العدد 89 - الثلثاء 03 ديسمبر 2002م الموافق 28 رمضان 1423هـ

لماذا تريد أميركا توسيع الحلف الأطلسي؟

من هو المستفيد ومن هو الخاسر؟

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

تعتبر قمة براغ، الثانية لتوسيع الحلف الأطلسي (الناتو). كانت الأولى عندما بشرت أميركا بالليبرالية أيّام الرئيس بيل كلينتون. وأتت القمة الثانية بعد ضربة 11 سبتمبر/أيلول، وأميركا قلقة على أمنها، وتخوض حربا عالمية على الارهاب. كانت أميركا تخطط لنقل حقل المعركة إلى شرق آسيا، ليصبح حلف الناتو من «بقايا الحرب الباردة» بحثا له عن وظيفة ليستمر. فقال البعض عنه أنه أصبح حلفا سياسيا بامتياز، وقد لا يستمر مع الوقت. بعد 11 سبتمبر، ارتدت أميركا بالاتجاه الأوروبي لتعيد تنظيم الحلف وتحدّد له وظيفة أمنية جديدة تقوم على محاربة الإرهاب. تخطط أميركا لزيادة عدد دول الحلف من 19 إلى 27 عضوا. لكن الملفت للنظر هو أن كل الدول الجديدة المرشحة للانضمام، لا تشكل ثقلا عسكريا يحسب له حساب يضاف إلى الرصيد الأميركي الحالي. فالأعضاء الاوروبيون الاساسيون من الوزن الثقيل، جزء أساسي من الحلف. إذا لماذا هذا الحماس لدى الادارة الأميركية؟

بعد أن خاضت أميركا الحروب الشاملة في الحربين العالميتين، انتقلت خلال «الحرب الباردة» إلى خوض الحروب المحدودة (كوريا وفيتنام). بعد 11 سبتمبر، بدأت تخوض أميركا حربا عالمية ضد الارهاب والارهابيين، يمكننا أن نطلق عليها لقب «الميكرو-حروب». تمتد هذه الحروب على مساحة الكرة الأرضية كلها. وهي ضد مجموعات غير معترف بها في النظام الدولي. فقد يكون العدو مجموعة من الأشخاص لا يزيد على الرهط. أو قد يكون الهدف شخصا واحدا. وتكمن المفارقة في حجم الوسائل التي ترصد لهذا الهدف. فهي مكلفة جدا مقارنة مع الهدف المقصود.

بعد 11 سبتمبر تبدّل الموقف الأميركي بالنسبة إلى العالم، وتبدّلت الأدوار مع أوروبا. في السابق كانت أميركا انعزالية محميّة بمحيطين، وأوروبا تجوب العالم بمغامراتها الكولونياليّة. الآن، تريد أوروبا أن تبقى داخل حدودها الجغرافية، وأميركا تدعوها لعدم الانعزال لأنها أصبحت متورطّة (أي أميركا) اينما كان. وهذا ما عبّر عنه الرئيس جورج بوش خلال خطابه في قمّة براغ عندما قال: «على أوروبا أن تلعب دورها العالمي، بدل أن تعيش في عزلة بعيدة عن تحديات العصر».

أميركا حاليّا تعمل على تأمين الحملات العسكرية (Expeditionary Forces) إلى مناطق الخطر حيث العدو، أي عدو تراه وهي قادرة على ذلك. أوروبا في المقابل، لا تريد القيام بالحملات لأنها تنظر إلى العالم بصورة مختلفة عن أميركا، كما أنها غير قادرة عسكريا. ظهر العجز الأوروبي خلال أزمة البلقان، وفي الحرب على أفغانستان.

من هم الرابحون والخاسرون من هذا التوسّع؟

الرابحون أولا

الولايات المتحدة: تعرف أميركا أنه في وقت من الأوقات، وعندما تشعر القوى الكبرى الأخرى أن أميركا أصبحت ضعيفة، ستعمد هذه الدول إلى التقدم وتحديها منفردة أو مجتمعة. وتعتبر أميركا حاليا، أنها الدولة العظمى المهيمنة على العالم ومصيره. لا منازع ومنافس لها في الأفق، وقد يستمر الوضع السائد، عقدا أو عقدين من الزمن. إذ انها الدولة التي تسعى للمحافظة على الستاتيكو القائم لأنه يناسبها. لكنها تشعر أن هناك ممانعة مستمرة لها على الساحة العالمية من قبل الدول الكبرى، خصوصا الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. بسبب ذلك، تسعى أميركا جاهدة لمأسسة هيمنتها عبر خلق الظروف الدولية والاقليمية المناسبة لها. وهي تعيد ترتيب المنظمات الاقليمية والدولية على صورتها وهيئتها كي تكون وسيلة طيّعة لمأسسة الهيمنة. يعتبر «الناتو» مثالا حيّا لهذا الوضع. فهو وعلى رغم عدم جدواه بعد سقوط القطب الروسي، نلاحظ الاهتمام الأميركي بإعادة إحيائه.

تضع أميركا شروطا قاسية أمام الدول الراغبة في الانضمام إلى الحلف. الديمقراطية شرط أساسي، كذلك الأمر الشفافية ومحاربة الفساد. على الدول الراغبة أن تقوم بحملة تسويقية للناتو، عليها تطوير ترسانتها العسكرية لتتلاءم مع العقيدة القتالية الأميركية، بالاضافة إلى زيادة الانفاق العسكري بنسبة 2 في المئة من حجم الدخل القومي. فلكي تستطيع هذه الدول أن تجاري أميركا على أرض المعركة وتقاتل معها، هي بحاجة إلى: قوات سريعة لينة، قوات خاصة، أسلحة ذكية وتركيبة قيادة وسيطرة حديثة جدا (Must be Compatible). في هذا الإطار، يمكن للساذج البسيط أن يعي من هو المستفيد من صفقات الأسلحة المتطورة التي قد تأتي نتيجة لهذا التحديث.

تستطيع أميركا أن تبشّر بمبادئها وقيمها الأخلاقية. كذلك الأمر تستفيد أميركا من خلال توزيع المهمات على الأعضاء الجدد، فهم قوى مطواعة ومنضبطة، ومن الحجم الوسط. فهي قد توفر قتلاها، فترتاح على صعيد الرأي العام الأميركي الداخلي. كذلك الأمر قد تساهم هذه الدول بالأمور الآتية: رومانيا مثلا، قد تساهم بقوات لحفظ السلم، وبقوات خاصة بالقتال الجبلي، وهي ارسلت كتيبة إلى أفغانستان لتأمين الحماية القوية للقوات الأميركية المنتشرة هناك. سلوفاكيا، أرسلت 40 مهندسا إلى أفغانستان. قد تساهم تشيكيا بالطائرات الضخمة للنقل الجوي. وقد تستفيد أميركا من هذا الانتشار للحصول على المعلومات خصوصا ما يتعلق بالارهاب والارهابيين، وبالمواد المشعة، وأسلحة الدمار الشامل. وقد تؤمن هذه الدول محطات تنصت لوكالة الأمن القومي (ناسا)، وقد تصبح مرتعا لوكالة الاستخبارات المركزية. إذا، تريد أميركا من ينظف أرض المعركة بعدها إذا صح التعبير. فإذا ما كانت الدول الكبرى خصوصا الأوروبية، قد رفضت هذه المهمة حفاظا على هيبتها وسمعتها، فإن الدول المجاورة لها سوف تقوم بهذا الدور، ولما لا؟ وإذا ما تطوّر الوضع، وساءت العلاقات مع روسيا. من يدري فقد تنشر أميركا صواريخها النووية في استونيا لتصبح على مسافة 85 ميلا من مدينة سان بطرسبورغ. ليعيد التاريخ نفسه ويذكرنا بالصواريخ السوفياتية التي نصبت في الستينات في كوبا. أما ليتوانيا، فهي قد تسمح لأميركا بعزل الاسطول الروسي الموجود في البلطيق عن قيادته في الداخل الروسي.

الدول المرشحة للانظمام: اجمالا، قد تؤمن هذه الدول الحماية لنفسها بعد ان كانت محتلة وخاضعة بالقوة للاتحاد السوفياتي. وذكر الرئيس بوش في هذا الاطار، وخلال خطابه في رومانيا: «وعود تحالفنا مقدسة. وسنفي بوعودنا. اذا تهدد امن رومانيا، او هددتها دولة ما، فإن اميركا واعضاء الناتو سيكونون إلى جانب رومانيا. لن يجرؤ احد على انتزاع الحرية من بلدكم. وستساعد رومانيا الحلف الاطلسي، لانها جسر عبور نحو روسيا الجديدة. وهنا لابد من ذكر ان المادة الخامسة من اتفاق حلف «الناتو» الذي يحتم الدفاع المشترك عن اية دولة منضوية تتعرض للاعتداء. قد تستفيد هذه الدول من خلال المشاركة بالمشروع الاميركي، بأن تصبح فاعلة على الصعيد السياسي، في البعدين، الاقليمي والدولي. وقد تصبح مقصدا لرؤوس الاموال الاجنبية والاميركية. وقد تشكل هذه المناسبة فرصة ذهبية لجيوش هذه الدول لتحديث نفسها. فعلى سبيل المثال، تملك سلوفاكيا 8 طائرات حربية عملانية فقط. وهي كانت قد فقدت منهم طائرتين عندما اصطدمتا ببعضهما بعضا اثناء التمارين الجوية.

الخاسرون:

إن نظرة سريعة على الخريطة السياسية الأوروبية تظهر لنا ان كل الدول الاوروبية اصبحت منضمة إلى حلف الناتو. إذا لماذا هذا الاصرار الاميركي لضم تقريبا كل دول اوروبا الشرقية؟ في نظرة أخرى جيو - جغرافية للوضع الأوروبي تظهر لنا الملاحظات الآتية:

1- صحيح ان فرنسا هي عضو اساسي في حلف «الناتو» لكنها ضمنيا تريد اوروبا الموحدة لتوازن الهيمنة الاميركية. فهي تعرقل المشاريع الاميركية في المحافل الدولية، خصوصا مجلس الأمن وما يتعلق بالموضوع العراقي. إذا هي تشكل القلب الأوروبي، وهي ممانعة للهيمنة الاميركية. وتريد فرنسا ايضا تسريع أنشاء قوة التدخل السريع الأوروبية (60000 مقاتل)، لتكون بديلا عن قوات «الناتو» التي تسيطر عليها اميركا.

2- انضمت المانيا إلى الحلف العام 1955. وهي تعتبر كقلب اوروبا على الصعيد الجيو - جغرافي. وهي تسببت بحربين عالميتين على ارض القارة العجوز. وهي القوة الاقتصادية الاكبر في اوروبا. لكنها تمانع وتقف عائقا امام الاهداف الاميركية. هي تمانع الحرب على العراق، وقد خاض المستشار الحالي حملته الانتخابية الاخيرة تحت شعار «لا للحرب على العراق».

3- تحلم روسيا باستعادة دورها كقوة عظمى. لكن فلاديمير بوتين وبعقلانية متميزة، يساير بوش في سياسته لتحصيل اكبر قدر ممكن من المكاسب. يريد بوتين ان تنخرط روسيا في الغرب وبسرعة. لكن بوتين لم ينس ان الرئيس بوش الغى اتفاق (الأي. بي. أم) وهو مصمم على إنشاء الدرع الصاروخية. كذلك الامر، يعي الرئيس بوتين انه وإذا ما سيطرت اميركا على العراق، فإن هذا الامر قد يهدد روسيا لجهة النفط ومصادر الطاقة، خصوصا في مجالي كمية الانتاج والتسعير. من هنا كان التطمين الذي اطلقه بوش باتجاه روسيا عندما قال: «ان توسيع» «الناتو» ليس موجها ضد روسيا. وقد يعيدنا هذا الوضع حوالي خمسين عاما من الزمن إلى الوراء، وذلك عندما اعتبرت اميركا في بداية الحرب الباردة، أن الامم الاوروبية الشرقية هي بمثابة «الامم المأسورة» تحت النير السوفياتي الجائر.

ما هو الاستنتاج من هذا العرض؟

إن ضم اميركا لمعظم دول اوروبا الشرقية إلى حلف الناتو قد يؤدي إلى الأمور الآتية:

1- استكمال واستمرار الاحتواء لروسيا، وهي (أي الاحتواء) الاستراتيجية التي بشر بها الدبلوماسي الاميركي جورج كينان في نهاية الاربعينات فاميركا موجودة الآن، اقرب الى القلب الروسي مما كانت عليه خلال الحرب الباردة. فهي في آسيا الوسطى كلها، وها هي الآن تدخل قلب مناطق النفوذ الروسية عبر ضم دول اوروبا الشرقية لحلف «الناتو». إن ضم هذه الدول إلى «الناتو» يعني بصورة غير مباشرة ان اميركا تسيطر على هذه المساحة من الدول عسكريا. ويعني ايضا انه اصبح هناك عازلا بين اوروبا الغربية وروسيا. وهذا العازل قد يشكل مستقبلا مشكلة لروسيا التي تحلم ان تكون المصدر الرئيسي للطاقة لاوروبا الغربية.

2- في هذا الوضع، تصبح كل من فرنسا وألمانيا مطوقتين. فهما صحّ في حلف الناتو، لكن لديهما سياستهما المستقلتين تقريبا عن السياسة الأميركية. وهما اذا ما استطاعتا توحيد القارة العجوز، وإنشاء قوة التدخل السريع الأوروبية. فإن هذا الأمر قد يؤدي إلى طرد أميركا من القارة في المجالات كافة خصوصا العسكرية. تعرف أميركا ان المشاركة في رسم مصير العالم يحتم على الدول الراغبة أن يكون لديها نوع جديد من القوى، كذلك الامر تعرف كل من فرنسا والمانيا هذا السر. هي لديها هذه القوى، وليس اوروبا. وهي تريد استباق القوى الكبرى الاوروبية لمنعها من انشاء هكذا نوع من القوى. لذلك هي اقترحت انشاء قوة تدخل سريع تابعة للناتو، لتكون هي من يسيطر عليها. وهي اقترحت في هذا المجال ان ينشأ مركزان للقيادة لهذه القوة، احدهما في اميركا. هذا في الشق الشرقي للقارة، اما من جهة الغرب، فإن اميركا تتكل على بريطانيا لتحكم الطوق على فرنسا والمانيا. فنعود بهذا الوضع إلى السياسات التقليدية التي سادت القارة عبر كل تاريخها، والتي كانت تقوم على مبدأ توازن القوى.

في الختام، لا توجد صداقات دائمة، بل هناك مصالح دائمة. فبعدما كان هدف «الناتو» خلال الحرب الباردة الدفاع عن أوروبا ووحدتها. اصبح الآن هدفه تقسيمها إلى مناطق متنوعة ما بين دول عازلة واخرى معزولة. فسبحان الذي يغير ولا..

العدد 89 - الثلثاء 03 ديسمبر 2002م الموافق 28 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً