العدد 89 - الثلثاء 03 ديسمبر 2002م الموافق 28 رمضان 1423هـ

الذاكرة هي الهوية: قلعة البحرين مثالا

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الإنسان هو ذاكرته، ومن دون الذاكرة لا نعدو كوننا مجموعة من الحيوانات التي تحيى ليومها. الألم الجسدي يمكن ان ينتهي بعد فترة قصيرة بمجرد تناول الدواء، ولكن الذي يبقى هو ذكرى الألم. اللذة الجسدية والنفسية هي أيضا تنتهي بسرعة، لولا ذكراها. والإنسان الذي ليس له ذاكرة ليس له تاريخ، والذي ليس له تاريخ ليس له انتماء.

فالإنسان الذي ينسى انه من بلد معين أو من عائلة معينة لا يرتبط بالبلد أو العائلة ولا يشعر تجاههما بأي شيء. وقد يكون النسيان لسبب خارج عن إرادةالمرء، ولكن قد يكون بسبب اهمال المرء نفسه أو أنانيته وعدم اكتراثه بأي شيء خارج دائرته الذاتية والآنية.

الدول في كل مكان تربط مجتمعاتها بذاكرة الوطن، وتقريبا كل مدينة وقرية - في بعض الدول - لديها جندي مجهول وتذكار معين يقول للناس إن ما يتمتعون به لم يكن سيكون لولا تضحيات أناس بحياتهم وأموالهم وراحتهم.

بعض الجماعات تحاول التلاعب بالذاكرة فتسعى إلى تحريف التاريخ أو تشويهه أو إزالته. والمنظمات الصهيونية أكثر من عمل على تزوير ذاكرة الزمن فأصبح الأوروبي يخاف من ان ينطق بكلمة واحدة لأن المنظمات الصهيونية قد تتهمه بأنه ضد السامية أو انه يؤيد المحارق النازية التي حرقت اليهود، على رغم ان اليهود لم يكونوا الوحيدين الذين اضطهدهم هتلر، ولكن الابداع في تغيير ذاكرة الزمن يعطي الارهاب الصهيوني مجالا للاستمرار في ارهابه ضد فلسطين والفلسطينيين. وعندما تذهب إلى عاصمة الولايات المتحدة الأميركية فإن أهم المتاحف والنّصب التذكارية تتحدث عن اليهود ومعاناتهم.

ولهذا فإن التاريخ مادة إنسانية تهم كل بني البشر، وبقدر ما نعرف عن تاريخ البشر نستطيع ان ننتمي إلى الإنسانية جمعاء. والذاكرة الإنسانية هي المخزون العقلي الذي يختزن التجربة وتطورات التجربة. ولو ان إنسانا ما درس ونقب في يوم ثم نسي كل ما درسه في اليوم التالي فإنه لم يستفِد مما عمل سوى خسارته الوقت. أما الإنسان الذي يتذكر ويذاكر ويحافظ على ذاكرته، ويرتبط بتاريخه الشخصي وبتاريخ أمته فإنه الإنسان الذي يبني الحضارة. وعلى هذا الأساس ارتبط موضوع الحضارات بتراثها وآثارها لأنها الوسيلة التي من خلالها نميّز أنفسنا عن غيرنا من المخلوقات. فالقط والأسد لا يعلمان ما جرى لأجدادهما ولذلك لا يستطيعان تطوير حالهما ويبقيان فيما هما عليه من حياة الغابة أو حياة القمامة. ومن هنا تأتي أهمية المحافظة على ذاكرتنا الإنسانية، ومن هنا يأتي اهتمام علماء الآثار الأجانب بقلعة البحرين. ففي مراسلات ومداولات تتم حاليا بين بنسلفانيا ومنقبي الآثار الفرنسيين ومتحف اللوفر يجرى الحديث عن أهمية قلعة البحرين للتراث والذاكرة الإنسانية، وان هذه القلعة ليست ملكا للبحرينيين وإنما ملك للإنسانية، لأنها تمنحنا البعد التاريخي الذي يشدنا ويربطنا بانتمائنا البشري. فقلعة البحرين الأولى التي ترجع إلى 4500 سنة مضت موجودة آثارها بين ما هو موجود من أطلال في قريتي القلعة وكرباباد. وتحت تلك الاطلال توجد مدينة ساحلية منذ عهد دلمون، وهذه المدينة تمتد لمئة متر داخل الساحل، وارتباطنا بذكريات الماضي يعطينا المعنى لحاضرنا ومستقبلنا.

الذاكرة هي الرابط بين الماضي والحاضر والمستقبل، وفيما لو فقدت الذاكرة يصبح الفرد منفصلا عن أمسه وغده ويبقى جسدا من دون هدف، يأكل ليموت ويندثر ذكره لأنه ليس جزءا من ذاكرة أحد. وحديثنا عن قلعة البحرين هو حديث الإنسان مع ماضيه ومع خبراته وتجربته وامتداده العلمي والثقافي.

هويتنا هي ذكرياتنا، وذكرياتنا هي كل شيء عايشناه أو سمعناه من أجدادنا أو وجدنا آثاره بيننا. والذكريات حتى لو كانت مؤلمة، فإنها جزء من شخصيتنا الذاتية والوطنية. وهذا ينسحب على كل شيء مررنا ونمر وسنمر به، وبودنا ان نحافظ على آثار من قبلنا لكي يُحافظ على آثارنا من سيأتي بعدنا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 89 - الثلثاء 03 ديسمبر 2002م الموافق 28 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً