العدد 5361 - الخميس 11 مايو 2017م الموافق 15 شعبان 1438هـ

الإمعائية في الفكر

جعفر الشايب comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الانطلاق نحو آفاق التقدم والتطور في المجتمعات يتطلب بيئة مناسبة للإبداع تستند إلى احترام العلم والعقل، وتتيح مساحة واسعة أمام حرية الفرد مقابل سلطة وهيمنة المجتمع والثقافة السائدة فيه. ما يجعل مجتمعات كاملة تسير في مكانها أو تتخلف أكثر، هو انعدام الإبداع فيها والتزام الأفراد بمجموعة أعراف وتقاليد وقيم متوارثة وثابتة تحكم تصرفات الأفراد وتقيد حرياتهم.

من هنا فإن القرآن الكريم طالب أولاً بالتحرر من قيود وأعراف ومعتقدات الأجيال السابقة، وإطلاق العنان أمام التفكر وطرح الأسئلة الحرجة والجادة بشأن مختلف القضايا في محاولة لإثارة الفكر للوصول لبعض الإجابات المعاصرة وليست السابقة والمتوارثة.

الإمعائية تنتقل وتنتشر بين أفراد المجتمع عندما تهيمن الثقافة الموروثة التي لا تقبل الشك والتساؤل والتجديد، ويتحول المجتمع بجميع أفراده إلى أحجار شطرنج تتحرك بفعل اتجاهات المجتمع وعاداته وتقاليده، من دون أن يكون لأي منهم رأي مستقل أو وعي وإبداع.

البنية الثقافية في المجتمع التي تتكرس عبر عقود وقرون من الانتقالية الجامدة تضرب بجذورها في أعماق الفكر، وتتحول إلى ثوابت لا يمكن مقاومتها، أو حتى مساءلتها، وتتحكم في سلوك واتجاهات الأفراد. يكون معظم أفراد المجتمع نسخاً مكررة لبعضهم البعض، في أنماط التفكير والسلوك بل حتى في المظاهر العامة.

مناهج التعليم التي تعتمد أساساً على التلقين بدل الحوار والنقاش، والأسرة التي تقمع أي شكل من أشكال الاختلاف لدى أبنائها، والمدارس الفكرية التي تحارب أي رأي أو اجتهاد تجديدي، والإعلام الذي يكرس سيادة خطاب أحادي، كلها نماذج تعزز حالة الإمعائية وتربي على التبعية والتقليد، وبالتالي تهدم أية محاولة بناء فكري جديد ومبدع.

المجتمعات التي تقدمت ولاتزال تتقدم في هذا العالم هي التي هيأت بيئات رحبة للإبداع، وحفزت العقول على التفكير خارج الصندوق، واستقطبت العقول المهاجرة والمحلية ضمن بيئة تنافسية جادة، وودعت وسائل التلقين وأنماط التفكير التقليدية.

وأي مجتمع أمامه فرص للتقدم والتطور، عندما تتوافر الشروط الموضوعية لذلك، وتنطلق طاقات وكفاءات شبابه نحو رحابة التنافس بثقة وجدارة. أما المجتمعات المنغلقة على ذاتها والمتقيدة بثقافة لا تتماشى مع عصرها، فهي ستظل عالة على عالم التقدم والتطور وستبقى حبيسة بيئة متخلفة لا تستطيع اللحاق بزمانها والتفاعل معه.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"

العدد 5361 - الخميس 11 مايو 2017م الموافق 15 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً