العدد 5364 - الأحد 14 مايو 2017م الموافق 18 شعبان 1438هـ

ذات صباح مع المرضى

إحدى العمليات في مبنى الإرسالية (1900م)
إحدى العمليات في مبنى الإرسالية (1900م)

مهدي عبدالله – قاص ومترجم بحريني 

تحديث: 15 مايو 2017

هذا المقال كتبته بيفرلي الموند ونشر في العدد 224 من مجلة «أريبيا كولنج» التي كانت تصدرها الإرسالية العربية (الأميركية) في الخليج العربي وتاريخه هو صيف العام 1951م.

الكثير من الأمور درجنا على الاعتقاد بأنها شائعة إلا أن تجارب كل يوم ستدهش أو تبعث على اشمئزاز أو تفتتن أولئك الذين لم يأتوا أبداً إلى هذا الجزء من العالم لدرجة أنه من الصعب أن نقرر عن ماذا نكتب. وظيفتي الرئيسية هي إدارة ملجأ الأيتام التابع لنا لكن أغلب تجاربي فيه لا تختلف إلا قليلاً جداً عن تجارب أي أم (ولو أنها متضاعفة نوعاً ما) في أي مكان في العالم، مع لون محلي صغير يضيف للقياس الجديد.

صباح الخميس هو يوم دوامي في مستشفى النساء. ونظراً إلى أنه واحد من مهماتي المفضلة، سأقدم لكم وصفاً غير رسمي لهذا اليوم الذي أقضيه في هذا الصباح. قبل أن أترك المنزل أختار أية قصة أنجيل سأسردها وأقرأها بالإنجليزية ثم أشرحها بعناية أكثر بالعربية لكي أكون متأكدة من معرفتي لكل الكلمات الضرورية. هذا الصباح اخترت إنجيل (متّي) 12: 22-23 وكان من السهل أن أجعل هؤلاء الناس الذين عاشوا دائماً قرب البحر يفهمون مكان الرجال الذين يبدؤون رحلتهم في قارب صغير وخوفهم الطبيعي حينما تهب عاصفة مفاجئة. إنهم يقبلون مباشرة الحقيقة بأن عيسى، بقوة من الله، يستطيع أن يمشي على الماء ويهدّئ العاصفة. ومهما يكن فإن الله قادر على فعل أي شيء، كل واحد يعلم ذلك!

زرت أولاً عيادة المرضى الخارجيين حيث كانت النساء والأطفال متجمعين منذ ساعة واحدة أو أكثر. المرأة الأولى التي شاهدتها جالسة في وسط الأرضية كانت خيريّة، لقد رزقت بطفلها الأول، وهو ولد، حيث يعتبر الولد أفضل بكثير من البنت في البلاد العربية، وقد ولدت هذا الطفل في مستشفانا قبل خمسة أو ستة أشهر. لقد تزوجت منذ أربع عشرة سنة لذلك تستطيع أن تتخيل بسهولة فرحة الوالدين حينما جاء المولود. إنهما يشعران بأن لمستشفانا مقداراً كبيراً من الفضل على سعادتهما. اليوم أتت المرأة إلى المستشفى لأن الطفل أصيب بطفح جلدي على وجهه.

بعد الحديث مع خيرية لبضع دقائق، جمعتُ كل النساء اللواتي جئن، الكثير منهن يتكلمن الفارسية فقط، وأخريات كن خائفات من عدم الدخول على الطبيب إذا تحركن لمسافة بوصة واحدة. دعوتهن إلى إحدى الغرف وسردت عليهن القصة، قرأت جزءاً منها وشرحت الجزء الآخر بكلماتي الخاصة كي أستطيع أن أوضح بعض الكلمات القاموسية الكبيرة بلغة بسيطة. معظمهن أصغين بانتباه شديد، لكن في ظل مجموعة كبيرة كهذه، وبمقاطعات متعددة كان من الصعب أن أقرر كم هو حجم استفادتهن.

حينما تركتهن توجهت إلى الجناح السفلي الواسع. في السريرين الأولين كانت تجلس بنتان صغيرتان وعلى سجادة فوق الأرض تفصل بينهما كانت تستلقي امرأة نائمة. كلتا الفتاتان كانتا ستجريان عملية جراحية في عينيهما في ذلك المساء. الفتاة الأكبر سناً هي ابنة المرأة النائمة والفتاة الأخرى لها الأب نفسه لكن أمها مختلفة. هذا الرجل (الزوج) إما أن يكون شجاعاً جداً أو أحمق جداً، أو على الأرجح فقير جداً لدرجة أنه يحتفظ بزوجتيه الاثنتين في بيت واحد. وبينما كنت أتحدث مع الفتاتين جاءت صديقة لهما لزيارتها وأيقظت الأم، كما وقفت امرأتان أخريان بالقرب منّا فسردت عليهن القصة. هذه المجموعة الصغيرة كانت مرضية أكثر بكثير بأنني استطعت أن أرى كيف أصبح أعضاؤها متحيّرين وشعروا بالحرية في إبداء التعليقات وطرح الأسئلة. أريتهن صورة للمسيح وهو يمشي على الماء لمساعدتهن في التذكر.

عبر الغرفة كانت توجد بنت اسمها مريم محمد والتي بدت كصديقة قديمة لي. دخلت المستشفى قبل عدة أسابيع وتم إجراء عملية جراحية لها لإزالة الغدد الدرنية في رقبتها. عمرها نحو خمسة عشر عاماً فقط لكنها متزوجة منذ أكثر من ثلاث سنوات من رجل يعمل طبّاخا في شركة النفط بالمملكة العربية السعودية (أرامكو). وعلى رغم وجود مستشفى في المدينة التي يعيشان فيها إلا أنهما فضّلا السفر والمجيء إلى هنا لأنهما يعرفان الأشخاص في مستشفانا.

طفلة أخرى نحن جميعا على معرفة جيدة بها وهي شيخة البالغة ثمان سنوات والتي تعثرت على عتبة بابهم وكُسرت رجلها بصورة سيئة جدا. تم تعليق ساقها في الهواء في جبيرة سحب ويقول الطبيب بأنها بالطبع ستظل على تلك الطريقة لوقت طويل. إنه أمر صعب على أمها الشابة، اللطيفة جدا والمحبوبة، فيجب عليها هي وطفلها البالغ تسعة أشهر، أن يقيما في الغرفة مع شيخة بينما ابنتها ذات الخمس سنوات تبقى في البيت مع جدتها المسنة جداً.

يتبع...





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً