العدد 5348 - الجمعة 28 أبريل 2017م الموافق 02 شعبان 1438هـ

الراحل أحمد جناحي... منارة بحرينية

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

ارتبط الكثيرون بمجلس المرحوم أحمد عبدالرحيم جناحي (بوخالد) في عراد منذ سنين، فبالنسبة لي ولرواد هذا المجلس، فإن صورة بحرينية أصيلة جمعت قلب المرحوم بوخالد وقلوب كل البحرينيين والمقيمين الذين وجدوا في هذا المجلس الكريم (منارة بحرينية) أصيلة قوامها لم الشمل ونشر المحبة والحفاظ على ثوابت وقيم المجتمع البحريني.

بالطبع، لم يكن مجلس المرحوم بوخالد مجرد صورة نمطية تقليدية لمجالسنا، فقد كان بمثابة منتدى أسبوعي يتناول طرح القضايا المعاصرة على اختلافها، بل لا يمكن أن نغفل نقطة مهمة للغاية، وهي أن كل أصحاب الآراء من مختلف التيارات والطوائف والتخصصات لهم موقع في تقديم الجيد من أوراق العمل والمحاضرات، سواء كانوا محاضرين أو حضوراً، ولا يسع المجال للحديث عن أفكار ومبادئ وقيم الراحل بوخالد كمعلم ومرب فاضل وأحد رجالات البحرين الذين أدركوا منذ عقود من الزمن، أن كل تفرقة وخلاف وتناحر مهما كان حجمه يلزم مواجهته بالحكمة والهدوء والمحبة حتى لا يتشظى المجتمع ويتهاوى.

ذات يوم، اتصل المرحوم بوخالد، وكان ذلك في شهر أبريل/ نيسان 2016 ليبلغني عن ترتيب (جلسة) تتناول قضايا الأمة وتحذر من الخلافات وتمتدح الوحدة والتفاهم والتقارب، وبالفعل، كان الاختيار على رئيس محكمة الاستئناف الجعفرية وقاضي التمييز وعضو مجلس القضاء الأعلى وإمام وخطيب جامع عالي الشيخ ناصر بن الشيخ أحمد خلف العصفور، وكان اختياراً موفقاً، فقد قدم الشيخ العصفور ورقة عمل حري بنا أن نجعلها مرجعاً مهماً كونه شخص الأوضاع وقرأها بعمق وحذر من «الكوارث المستقبلية التي ستلحق بالأمة» جراء اشتداد الخلافات والتناحر، ما يوجب التأكيد على «بناء مواقف مبدئية» لمواجهة مخاطر الصراع المذهبي.

المرحوم بوخالد كان مؤمناً جداً بأن مرحلة الصراعات التاريخية بين المسلمين كان نتاجها الخراب والبلاء الذي حل على المجتمع الإسلامي، وآثار ذلك البلاء والخراب قائمة بل تزداد ضراوة يوماً بعد يوم، فيما لا مناص من المضي في مواجهة ذلك الخراب بتوحيد الكلمة والأهداف المشتركة وتجاوز الخلافات، سواء بين الشعوب والحكومات، أو بين مكونات الشعوب بعضها ببعض، إلا أن ذلك في نظر الكثيرين كان يمثل حلماً صعب المنال، وهذا ما كان يختلف فيهم معهم المرحوم جناحي الذي كان حتى آخر يوم في حياته يرى أن مسئولية كل مواطن وعربي ومسلم على مستوى من الفهم والإدراك أن يكون جزءاً من المواجهة (الجامعة)، أي المواجهة التي تجمع الكل ضد المخاطر.

واحدة من الأفكار التي آمن بها المرحوم جناحي هي تلك الومضات من الأمل، وهو محور أجاد فيه الشيخ العصفور في ورقته حينما لفت إلى أن التشدد والتصلب في المواقف الذي يعتبره البعض دليلاً على التمسك بالدين، هو في حقيقته تصور خاطي يتبعه كوارث، وهنا يبرز دور أهل الفكر والعلم والثقافة والدين في تغيير المعتقدات والأفكار الخاطئة، فالنتيجة هي أن المنحرف من الأفكار والمعتقدات خلق شريحة كبيرة من المتشددين الذين لم يكتفوا بإثارة الضغائن والأحقاد بين الناس، بل أشد وأخطر من ذلك، فهم يؤمنون بأن قتل الناس وسفك دماء الأبرياء، سواء من المتفقين أو المختلفين معهم في الدين والمذهب، هو طريق إلى الجنة والحور العين وأعلى درجات الفردوس... وهذا كارثة بل أم الكوارث.

بالتأكيد، لن يتوقف عطاء مجلس (جناحي) بعد رحيل (بوخالد) رحمه الله، فقد ترك المرحوم ركناً مهماً لا تحتاجه البحرين فحسب، بل يحتاجه كل المجتمع الإسلامي وهو محاربة مخاطر الاصطفاف الطائفي، وسيحمل (خالد) وأهل المجلس تلك الأمانة دون شك، لأننا كلنا مدركون بأن (البحرين وقيادتها وأهلها الكرام)، لا يمكن أن تنجرف في تيار من يريد بها شراً، ويحمل معول الهدم ليطيح بكيان البيت البحريني من أساسه... رحمك الله يا بوخالد... وجعل مثواك الجنة.

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 5348 - الجمعة 28 أبريل 2017م الموافق 02 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً