العدد 93 - السبت 07 ديسمبر 2002م الموافق 02 شوال 1423هـ

الولايات المتحدة أمام معضلة ما بعد صدّام

العراق بعد الحرب... ما مصيره؟

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

كثر الحديث عن صورة العراق لمرحلة ما بعد الرئيس صدّام حسين. منهم من قال ان أميركا ستعتمد الاسلوب الذي مارسته مع كل من ألمانيا واليابان، بعد أن استسلمتا عقب الهزيمة في الحرب العالمية الثانية. وسيكون هناك حاكم عسكري أميركي على غرار الجنرال ماك آرثر، وهو القائد الذي ساهم في فرض الديمقراطية الأميركية على الشعب الياباني. وهو أيضا الذي حافظ على صورة الامبراطور الياباني وكرامته تجاه شعبه، كي تسهل مهمته في حكم هذا البلد. وفعلا نجح ماك آرثر، وأصبحت اليابان في فترة معينة، المنافس الأول للولايات المتحدة.

أيضا، وأيضا شكّل النموذج الألماني نجاحا باهرا، على رغم اختلاف الظروف بشكل جذري بين اليابان وألمانيا. فألمانيا أصبحت بعد الحرب الكبرى الحليف الأول ومركز الثقل الأساسي للقوة الأميركية في مواجهة الاتحاد السوفياتي. فيها نصبت أميركا الصواريخ النووية، وفيها انتشرت عملانيّا الألوية العسكرية. وهي كانت خط المواجهة الأول مع الخطر الروسي. لم تكن اليابان كما كانت ألمانيا. فالنووي ممنوع على أرضها. وقواها العسكرية، هي للهدف الدفاعي عن الجزر فقط. وهي جغرافيا مفصولة ومنعزلة عن العدو السوفياتي على رغم احتلال هذا الأخير جزر سخالين.

إذا الخلاصة من التجربتين، هي أن أميركا فرضت قيمها وإرادتها السياسية على القوى المنهزمة بالقوة العسكرية. وفي الوقت نفسه وبسبب الاحتكاك المستمر بين الحضارتين استفاد المنهزم من ثروة وخبرة المحتل، لينافسه في مراحل لاحقة.

ماذا عن العراق؟

تبدّلت أميركا بعد الحرب الثانية في خطابها الاستراتيجي. فهي أعلنت قبيل الحرب الكبرى، أنها لن تقبل بأقل من «الاستسلام غير المشروط» لكل من اليابان وألمانيا. انطلاقا من هذا المبدأ، يبدو أن أميركا ومن خلال شروطها المسبقة استبعدت أي حديث دبلوماسي مع العدو الآخر قبل أن يلقي سلاحه. لكن هذا الموقف المتشدد يبدو مكلفا لكل الأطراف. وهذا ما عايشته أميركا فعلا بعد انتصارها على ألمانيا وظهور الخطر الأحمر. فهي اضطرت إلى استنباط المشروع الشهير (مارشال)، لإنقاذ ألمانيا من تحت الدمار الذي تسببت به.

مع العراق تبدّلت الظروف الدولية والاقليمية. كذلك الأمر، تبدّل العدو بالاضافة إلى تبدّل أميركا جذريّا في نظرتها إلى نفسها وإلى العالم. فهي أصبحت تضع في مخططها العام، الاستراتيجي والعسكري، صورة المرحلة التي تلي العمليات العسكرية End State في أي مكان تتورط فيها قواتها. وأصبحت تخطّط لعمليّة إنهاء الحرب War Termination Process وطريقتها بعد تحقيق الأهداف المرجوّة، وذلك قبل إطلاق أول رصاصة أو صاروخ. من هنا يمكننا الجزم بأن التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، هو جزء أساسي من المخطط العسكري العام، وليس طارئاَ عليه ومتروكا عشوائيّا لما قد تنتجه غبار القنابل والصواريخ الأميركية.

ما صورة العراق

بعد انحسار غبار المعركة؟

لا يمكن الحديث عن صورة العراق لمرحلة ما بعد الحرب، إلاّ إنطلاقا من صورة أرض المعركة ونتائجها. في هذا الاطار يمكننا طرح بعض الاحتمالات لصورة أرض المعركة، فما هي؟

قبل البدء بالحديث عن صورة أرض المعركة، لا بد لنا من ربط أرض المعركة بالأهداف الأميركية المنوي تحقيقها. ويجب علينا أن نتساءل، متى تعتبر أميركا أن أهدافها تحقّقت؟ وهل ستوقف الحرب عندما تقرر هي، أم أنها ستتشاور مع حلفائها الكبار منهم والصغار؟ وما دور مجلس الأمن في هذا المجال؟

باختصار تريد أميركا تجريد العراق من «أسلحة الدمار الشامل» وتريد إنهاء ما بدأه الرئيس جورج بوش الأب. وتريد أن تسيطر على مصادر الطاقة بعد ان استنتجت أن حوالي 70 في المئة من احتياط النفط العالمي موجود في منطقتي الخليج وشمال افريقيا. وبعد أن وعت أنها لن تستطيع الاستغناء عن هذا المصدر إلا بعد عقدين من الزمن. علما بأن مالكي هذه الثروة، لن يستطيعوا حظرها كما فعلوا العام 1973. وذلك لأنها (الثروة النفطية) تشكل المصدر الأساسي وتقريبا الوحيد لمدخول هذه الدول، في الوقت الذي تعاني فيه (أي الدول) من مشكلات اقتصادية خطيرة. وأخيرا وليس آخرا، تريد أميركا تغيير النظام العراقي، والاستبدال به نظاما ديمقراطيا مثاليا.

الاحتمال الأول: وهو المثالي، كأن يقوم الرئيس صدّام حسين بالتنحّي وتسليم الحكم لخلف (ديمقراطي) توافق عليه أميركا. وكأن ينتهي التفتيش من قبل مجلس الأمن من دون حوادث تذكر. في هذه الحال، يكون العراق سليما معافى من دون آثار حربية تذكر، وخصوصا وحدته السياسية. وسوف ترفع عنه العقوبات ليعود لاعبا أساسيا على الساحتين الاقليمية والدولية. لذلك تبدو صورة العراق من خلال هذا الاحتمال وكأنها الصورة المثالية المرجوّة من الكل تقريبا.

الاحتمال الثاني: قد يخرق العراق القرار 1441. فيعمد مجلس الأمن إلى قوننة هذا الخرق، ليفتح الباب أمام هدير الدبابات والطائرات الأميركية. في هذا الاحتمال، تنتج أرض المعركة العملانيّة عدة سيناريوهات محتملة سنحاول اختصارها قدر الامكان. وذلك لأن لكل سيناريو - صورة منها تأثيرا مباشرا على مستقبل العراق (Post War).

بعد هدير الطائرات قد يعمد بعض القادة العسكريين العراقيين، وبتشجيع من الأميركيين إلى القيام بانقلاب على الرئيس العراقي، فيتسلموا الحكم. تفتح أبواب الحوار السياسية والدبلوماسية مع أميركا، لتفرض الأخيرة شروطها كاملة من دون ممانعة تذكر، وتحقق أهدافها كاملة.

إذا لم يقع أي تغيير من الداخل، قد تحقق أميركا أهدافها من خلال القوة العسكرية وبسرعة، أي خلال 4 إلى 6 أسابيع.

إذا لم تحقق أميركا أهدافها بسرعة (أكثر من شهرين)، قد يعني هذا الأمر أن الرئيس العراقي ممسك بالداخل بشكل كامل. وقد يعني أيضا، أن القادة العسكريين مخلصون لرئيسهم، وقرّروا القتال ضد الأميركيين حتى الموت.

قد يستطيع الرئيس صدّام استدراج أميركا إلى حروب المدن، وإطالة الحرب لفترة ليست قصيرة. تصبح هنا أميركا محرجة، فلا هي قادرة على الحسم. ولا هي قادرة على الانسحاب وإيقاف الحرب. وفي الحالين، هي الخاسرة.

إذا طالت الحرب، قد تضطر أميركا إلى التصعيد. والتصعيد قد يعني استعمال المزيد من الأسلحة السرية القادرة على التدمير الشامل. هنا، قد يضطر العراق أيضا إلى الردّ والتصعيد، وذلك من خلال الأسلحة المتهم بأنه يملكها. وقد يوسّع دائرة المعارك لتشمل «إسرائيل». وإذا ردّت «إسرائيل»، قد يؤدي هذا الأمر إلى التغيير الشامل للواقع السياسي والاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. وقد يترك الحلفاء الأساسيون أميركا لحالها.

الاحتمال الثالث: قد يستبق العراق أي عمل عسكري أميركي، بضرب القوات الأميركية و«إسرائيل» بأسلحة دمار شامل. وقد يكون الرد على العراق تدميره بالكامل، وخصوصا عاصمته. لكننا هنا ومن منطلقات منطقية، قد نسأل: «هل تجرؤ أميركا و«إسرائيل» على مهاجمة العراق إذا كان فعلا يملك أسلحة دمار شامل»؟. أفلا يشكل السلاح العراقي رادعا للاثنين أم أن كل ما يجري هو من ضمن مسرحية طويلة، وصلت إلى فصلها الأخير؟

باستثناء الاحتمال الأول، تبدو صورة العراق بعد انحسار غبار المعركة، قاتمة. ويجب هنا على أميركا أن تعمل على أن يكون السلم الآتي مقبولا وشعبيا، وخصوصا ان الحرب المنوى خوضها هي بالتأكيد غير شعبية. فالنصر الحقيقي هو ليس في البُعد العسكري، بل هو بالتأكيد في البعد السياسي.

إذا وباختصار ما المطلوب القيام به كي يكون السلم لمرحلة ما بعد صدّام شعبيا؟ أو بالأحرى، ما الركائز الأساسية التي يجب التركيز عليها لاعادة ترتيب البيت العراقي، وذلك بغض النظر عمن سيكون مسئولا عنه.

الركيزة الأولى: تقوم على تأسيس السلطة الشرعية التي سوف تحكم البلاد. وتبدو مسألة الشرعية (Legitimacy) مسألة عويصة بالنسبة إلى أميركا. فالحاكم الذي سيلي صدّام، سيعاني من شرعيته، لأنه سينعت بأنه صنيعة «العم سام»، على غرار قرضاي في أفغانستان. وتحتاج السلطة الحاكمة إلى أن تكون إلى جانبها المؤسسات الرسمية، التي من خلالها ترسم صورة النظام السياسي. فهل سيكون ديمقراطيا مع مجلسي شعب وشيوخ؟ أم سيكون فيدراليا موزعا بين الوسط والجنوب والشمال العراقي؟ ترسم كل هذه المؤسسات مجتمعة سياسة العراق المستقبلية. وهي التي تحدد عملية اتخاذ القرار السياسي على الصعيد العام. وهي التي توزع الحصص السياسية بين الأفرقاء العراقيين. وهي التي سترسم طريقة التعامل ما بين الداخل السياسي والمعارضة العراقية. كذلك الأمر ستعمل هذه السلطة على إجراء المصالحة مع الدول المحيطة.

الركيزة الثانية: كي تستمر السلطة السياسية، يجب بناء المؤسسات الأمنية التي تحميها وتساعدها على تنفيذ سياساتها. وهنا، تظهر أيضا معضلة كبيرة. فكيف، وممن ستتألف هذه القوى؟ وماذا سيكون مصير القوات التي قاتلت إلى جانب الرئيس صدام؟ ماذا سيكون مصير الحرس الجمهوري؟ ومصير الأجهزة الاستخباراتية؟ ومن سيحل مكانها؟ ومن سيحاكم من؟ كذلك الأمر، يجب بحث نوع وشكل ومصدر القوى الأمنية التي ستتولى المرحلة الانتقالية ما بين الحرب والسلم Peacekeeping وPeace enforcement.

الركيزة الثالثة: إذا تأمنت المؤسسات الأمنية، وجب العمل على خلق الأجهزة القضائية لتطبيق القانون وإحلال العدل وحكم القانون. كذلك الأمر وجب العمل على خلق السياسة الأمنية لاجراء المصالحة بين الداخل والداخل، كذلك الأمر بين الداخل والخارج.

الركيزة الرابعة: بعد الأمن والقضاء، وجب العمل على تأمين وتحسين الوضعين، الاجتماعي والاقتصادي. فالشعب العراقي سيكون منهكا بعد الحرب. ووضعه يتطلب مساعدات انسانية عاجلة. وهو بحاجة إلى العناية الصحية تجنبا لتفشي الأمراض. ويجب ألا ننسى هنا مصير آبار النفط التي تجب المحافظة عليها، لأنها المصدر الأساسي لتمويل إعادة بناء ما دمرته الحرب

العدد 93 - السبت 07 ديسمبر 2002م الموافق 02 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً