العدد 5352 - الثلثاء 02 مايو 2017م الموافق 06 شعبان 1438هـ

التوافق المجتمعي وقانون أحكام الأسرة

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

شكلت ولا تزال مسألة تقنين قوانين الأسرة وتحديثها في المجتمعات العربية والإسلامية إشكالية كبيرة بين اتجاهات يرى بعضها ضرورة التقنين والتحديث، وآخر يرفض فكرة التقنين من أساسها ويسوغ مبررات تعرقل تقنينها وتحديثها لاعتبارات دينية وايدلوجية. بيد أن هذه الإشكالية لا تقل عن إشكالية أخرى تكمن بين أوساط المؤيدين للتقنين والتحديث لجهة تعاطيهم مع ظاهرة التضاد والاختلاف بشأن قوانين أحكام الأسرة، خصوصاً عند مجادلة الفكرة بالفكرة في سياق خصوصيات المجتمع، وظروف المزاج الديني السائد مع الاعتبارات الاجتماعية والسياسية التي لا يمكن تجاوزها بجرة قلم أو عدم وضعها في الحسبان.

لذا وانطلاقاً من ثوابت تبني القضايا الحقوقية للنساء البحرينيات وتمكينهن ومساواتهن؛ أعلن الاتحاد النسائي موقفه في حملات وبيان يدعم صدور قانون الأسرة الموحد وفق المذهبين، وبما ينظم العلاقات الأسرية ويحفظ حقوق المرأة، كما بيّن ضرورة الدفع باتجاه التوافق المجتمعي عليه، وتقريب وجهات النظر وتهيئة المجتمع لقبول التغيير. وحسناً فعلت بدورها جمعية «وعد» بإصدارها موقفاً مميزاً بشأن إصدار القانون، منوّهةً إلى إن إقراره جاء ثمرة نضالات متراكمة للحركة النسائية البحرينية منذ تشكل لجنة الأحوال الشخصية الأهلية العام 1982.

القانون حق دستوري

كما لا يختلف المؤيدون لإصدار قانون موحد بأن مطالبتهم تعني المطالبة بحق دستوري إنساني أصيل للمرأة، وقد تمخض حراك المطالبات الأهلية مع السعي الرسمي إلى إقرار «قانون أحكام الأسرة رقم 19 لسنة 2009 في شقه السني»، فيما استمرت المطالبات بكثافة وجهد دؤوب لاستكمال المنظومة الحقوقية للمرأة، بإصدار قانون موحد يستجيب لاحتياجات النساء لاسيما المتضررات منهن، ويلبي الالتزامات الدولية بهذا الشأن. الأهم في السياق جاء الإعلان عن تشكيل «اللجنة الشرعية» بأمر ملكي رقم 24 لسنة 2017 لمراجعة «مسودة قانون أحكام الأسرة المقترح» كونه يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، خصوصاً وأن غياب القانون بالشق الجعفري منه يعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق النساء والأطفال، لم لا؟ والمرأة هي المتضرر الرئيسي تبعاً لما تكشفه وقائع القضايا المتداولة في المحاكم الشرعية، وما يصل إلى المراكز الاجتماعية من مشكلات زواجية ناهيك عن المخفي والمستور بين جدران المنازل، وعليه لم يعد مبرراً غياب القانون في ظل متغيرات العصر ومتطلبات الواقع الذي تعيشه النساء، «فقد خلق غياب القانون المكتوب وتباين الأحكام وتناقضها وفق ثقافة القاضي واجتهاداته، وما يركن له من مصدر شرعي وموروث اجتماعي؛ حالة من غياب الثقة بالمحاكم الشرعية لدى شرائح كبيرة من النساء وانزوائهن وعدم مطالبتهن بحقهن لإيمانهن بعدم وجود الإنصاف» (راجع بيان «وعد» في 30 أبريل 2017).

ومنه فإن «وعد» كما الاتحاد النسائي، وعلى رغم تأكيدها دعم إصدار قانون موحد للأسرة، إلا إنها ترى التداعيات السلبية البينة من إصداره دون توافق مجتمعي ودون إشراك الشركاء الأساسيين من المجتمع المدني والاختصاصيين ممن تم إغفال أدوارهم وإشراكهم لتقديم تصوراتهم ومرئياتهم الأمر الذي جعل من آلية طرح إقرار القانون آلية فوقية، ما يتطلب التذكير بأهمية العمل مع المؤسسات النسائية الأهلية والاختصاصيين القانونيين والاجتماعيين، وهنا يجدر التنويه بأن عبارة التوافق المجتمعي المتداولة في سياقات المطالبة بالقانون الموحد كأحد الثوابت، قد أثارت عند البعض شيئاً من القلق والتشكيك، وهناك من وجدها مناورة وتحايلاً ومجاملةً للتيار الديني الرافض للتقنين أصلاً، ومن تساءل عمّا إذا قصد بالتوافق أخذ رأي وموافقة المرجعية... إلخ الأسباب.

التوافق آلية توازن

من حيث التنظير لدعوة التوافق المجتمعي فهي تعني مصارحة المجتمع بضرورة تقنين الأحوال الشخصية حسبما تقتضيه المسئولية والأمانة الوطنية والالتزامات المجتمعية تجاه قضايا المرأة ومشكلاتها، بصفتها مواطنة متساوية مع الرجل حسب النص الدستوري، وهو -أي التوافق المجتمعي- لا يعني بالضرورة التطابق والتماثل والانسجام التام والخالص بين الرؤى والأفكار والمواقف المتباينة تجاه القانون، لا بل لا يعني الرضوخ والتنازل عن إقرار القانون الموحد.

في الإطار العام التوافق المجتمعي بشأن إقرار قانون أحكام الأسرة الموحد يمثل آلية من آليات التوازن والممارسة الديمقراطية التي بشر بها المشروع الإصلاحي، وميثاق العمل الوطني، وبالتالي فهو النهج الديمقراطي -أو هكذا أفهم- ذاك الذي يمس حياة المواطنين وسلوكهم في مجتمع يتسم بالتعددية والتشابك والتفاعل، ما يعني أنه المرونة والقدرة على التعامل بفطنة وذكاء مع البيئة المحلية أياً كان وضعها متقدمة أو متأخرة، حتى لا نردد كالببغاوات «بيئة متخلفة» فهذا التوصيف لا يليق بمن ينشد التوافق كآلية ديمقراطية، وبالمناسبة وصفة التخلف لا يقبلها المرء على نفسه فما بالك بشركاء التوافق المجتمعي الذي خلصت الدراسات إلى إنه القدرة الدينامية على التيسيير والتدبير للتخفيف من وطأة نفوذ السلطة واستئثارها باتخاذ القرار، سواء أكانت سلطة تنفيذية أو تشريعية أو دينية أو ايدلوجية. وبالتالي فالتوافق الذي يعنينا هنا هو تدبير مجتمعي وحضاري لإيجاد حلول ومخارج لمشكلات المرأة ومعاناتها بالقانون، وبصورة توافقية تحفظ للجميع المكانة والكرامة الإنسانية، وتفسح مساحة واسعة من حرية التعبير عن الرأي، والمشاركة الفعالة في صنع قرار القانون الذي يمس حياة المرأة ووجدانها، فضلاً عن أفراد أسرتها وبما يحافظ على صحة النسيج الاجتماعي.

الاستقرار أم الفوضى؟

أما التساؤل «عمّا إذا كان يجوز الحديث عن التوافق المجتمعي في تشريع وإصدار قانون مهم وجوهري يمس شريحة كبيرة من المجتمع؟ وهل نقوم بتنظيم استفتاء لنسائنا من الطائفة الشيعية فقط..؟ وكيف نأتي بالتوافق لنساء ملتزمات بمرجعية دينية ترفض إصدار القانون..إلخ؟ انظر مقالة، «التوافق المجتمعي والشق الجعفري من قانون أحكام الأسرة، نعيمة مرهون، نشرة التقدمي مارس/ آذار 2017»، بالطبع السجالات والأسئلة مشروعة، وهي في سياق دائرة الحرص على حقوق المرأة البحرينية، وردنا: نعم، يجوز الحديث عن التوافق المجتمعي في تشريع وإصدار قانون الأسرة الموحد، لماذا؟ لأن التوافق يمثل الفرصة الأكثر إنسانيةً لإحداث فعل التغيير، وهو معادلة صعبة لكنها في الوقت نفسه معادلة حكيمة لمجابهة ضغوط الواقع وتفاعلاته بمسئولية عالية، وبعيداً عن العبثية والتصنيفات الايدلوجية، «فالواقع الاجتماعي في المجتمعات الإنسانية وعلى مر العصور مركب متعدد الأبعاد، كما يفيدنا الأكاديمي اللبناني إيلي حريق وعلى مر العصور مارس الناس التوافق في سياق القواعد الأخلاقية والقيمية المتعددة التي اكتسب بعضها شرعية بحكم الدين وهذا لا يمكن تجاهله والاستخفاف به».

من هنا فإن المطالبة بممارسة مبدأ التوافق المجتمعي لإقرار قانون أحكام الأسرة الموحد سيعزّز الثقة في نهج الممارسة الديمقراطية، ويثبت قيمها وقواعدها بشكل تراكمي وحضاري، وبما يجنب مجتمعنا المحلي الفوضى التي ينذر بها التخندق عند موقف رفض تقنين أحكام الأسرة، وبما يؤسّس لبيئة يسودها التنافر والاضطراب وانعدام الاستقرار الاجتماعي، وبالتالي فإن آلية التوافق المجتمعي تعد ضمانة حقيقية يتحقق عبرها التمثيل لكافة الفئات المعنية بقضية إقرار القانون موضع التباين والاختلاف في وجهات النظر.

خلاصة الأمر، إن تعدد وجهات النظر واختلاف الآراء بشأن إقرار القانون الموحد للأسرة مسألة طبيعية وشرعية، والتوافق المجتمعي للإسراع في إقراره أمر مطلوب وللحد الذي لا تضيع معه الحقيقة. عن أي حقيقة نتحدث؟ عن حقيقة ضرورة إصدار القانون الموحد للأسرة، وعن حقيقة معاناة المرأة في ظل غياب القانون، وعن حقيقة الشراكة المجتمعية لإصداره.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5352 - الثلثاء 02 مايو 2017م الموافق 06 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 11:42 ص

      لسنوات عديده و لاسباب معروفه كان نواب مجلس الامه الكويتي يرفضون حق المرأة للانتخاب ويحشدون النساء حتى تدخلت الدوله واعطتها الحق . كانت فترة وانقضت ووضعوهم امام الامر الواقع.

    • زائر 6 | 8:16 ص

      بعض الردود تدل على عمق جهل أصحابها بأمر العقيدة ومتطلبات الشريعة لكل المذاهب الإسلامية وبين المواقف السياسية المطالبة بالحقوق.. إذا كنت لا تدرك الإختلاف فالأفضل لك أن تتخذ موقف المراقب... لا أن تخوض فينا لا تعرف عواقبه ونتائجه

    • زائر 5 | 7:07 ص

      أنا ضد القانون الحالي المراد تطبيقه، لكني لست ضد إصدار قانون أسرة عام يتم حذف المواد والفقرات الخلافية فيه لا يتعارض مع مذهب أو مرجعية، يكون فيه مثلاً ضريبة على المهور المرتفعة، البيت ملكية مشتركة بين الزوجين، حماية الفتاة من أن يتم تزويجها مكرهة لأنه عقد باطل شرعاً. إذا كان لإنصاف المرأة كما تدعون فالأولى أن ينصف العزاب والمقبلين على الزوج من الشباب والشابات والبحث في الأسباب المؤدية للطلاق للقضاء عليها، المشكلة ثقافية أكثر من ما هو قانون علاة على فساد القضاة.

    • زائر 4 | 5:04 ص

      نريد قانون أسرة موحد لا نريد قانون سني و قانون شيعي نريد ان نوحد الشعب و لا نريد ان نمزقة كفانا خضوع لسلطة رجال الدين الذين يسلبون المرأة حريتها

    • زائر 3 | 3:33 ص

      قانون الأسرة أو الأحوال الشخصية هو قانون بنكهة غربية وليس ثمرة جهود لأي جهة من الجهات كما تذكر الكاتبه المحترمة.

    • زائر 2 | 3:14 ص

      من تدافعون عنهم سياسياً هو الرافضين للقانون الموحد كم انتم متناقضين

    • زائر 1 | 2:25 ص

      الاستفتاء بالنسبه لكم لامعنى له فهو تحصيل حاصل فقط من اجل غايه مؤقته ....

اقرأ ايضاً