العدد 93 - السبت 07 ديسمبر 2002م الموافق 02 شوال 1423هـ

تجربتنا البحرينية يمكن تطويرها لتصبح مثالا ناجحا للإرادة الشعبية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

نظرتان عن طبيعة الانسان اثرتا ومازالتا تؤثران على طريقة تأسيس الدستور وتشكيل الحكومات. وهاتان النظرتان متوافرتان في كل الثقافات الغربية والشرقية. فالفيلسوف الانجليزي توماس هوبز الذي عاش بين 1588 و1679 من الذين آمنوا بأن الناس طبيعتهم معقدة واساسها المشكلات وبالتالي فإن الناس يتجهون إلى العزلة عن بعضهم الآخر وبالتالي يتجهون إلى التوحش الذي يجلب الفقر وتفقد الحياة الهانئة وسائلها ويقصر عمر الانسان. ومن اجل حماية الانسان القاصر من نفسه ومن اجل حماية الناس من بعضهم الآخر دعا هوبز إلى تأسيس حكومة قوية لها سيادة مطلقة على الناس تصدر القوانين الشديدة التي تمنع التوحش وتمنع الاتجاه إلى العزلة والفقر، ورأى ان الحكومة المسيطرة والسائدة بقوتها على كل جوانب المجتمع هي الوسيلة لتمدين المجتمع وتوجيهه إلى تطوير زراعته وصناعته من اجل حياة افضل.

هذا الفهم تجد فهما اكثر تطرفا منه في التاريخ الاسلامي وتجده متمثلا بشراسة في عهد الحجاج الذي حكم العراق بالسيف لأنه كان يرى ان اهل العراق لا يمكن حكمهم إلا بكسر رؤوسهم. وهذا الفهم الحجاجي للحكم تراه مستمرا في كثير من بلاد الاسلام، ومازالت مجتمعات اسلامية وعربية كبرى تعاني من سيئات هذا الفهم.

فهم آخر لطبيعة الانسان اثر ويؤثر في تشكل الدساتير والحكومات. الفيلسوف الانجليزي جون لوك الذي عاش بين 1632 و1704 آمن بأن الانسان يولد صفحة بيضاء من دون شرور وبالتالي تتكون لديه الخبرات عبر الحس المباشر والتجريب وعبر التفكير المنطقي الذي يتبع التجريب. والانسان لا يستطيع الابداع إلا اذا كان حرا وكريما وهو يحتاج إلى حكومة تدير شئونه العامة، ولكن هذه الحكومة تتطلب من هذا الانسان الحر ان يتنازل عن جزء من حريته من اجل الصالح العام، وهذا التنازل لا يتم إلا عبر «عقد اجتماعي». هذا العقد الاجتماعي طوره الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو الذي عاش بين 1712 و1778 والذي عارض بكل صراحة مفهوم هوبز القائل ان الناس اصلهم شر ومشكلات. روسو آمن بأن الانسان اصله طيب وبأنه أصل الخير وأن الارادة العامة للناس هي الخير العام للجميع وان هذا الاتفاق العام يتحقق عبر العقد الاجتماعي الذي تحدث عنه لوك.

هذا الفهم الانساني له جذوره في تاريخنا الاسلامي فالرسول (ص) هو القائل قبل فلاسفة الغرب بألف سنة ان الانسان «يولد على الفطرة». وان فطرة الانسان هي الخير والصلاح وان الرسالة المحمدية انما جاءت لتتميم «مكارم الاخلاق». وعلى هذا الاساس فإن الرسول (ص) لم يكن يُكْرِه احدا على الايمان وبدأ حكومته في المدينة عبر «البيعة» وعبر «صحيفة المدينة» واستمر حكمه عبر الشورى والتشاور في شتى الامور العائلية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.

«صحيفة المدينة» تعتبر اقدم وثيقة دستورية ملزمة لأطراف المجتمع، إذ تلزم كل فئة بالدفاع عن الاخرى في سبيل العيش بسلام مع بعضها الآخر من دون الاخلال بحرية الاعتقاد. ولولا ان يهود المدينة نقضوا مواد صحيفة المدينة خلال السنة الاولى من حكم الرسول (ص) وتحالفوا مع مشركي مكة ضد المسلمين في المدينة لما حصلت حرب معهم ولما أُخرجوا من المدينة المنورة.

التجارب الاسلامية والانسانية تدفعنا باتجاه احد الفهمين لطبيعة الانسان وبالتالي لطبيعة الحكومة التي تحكم المجتمع الانساني. ونجد استمرارية للفهمين في حياتنا السياسية بما في ذلك ما يجري في بلادنا البحرين، فهناك من يؤمن بأن مجتمع البحرين متناقض ولا يمكن تركه وحاله لأن الامور ستضيع والناس مازالوا «لا يفهمون» كيف يديرون حياتهم العامة بصورة سلمية، وبالتالي فإن الدولة لابد أن تكون المصدر الاول والاخير لتسيير الحياة وأن سلطاتها يجب ان تكون العليا في كل شيء وأن الامور يجب تسييرها من اعلى لأن تركها للناس سيضيعها. ولمساعدة هذا الفهم - ربما - نرى ان المواطن يحتار بين مؤسستين على المستوى المحلي البلدي ومؤسستين على المستوى البرلماني الوطني، واحدة معيَّنة وأخرى منتخبة. المعيَّنة على المستوى المحلي «المحافظة» لها صلاحيات كبرى وتستطيع تسيير امور الناس بصورة اكثر فاعلية من دون «وجع رأس»، بينما الهيئة المنتخبة مازالت «عاجزة» عن اداء دورها. هذا الفهم خاطئ ويجب عدم دعمه وعدم تعزيزه بأي شكل من الاشكال، لأن الممارسة السياسية البحرينية بإمكانها ان تطرح انموذجا جيدا فيما لو تم تمكين الإرادة الشعبية على المستويين المحلي والوطني. ولو سعينا إلى ايجاد حال التوازن بين الفهمين فإن ذلك يمكن ان يدفع بالديمقراطية والحال السياسية القائمة على الشورى وإرادة الامة إلى الامام. وهذا ما نأمل ان ندفع جميعا باتجاهه ونحن ندشن مرحلة برلمانية جديدة الاسبوع المقبل

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 93 - السبت 07 ديسمبر 2002م الموافق 02 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً