العدد 5353 - الأربعاء 03 مايو 2017م الموافق 07 شعبان 1438هـ

جودة الصحافة

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

قبل أيام من الاحتفال بيوم الصحافة العالمي، أطلقت تونس ما سمي بـ «أول مجلس صحافة فعلي ومستقل» في شمال إفريقيا والشرق الأوسط لضبط معايير جودة المهنة الصحافية، تونس التي حلت في المرتبة الأولى عربياً في تقرير «فريدوم هاوس» بشأن حرية الصحافة والتعبير للعام 2017، تونس التي فازت العام 2015 بجائزة نوبل للسلام والتي منحت بالمناصفة لأربع جهات رعت الحوار الوطني التونسي، ها هي تؤسس لأول مجلس صحافي يهدف إلى إرساء ما أسمته بصحافة الجودة، ومحاربة انحرافات وسائل الإعلام، وبحسب ديباجة المجلس فإن المشتغلين والمراقبين للصحافة والإعلام قد لاحظوا تصاعداً غير مسبوق للإخلال بأخلاقيات المهنة في عدد من وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة والإلكترونية في السنوات الأخيرة، وقد اشتغل المجلس مع منظمة المادة 19 المعنية بحرية التعبير، ومع مجموعة من المهنيين العاملين في المهنة لتأسيس هذا المجلس، ووفقاً لرئيس نقابة الصحافيين التونسيين ناجي البغوري فإن النقابة كانت تتلقى يومياً شكاوى كثيرة من الجمهور بشأن ما ترتكبه وسائل الإعلام والصحافة من انتهاكات على أساس جهوي أو عنصري أو عرقي، وتحولت بعض وسائل الإعلام من أدوات إعلام وتثقيف إلى أدوات لتصفية الحسابات السياسية، وهتك الأعراض ونشر الأخبار الزائفة وخطابات العنف والكراهية، وبحسب الخبر الذي نشرت تفاصيله عشية إطلاق المجلس فإن الهيئة ستقوم بإعداد ميثاق لأخلاقيات المهنة وفق المعايير الدولية، ما قد يستتبع ذلك من توجيه إنذارات إلى وسائل الإعلام التي تخرق أخلاقيات المهنة حتى لو وصل الأمر إلى سحب الرخصة الإعلامية، أو بطاقة الصحافي من الإعلاميين الذين ينتهكون هذه الأخلاقيات، في الوقت الذي يسعى فيه المجلس إلى مكافأة المستحقين عبر إسناد الإعلانات العمومية الرسمية إلى الإعلام الملتزم باحترام أخلاقيات المهنة.

جودة الصحافة ومراقبة مدى التزامها بالمعايير المهنية والأخلاقية، حديث ذو سجال وجرى الكلام فيه مطولاً، وعلى مختلف الأصعدة منذ انطلاق ثورات الربيع العربي، هرب المواطنون العرب من إعلام بلدانهم المقيَد والرسمي إلى فضاء الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، وهم غير مسلحين أحياناً بالقانون وبالمعايير المهنية، فجانبوا الصواب والحرفية والمهنية وعرضوا أنفسهم للملاحقات القضائية، كما دخلت إلى هذا الفضاء جيوش من المتطفلين والمدسوسين المتخفين وراء أسماء وهمية أو حقيقية تستعين بنفوذها ومكانتها الرسمية العالية، فأشاعوا الفوضى الإعلامية، ونالوا من خصومهم عبر السباب والخوض في القضايا الشخصية، وراجت في هذه الفترة الكثير من القضايا التي شهدتها المحاكم، وأدى الاستقطاب المجتمعي والسياسي بين المؤيدين لهذا الفريق أو ذاك إلى بروز حالة غير مسبوقة في الإعلام العربي، ونسي الكثيرون مواثيق الشرف ومبادئ المهنة وراج ما سمي بإعلام «الردحة» وفرقة حسب الله الشعبية التي كانت ترافق الأفراح سابقاً، وتحولت إلى رديف لإعلام الفوضى والسفه والتفاهة والتجريح والبذاءة

أما منظمة 19 التي عملت مع الإعلام التونسي لإنجاز هذا المجلس فهي: منظمة بريطانية معنية بحرية التعبير والمعلومة، وتنتشر فروعها في عدد كبير من الدول، أخذت اسمها من المادة 19 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتنص على أن «لكل شخص الحق في حرية التعبير والرأي، ويشمل هذا الحق اعتناق الآراء دون تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها».

يذكر أن قانون جودة الصحافة ينسجم مع مبادئ مجلس حقوق الإنسان والتي تجيز للدول أن تحد من حرية التعبير إذا كانت القيود تحمي الناس من التصريحات غير الدقيقة والمسيئة، وتحمي الخصوصية وتتيح للدولة حماية أمنها وتمنع صحافة الكراهية وخصوصاً تلك التي تشجع على العنصرية أو الكراهية العرقية أو الدينية. من تونس نتعلم مجدداً.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 5353 - الأربعاء 03 مايو 2017م الموافق 07 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً