العدد 5332 - الأربعاء 12 أبريل 2017م الموافق 15 رجب 1438هـ

"فأر السماء" يحتل الأسطح في الجزائر

لم يعد النورس طائراً بحرياً محبباً يتغذى من الأسماك على الشريط الساحلي الجزائري، بل تحول إلى "فأر سماء" كما يصفه السكان، يحتل أسطح المساكن والبنايات ويقتات على النفايات، في ظل التزايد الهائل لأعداده.

في السنوات الأخيرة، عانى كثير من الجزائريين من احتلال هذا الطائر لمدنهم ليتغذى من النفايات، كما هو حال على الذي يصرخ غاضبا "هذا ليس طائراً، بل هو فأر يحتل سطح منزلي".

وتزايدات أعداد النورس بشكل كبير خلال الأربعين سنة الماضية في حوض البحر الأبيض المتوسط، حتى أصبح الطائر الأكثر انتشاراً في المنطقة. وأوضحت نوال دراجي التي تعد رسالة دكتوراه في البيئة بجامعة هواري بومدين أن "هذا التطور (في أعداد النورس) أدى إلى توسيع أماكن التكاثر واحتلال مواقع جديدة حتى في المدن".

ويتميز النورس أصفر الساقين المنتشر بالسواحل الجزائرية، بهيئة قوية وصدر بارز وساقين بلون أصفر برتقالي ومنقار أكثر بروزا مقارنة بالأنواع الأخرى من النورس مع نقطة حمراء في الأسفل. ولكن جماله لم يشفع له ليكون جاراً مرحباً به في المدن.

حتى أن العديد من المدن الجزائرية تخضع للدراسة من أجل كشف مدى انتشار النورس فيها. وبحسب دراسة أجراها البروفيسور رياض مولاي من جامعة بجاية فانه "خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية تضاعفت أعداد النورس وفي بعض المناطق بلغت نسبة الزيادة 400 في المئة".

هذا الطائر من الفصيلة النورسية مهاجم وعدواني كثير الضجيج ويتسبب في انتشار الأوساخ. كما أنه يهاجم الطيور التي تعيش في المدينة، بحسب الباحثة نوال دراجي. وأشارت عدة شهادات إلى مهاجمة النورس طيورا صغيرة ما تسبب في تقلص أعدادها في بعض المناطق.

حتى وإن كان علي يحب الحيوانات، إلا أن "هذه الآفة" تمنعه من استخدام سطح منزله. "فلم يعد بالإمكان نشر الغسيل أو الجلوس على السطح فالمكان وسخ جداً بسبب فضلات النورس". وهو يأسف لكون الطائر غير جيد للأكل "وإلا لكانت أعداده في تناقص".

 

من البحر الى المدينة

وبحسب دراجي فإن النورس أصفر الساقين استطاع التأقلم مع الحياة في المدن من خلال ثلاثة تغييرات جوهرية.

فالطائر تحول من "آكل للكائنات البحرية إلى آكل لفضلات البشر في مكبات النفايات في العراء حيث يجد بكل سهولة غذاء كثيرا ومتجددا باستمرار" كما أوضحت الباحثة.

وأضافت أن "تشوتشو مالح" كما يسميه سكان العاصمة الجزائرية، غيّر أيضا نمط حياته من العيش والتكاثر في مجموعات إلى العيش وحيدا وازداد عدوانية لاحتلال مناطق جغرافية كبيرة ويبني أعشاشه على أسطح المنازل التي يشبهها بالمنحدرات القريبة من السواحل، وهي موطنه الاصلي.

وبتغيير مكان تكاثره تأقلم الطائر مع المواد المتوفرة في المدينة من أجل بناء عشه. فبعض الأعشاش مبنية بقطع من القماش والبلاستيك وحتى العظام.

وأظهرت النتائج الأولية لدراسة أقيمت في المناطق الحضرية للعاصمة الجزائرية التزايد الكبير لأعدادها، فقد تم العثور على 150 عشا بينما لم يكن عددها في 2001 سوى ثلاثة اعشاش. وحتى هذه الأرقام لا تعكس الحقيقة لأن اعشاش النورس لا يمكن العثور عليها بسهولة.

وأشار مولاي إلى أن هذا الطائر يبني عشه في أي مكان يجده مناسباً ويبقى فيه. فهو يتبع عادة مجاري المياه ومكبات النفايات. وأوضح أنه " تم العثور على النورس على بعد 100 كيلومتر من الساحل".

وأضاف أن النورس ليس له أي تأثير إيجابي على الحياة في المدينة لكنه "سيكون أكثر تواجداً في المناطق الحضرية"، علما أن الضرر الذي يسببه تزايد أعدادها يعد إشكالاً بحد ذاته.

وهو يرى أن تقليص عدد مكبات النفايات في العراء أو غلقها نهائياً سيؤدي إلى تقليص أعداد هذا النوع من الطيور بشكل لافت.

وعلى رغم السمعة السيئة التي صاحبت غزوته للمدن إلا أن النورس وجد بعض المعجبين به، كما هو حال رشيد، الصياد في تمنفوست (25 كيلومترا شرق الجزائر)، الذي يرعى الطيور ويقدم لها الغذاء.

وقال "يعيش فوق سطح منزلي أربعة أزواج من الطيور منذ عدة سنوات، وأقدم لها أحيانا سمكات من السردين آخر النهار. أضعها وهي تتلقفها، شيء عجيب". ولعل الصيادين والساكنين بجانب البحر أكثر تسامحاً مع النورس.

أما عائشة، ابنة الجزائر العاصمة، فتعيش مع زوج نورس منذ ثلاث سنوات وهما يأكلان "كل الفضلات... حتى اننا لا نرمي شيئا" كما تقول ضاحكة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً