العدد 5364 - الأحد 14 مايو 2017م الموافق 18 شعبان 1438هـ

قصة قصيرة... جبار

القسية عبدالله - قاص مغربي 

تحديث: 14 مايو 2017

نافخاً صدره كبالون ورافعاً رأسه للأعلى، يمشي الهوينى ويلقي أنصاف النظرات على الباعة والمارة هنا وهناك، بعد إغلاقه لمحله. الكل يتوجس خيفة من مواجهته أو حتى إزعاجه، اعتاد المجاملات والإطراء حتى أنه يجن جنونه حين ينسى أحد من معارفه إغداقه بالمدح، والملاحظات الإيجابية اتقاء غضبه الذي يبث الذعر في النفوس، فقد حكي أنه دخل السجن في ريعان شبابه بعد أن خاض شجاراً مع ثلاثة رجال دفعة واحدة، توفوا على أثره بين يديه، لا أحد رأى ذلك لكن الكل يصدق الأمر حتى أنهم يقسمون أن رأوه بأم أعينهم وهو يرفع الثلاثة بيد واحدة، وهناك من يقول أربعة، وآخرون يقولون حملهم بأصبع واحد، واختلف حول الأصبع أيضاً فيما إذا كان الخنصر أم البنصر... وهل كان إصبع يده أم رجله، خلاصة هذا كله أنه أصبح عنتر القوم وسوبرمانهم.

سار هذه الليلة كما اعتاد صوب سيارته عند مدخل الشارع، وبعد أن حاول تشغيلها أبت غير ذلك، مع أنها المرة الأولى التي تتعطل منذ أن اشتراها قبل خمس سنوات،
- لكل شيء أول مرة... (قال في نفسه).
ومضى عازما أن يقطع الخمس كيلومترات إلى منزله على الأقدام، بعد أن طرد فكرة أن يسأل أحداً من المعارف.
- ماذا سيقولون عني (فكّر) هل سيقولون استصعبت المسافة، أم سيقولون خاف، سحقاً لهم لأهشّمن أنف من تجرأ وفكر في الأمر (لوح بقبضته).
ماضياً في طريقه مبتسماً تارة وغاضباً أخرى كلما مرت بخاطره فكرة عكرت صفوه، وبعد أن اجتاز نصف المسافة كانت الطريق لا تحمل سواه، وأصبحت أصوات أنفاسه تنتقل إليه صافية لا تختلط معها لا ضوضاء السيارات ولا أصوات الناس، لكن الريح زارته في رحلته القصيرة وجمدت الدماء في عروقه كلما حركت قنينة ما أو حثت أوراق الأشجار على الحفيف، ففي البدء كان يتجرأ على الالتفات، لكنه أحجم  بعد أن اختلطت عليه الأمور و تراءت له أشياء تطير في الظلام، ووصلت إلى مسامعه همسات غير مفهومة من نسج الخيال، هنالك دعا صاحبنا ربه في سره والعرق يتصبب سيلاً ألجمه:
ربي ورب الأشباح، اجعل لي مخرجاً واصرفها عني ...
وبدأ يعيدها مثنى وثلاث ورباع مرفقاً إياها بما يتذكره من آيات قرآنية، ما إن يسكت عن الدعاء يعاوده الخوف أقوى فيعود لدعائه، ولا شيء يتغير، حتى أقدامه لم تسعفه بالإسراع بل أصبح كطفل يتعلم المشي لأول مرة، حتى أنه في آخر المطاف سار زاحفاً، وها هو وصل أخيراً لحيّه، وبخفة مسح جبينه، ثم مضى ... نافخاً صدره، ورافعاً رأسه للأعلى، يمشي الهوينى ويلقي أنصاف النظرات على سكان الحي، مدندنا أغنيته المفضلة:
- "جبار... في قسوته...".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً