العدد 5342 - السبت 22 أبريل 2017م الموافق 25 رجب 1438هـ

المكتبة الخليفية بين عامي 1954 و2017

منصور محمد سرحان comments [at] alwasatnews.com

اجتمع في بداية العام1954 مجموعة من شباب آل خليفة الذين كانوا يقطنون مدينة المحرق آنذاك، وكان من بينهم سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، والشيخ دعيج بن علي آل خليفة، والشيخ عمر بن عبدالعزيز آل خليفة وغيرهم من شباب آل خليفة الذين نالوا قسطا من العلم والمعرفة، وقرروا أثناء اجتماعهم تأسيس ناد بالمحرق يجمعهم ويكون مفتوحا لجميع الأهالي.

تقدمت تلك المجموعة من الشباب بطلب تأسيس النادي إلى صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين، وقابلته بخصوص أخذ موافقته على تأسيس النادي، إلا أن عظمته أشار عليهم تبني تأسيس مكتبة تقدم خدمات ثقافية لجميع سكان جزيرة المحرق، وبقية المواطنين الذين يرغبون في زيارتها من مختلف مناطق البحرين. وأبلغهم بأن هناك ناديا بالمحرق، وأن الحاجة إلى وجود مكتبة أصبح أمرا ضروريا ليقضي الأهالي أوقات فراغهم بالمكتبة، بما يعود عليهم بالنفع من خلال القراءة والاطلاع، وتصفح الجرائد المحلية أو تلك التي يتم جلبها من الخارج.

أدركت تلك المجموعة المثقفة من شباب آل خليفة أهمية ووجاهة اقتراح صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البلاد، ووجدوا أن الاهتمام بالثقافة ونشرها ينطلق من المكتبة وليس النادي، وخاصة أنهم شاهدوا افتتاح مكتبة عامة بمدينة المنامة في العام 1946، وكان أهالي المحرق يترددون عليها على رغم صعوبة المواصلات في تلك الفترة.

وجد صاحب العظمة حاكم البلاد تفهم المجموعة وتحمسهم لفكرة افتتاح مكتبة بالمحرق، فتبرع في الحال بمقر المكتبة وهو مبنى مكون من غرفتين متلاصقتين ترتبطان برواق مفتوح، ويقع المبنى مقابل مسجد الشيخ حمد بسوق المحرق. كما ساهم بالمال لشراء طاولات وكراسي وخزائن لعرض الكتب عليها. وخصصت إحدى الغرف للكتب والغرفة الأخرى للدوريات والصحف وجهاز التلفاز الذي كان يستقبل محطة أرامكو بالظهران من المملكة العربية السعودية، حيث كان المترددون على المكتبة يقضون جل وقتهم في هذه الغرفة.

عهد إلى سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئاسة المكتبة، وعين الشيخ عمر بن عبدالعزيز آل خليفة سكرتيرا. ومن أعضاء إدارة المكتبة الخليفية الشيخ دعيج بن علي آل خليفة والشيخ سلمان بن علي آل خليفة.

ونظرا لكونها مكتبة فتية؛ فقد تبرع الأعضاء بالكتب، وأدى ذلك إلى ملء رفوف الغرفة المخصصة للكتب. ومنذ افتتاحها أخذ أهالي المحرق بالتردد عليها. وكان لقربها من مسجد الشيخ حمد أثره الكبير في زيادة الإقبال على استخدامها وخاصة قبل وبعد صلاة العصر وحتى المساء. وفي عام 1960 نقل الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس المكتبة ومؤسسها للعمل بالبلدية فتأثرت المكتبة وقل نشاطها.

ويبدو أن المكتبة الخليفية قد أغلقت بعد العام 1962، حيث يذكر الشاعر أحمد محمد آل خليفة في ديوانه (هجير وسراب) في قصيدته «شروق المجد» عبارة تؤرخ إلقاء تلك القصيدة، وتقدم لنا معلومة موثقة عن المكتبة الخليفية وذلك وفق النص التالي الذي كتبه في مقدمة القصيدة «ألقيت في الحفلة التكريمية التي أقامها اتحاد الأندية الوطنية بالاشتراك مع المكتبة الخليفية في اليوم الثالث بعيد الجلوس الأول لصاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة عام1962. يتضح لنا من هذه العبارة الموثقة أن المكتبة الخليفية كانت موجودة حتى عام1962، وربما أغلقت بعد ذلك العام، أما كتبها فكان مصيرها الضياع على رغم تحويل بعضها إلى رعاية الطفولة والأمومة».

لقد أحسنت حكومتنا الرشيدة صنعا بإعادة إحياء هذه المكتبة من جديد، باعتبارها معلما من معالم البحرين الثقافية. فقد قدمت هذه المكتبة خدمات ثقافية على مدى 9 سنوات متواصلة، أي في الفترة من العام 1954 وحتى نهاية العام 1962. وهاهي اليوم يعاد افتتاحها في موقعها من جديد بعد تغيب استمر 55 سنة، وفق خطة هيئة البحرين للثقافة والآثار والتي تولي المباني القديمة ذات البعد الثقافي اهتمامها الخاص. فقد تمت إعادة تشييد المبنى من جديد، وفق تصميم هندسي يجسد الطابع القديم، ويتكون من 3 أدوار مع وجود شرفات أعطت المظهر الخارجي للمكتبة بعدا هندسيا رائعا.

كان دور سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة في تأسيس المكتبة الخليفية في عام 1954 واضحا من خلال ترؤسه المكتبة والإشراف على خدماتها. وكذلك كان دوره في إعادة تأسيسها من جديد في غاية الأهمية.

وهنا لابد لي من أن أذكر بعد نظر سمو الشيخ عبدالله بشأن المكتبة الخليفية باعتباري شاهدا على عصره. ففي 18 ديسمبر/ كانون الاول2008، تم افتتاح مركز عيسى الثقافي ومكتبته الوطنية من قبل صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى.

وحدث أن قام سمو الشيخ عبدالله قبل افتتاح المكتبة ببضعة أشهر بإهداء المكتبة الوطنية مكتبته الخاصة التي ضمت آلاف الكتب والمراجع والدوريات. وقد أبلغت سموه بأن هناك الكثير من النسخ المكررة والتي تبلغ زهاء ألفي مجلد، وأنني أرى عرضها جميعا في المكان المخصص لمكتبة الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة بالمكتبة الوطنية؛ نظرا لأهميتها وندرتها.

كان جواب سموه مغايرا لما كنت أظنه حيث قال: «احتفظ بالنسخ المكررة في مخازن المكتبة الوطنية، وإنني متأكد طال الزمان أم قصر أن المكتبة الخليفية سيعاد تأسيسها من جديد باعتبارها من معالم البحرين الثقافية العريقة، وحينها يتوجب عليكم نقلها إلى المكتبة الخليفية».

لقد تحققت رؤيته بإعادة افتتاحها من جديد، وستكون إضافة نوعية تساهم في نشر الوعي الثقافي في مملكة البحرين العزيزة.

إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"

العدد 5342 - السبت 22 أبريل 2017م الموافق 25 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:35 ص

      من المكتبات الوطنيه المكتبه الروسيه
      فليس بسر رأي علماء الروس لارجاع الفضل لناشر العلم والتكير المتقدم فلادمير ايليافتش ايليانوف ( لينين). فليس بسر متى ما كان عمل الانسان من اجل البشار وكان عمله او اعماله من اجل الناس وللناس فلا ضير في اضافة اسم مضاف إلى المكتبه الوطنيه لتذكر الروسي بروسيته ان يقرأ كثيرا. البحرين اليوم تزخر بالمكتبات العامه كما تزخر بالحداق المعلقه وكثير من الاصاطير القديمه، منها ارض الحياة والخلود او دلمون. فهل كانت لدلمون مكتبه عامه او لم تكن?

    • زائر 1 | 2:37 ص

      الواقع يرجع الفضل في إعادة افتتاح المكتبة الخليفة الى الشيخة مي بنت محمد آل خليفة التي لا تألو جهدا في إعادة الحياة الى المعالم المهمة في مدينة المحرق و أظن ذلك لا يخفى على الدكتور منصور سرحان.

اقرأ ايضاً