشرية قبل أكثر من 5 قرون، لتستبدل بعدها النُسّاخ بالمطابع والبشر بالآلة. صحيح أن اكتشاف الكتابة ثم الورق وأخيراً الطباعة -بشكلها الأولي- هي من مُعطيات الإنسان الشرقي، بيد أن المجتمعات الأخرى اقتبست هذه الفنون فأعادت إنتاجها وطوّرتها، وعملت على تحديثها لتعميم وتيسير الإفادة منها.

لقد كان ظهور الطباعة الحديثة في أوروبا في القرن الخامس عشر الميلادي، أي بعد ولادتها في الصين بنحو 7 قرون، غير أن الأوروبيين استطاعوا فيما بعد تطوير هذه الصناعة بشكل كبير، إذ شهدت إيطاليا في العام 1464 أو 1465 أول الإرهاصات الفعلية للطباعة الحديثة بعد تأسيس مطبعة بأحد أديرة مدينة "سوبيا كو" القريبة من روما.

وتُعد الأستانة أول مُدن الشرق التي وصلتها الطباعة بعد المدن الأوروبية حيث طبع فيها في العام 1729 ترجمة "صحاح الجوهري" إلى التركية، أما بلاد الشام فهي المحطة الثانية للطباعة الوافدة من أوروبا، فقد طبع كتاب "مزامير داود" بالعربية في مطبعة أنشأها رهبان "مار قزحيا" في ديرهم بلبنان، وهي أقدم مطابع سورية.

وإذا كان أول كتاب عربي طبع في البلاد العربية هو كتاب طقسي كنسي طبع في حلب باليونانية والعربية سنة 1702م، فإن أول كتاب بحريني تتم طباعته طباعة حجرية في عام 1853م/ 1269هـ هو كتاب "لؤلؤة البحرين" بإحدى مطابع طهران، أي بعد قرن ونصف من ظهور أول كتاب عربي مطبوع.

ويؤكد الباحث البحريني منصور سرحان -مُحقاً- في كتابه "رصد الحركة الفكرية في البحرين" أنه وخلال البحث عن الكتب القديمة المطبوعة طباعة حجرية، لم يعثر على كتاب قبل طباعة كتاب "لؤلؤة البحرين"، على رغم أن كتاب "الفرحة الإنسية في شرح النفحة القدسية" للشيخ حسين بن محمد آل عصفور طبع طباعة حجرية تخلو من التاريخ، وإنما ذكرت عبارة الناسخ التي أشار فيها إلى أنه انتهى من النسخ في ضحى يوم الإثنين شهر ربيع الأول أحد شهور سنة 1229هـ (1814م).

وليس من المستغرب أن تكون إيران هي البلد الذي احتضن طباعة أول كتاب بحريني؛ لأسباب تاريخية وجغرافية ودينية ومذهبية، وكنا أشرنا في مقالات سابقة إلى أهمية التراث العربي والإسلامي المخطوط في إيران وغناه، وفيه تراث علمي بحراني بالغ الأهمية، وسنحاول هنا الإشارة إلى أوائل الكتب البحرينية المطبوعة، حيث يورد عبدالجبار الرفاعي في عمله المعجمي الرائد "معجم المطبوعات العربية في إيران" أوائل المطبوعات العربية في إيران منذ بداية ظهور الطباعة حتى عام 1882م/ 1300هـ، وفيه نقف على جانب من حركة الإنتاج الضخم للكتاب العربي في إيران في العهد القاجاري (1779 – 1925م/ 1193 – 1344هـ). 

ونظراً لاتحاد الأبجدية العربية والفارسية، صار من السهل على أصحاب المطابع الإيرانية طباعة الكتاب العربي، كما أن اللغة العربية هي اللغة الأم للتراث الإسلامي المشترك بين عامة المسلمين، وقد عرفت عناية الفرس بهذا التراث منذ العصر الإسلامي الأول تدويناً وحفظاً ودراسة، مما جعلها لفترة ليست بالقصيرة لغة الكتابة العلمية؛ وهذا ما يفسّر الاهتمام بطباعة ونشر الكتاب العربي في وقت مبكر من تاريخ الطباعة في إيران، وولادة طباعة الكتاب الفارسي والعربي في فترات متقاربة.

وبالرجوع إلى المعجم المذكور، يمكن العثور على عدد من عناوين الكتب البحرينية التي احتلت قائمة أوائل الكتب العربية التي صدرت في إيران منذ بداية ظهور الطباعة حتى عام 1882م/ 1300 هـ، من بين قائمة تضم نحو 400 عنوان كتاب من الكتب العربية المطبوعة في هذه الفترة. ومن الملاحظ أن تراث المحدّث السيد هاشم البحراني (ت 1697م/ 1109هـ) حظي بالنصيب الأكبر من الاهتمام، فقد طبع من مؤلفاته: "البرهان في تفسير القرآن" في الفترة من 1878م/ 1295هـ – 1885م/ 1302 هـ، في 4 مجلدات كبيرة. و"تبصرة الولي مع غاية المرام وحجة الخصام" عام  1856م/ 1272هـ، و"غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام" في عام 1856م/ 1272هـ، و"المحجة في ما نزل من القرآن في القائم الحجة مع غاية المرام وحجة الخصام" في العام 1856م/ 1272هـ، و"مدينة المعاجز في النص على الأئمة الهُداة" عام 1855م/ 1271هـ، ثم أعيد طبعه في  1883م/ 1300هـ. وكتاب "معالم الزلفى في معارف النشأة الأولى والأخرى" في 1872م/ 1289هـ، و"نزهة الأبرار ومنار الأنظار" باهتمام بهرام معز الدولة وذلك عام 1872م/ 1279هـ، كما طبع عام 1856م/ 1272هـ كتاب "الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة" للحر العاملي، منضماً إلى "غاية المرام" للبحراني.

ويتسع الاهتمام بطباعة تراث علماء البحرين العلمي ليشمل كتاب الشيخ يوسف العصفور (ت 1772م/ 1186هـ): "لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرّتي العين" الذي طبع عام 1853م/ 1269هـ كما أشرنا.

وطبع أيضاً في مدينة تبريز في العام 1860م/ 1276هـ كتاب "الصحيفة الثانية العلوية والتحفة المرتضوية" لعبدالله بن صالح السماهيجي (ت 1723م / 1135هـ)، وكتاب "مصباح السالكين" لكمال الدين ميثم البحراني (كان حيًّا 1288م/ 687هـ)، وهو شرحه الكبير لنهج البلاغة، وذلك عام 1860م/ 1276هـ، باهتمام ملا محمد باقر. وكتاب "حياة الإمام الحسين" المستل من الموسوعة الكبيرة للشيخ عبدالله بن نور الله البحراني، أحد أعلام القرن الحادي عشر الهجري، "عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال" في مطبعة إبراهيم التبريزي عام 1878م/ 1878هـ.

وهكذا نقف على وجه آخر من وجوه العناية بالتراث الإسلامي الذي قدّر له أن يهاجر من البحرين ويستقر في إيران لمئات السنين، تتلقفه أيدي النسّاخين، وتتبادله أيدي العلماء والطلبة بالحفظ والدرس، إلى حين ظهور الطباعة. وكما تعهّد الإيرانيون تراث البحرين العلمي مخطوطاً بوصفه جزءاً من الميراث الإسلامي الجدير بالاعتزاز، منحوه أيضاً ذات الاهتمام بعد ظهور المطابع الحجرية التي حققت له انتشاراً واسعاً ووضعته في موقعه اللائق من الميراث الإنساني العالمي.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5330 - الإثنين 10 أبريل 2017م الموافق 13 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:45 م

      "في مطبعة أنشأها رهبان (مار قزحيا) في ديرهم بلبنان، وهي أقدم مطابع سورية." كيف بلبنان وسورية؟؟

اقرأ ايضاً