العدد 116 - الإثنين 30 ديسمبر 2002م الموافق 25 شوال 1423هـ

بوش يحاول رشوة روسيا نفطيا

لضمان تأييدها للهجوم على العراق

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

يثير احتمال شن الولايات المتحدة هجوما واسعا على العراق بغرض احتلاله والإطاحة بنظام حكمه منافسة دولية على احتياطي العراق الضخم من النفط الذي يقدر خبراء الطاقة بأنه يأتي في المرتبة الثانية بعد السعودية، ويوجد تعقيدات أمام الجمهور الأميركي لاستغلال روسيا باعتبارها مصدرا مستقبليا رئيسيا للنفط. وتسعى موسكو الى الحصول على ضمانات من واشنطن بأنه إذا تمت الإطاحة بحكومة الرئيس صدام حسين فإن شركات النفط الأميركية لن تنتزع حقوق تطوير حقول النفط المربحة التي تعاقدت بشأنها شركات النفط الروسية مع الحكومة العراقية الحالية.

ويقول خبراء صناعة الطاقة ان هذه القضية أصبحت نقطة صعبة كامنة في المفاوضات بين العاصمتين الأميركية والروسية عن جهود واشنطن للحصول على دعم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي روسيا والصين وفرنسا لسياستها بشأن العراق. ويلعب النفط والقضايا الاقتصادية الأخرى دورا مؤثرا في المواقف السياسية الروسية، اذ يعتبر العراق أحد أبرز شركاء روسيا التجاريين اذ يبلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين سبعة مليارات دولار سنويا فيما تبلغ الديون العراقية لروسيا نحو ثمانية مليارات دولار، فيما جرى الحديث عن صفقة تجارية ضخمة بين البلدين تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار للسنوات العشر المقبلة تتضمن 67 عقدا تشمل النفط والغاز والنقل والاتصالات، وسيبدأ تنفيذها فور رفع العقوبات عن العراق.

ويقول المحلل النفطي في شركة «إس دبليو إس» في دالاس في ولاية تكساس فرد موتاليبوف: «إن الشركات الروسية قلقة من أن النظام الجديد الذي سيأتي به الأميركيون في العراق قد يلغي الاتفاقات الموقعة سابقا ويحبذ الصناعة النفطية الأميركية. وللحصول على تأييد روسيا أو على الأقل موافقتها التزام الصمت فإنه يتعين على الولايات المتحدة أن تضمن بأن مصالح النفط الروسية ستؤخذ في الاعتبار حالما يحصل تغيير في النظام العراقي».

والأخطار الاقتصادية التي ستتعرض لها روسيا من جراء تطورات الهجوم الأميركي على العراق، لا تكمن فقط في خسارة القطاع الخاص النفطي الآخذ في النمو بل أيضا إن الاقتصاد الروسي المدفوع بالصادرات سيواجه المعاناة إذا قام نظام جديد موال للولايات المتحدة في بغداد بزيادة الإنتاج الحالي لإغراق الأسواق بالنفط الخام، كما أن هناك مخاوف من ألا يتقيد العراق بقيود منظمة الأقطار المصدرة للنفط «أوبك» على إنتاج النفط. ويرى بعض الخبراء النفطيين أن العراق سيحتاج إلى إعادة إعمار ضخمة وسيحتاج إلى مليارات الدولارات عبر طريق واحد هو الصادرات النفطية، وهو ما قد يستوجب إنتاج أقصى ما يستطيعون من النفط.

ويتنبأ بعض المحللين بأن أسعار النفط ستهبط من سعرها الحالي وهو 30 دولارا للبرميل الواحد إلى نحو 20 دولارا في الوقت الذي يبدأ الإنتاج العراقي بالزيادة من 1,5 مليون برميل يوميا إلى نحو ثلاثة ملايين برميل خلال السنوات المقبلة التي تعقب احتلال العراق والسيطرة على نفطه. ويرى هؤلاء أن ادارة الرئيس الأميركي تستخدم ارتفاع أسعار النفط حاليا لزيادة التعبئة لصالح شن الهجوم على العراق باعتباره الخيار الصائب لوقف ارتفاع أسعار الطاقة.

وبالنسبة الى روسيا التي تعتمد عوائد صادراتها الاقتصادية بنحو 40 في المئة على صادراتها من النفط ستتلقى ضربة قوية من جراء انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وعلاوة على ذلك فإن النفط العراقي سيكون منافسا في الأسواق الأوروبية حيث تبيع روسيا معظم نفطها. إذ كلما انخفضت الأسعار أكثر كان ذلك أكثر سوءا للاقتصاد الروسي.

ولكن بالنسبة الى إدارة بوش فإن هذه المسألة تمثل مضاعفات سياسية واقتصادية معقدة. فالاقتصاد الأميركي سيستفيد من انخفاض أسعار النفط، وقد تزدهر شركات النفط الأميركية إذا تراجع العراق عن صفقاته مع الروس. ولكن سياسة أميركية ترتكز على المصالح الأميركية بقوة لن تلحق الضرر فقط بالعلاقات مع روسيا، بل إنها يمكن أن تقوض شرعية نظام عراقي جديد. ويقول المدير المشارك لبرنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، أنطوني كوردسمان إنه «إذا كانت تركة الحرب ستظهر الولايات المتحدة بأنها تضحي بمصالح العراق لتوافق المصالح الأميركية فإن كل ما ستفعله هذه الحرب هو ضمان أن تكون أي ةحكومة تقيمها الولايات المتحدة في العراق بمثابة حكومة عميلة، ولذلك فإنها ستتمزق وتنهار».

وفيما تقول المصادر الأجنبية ان العراق يتربع على 11 في المئة من احتياطي النفط العالمي المؤكد، أي نحو 112 مليار برميل. وإذا كان سعر البرميل الواحد 30 دولارا فإن هذا يعني 145 ألف دولار من النفط الخام لكل نسمة في العراق، فإن الجيولوجيين البتروليين العراقيين يقولون ان هناك على الأقل ضعف هذا الاحتياطي المؤكد في الاحتياطيات الإضافية التي مازال يتعين تأكيدها. وقد لعبت شركات النفط الأميركية دورا كبيرا في تطوير النفط العراقي قبل تأميم الصناعة النفطية العراقية في العام 1972. غير أن سنوات الحرب الثماني مع إيران والعقوبات المفروضة على العراق منذ العام 1990 دمرت الكثير من البنى التحتية لإنتاج النفط العراقي وحدت من تطوير حقول جديدة لتحل محل الإنتاج المتناقص من الحقول القديمة. ويقدر المسئولون العراقيون احتياجات إعادة بناء صناعتهم النفطية إلى نحو 50 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية للوصول إلى هدف إنتاج ستة ملايين برميل من النفط يوميا خلال العقد المقبل.

وتتهم بغداد شركات النفط الروسية وفي مقدمتها «لوك أويل» بأنها لم تنفذ بعد اتفاق تطوير حقول نفط غربي القرنة. ويرى خبراء أن هناك ما يشبه التوافق الأميركي الروسي على العراق. فقد أبلغ وزير الخارجية الأميركي كولن باول مجلس العمل الأميركي الروسي في وقت سابق من ديسمبر/كانون الاول الجاري: «إننا نجري محادثات مع أصدقائنا الروس بشأن مصالحهم ونأخذ في الاعتبار اهتمامهم». فيما قال وزير التجارة الأميركي دونالد إيفنز: «إن هذه القضية أثيرت في محادثات خاصة مع مسئولين عن الصناعة في مؤتمر أميركي روسي عن الطاقة عقد أخيرا في هيوستن». ويقول الباحث في شئون الطاقة في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي فيليب فيرليجر: «إنني أشك في أنه يتعين على الادارة الأميركية قبل أن تحصل على التصويت الذي تريده في الأمم المتحدة أن يكون هناك شيء مكتوب مع الروس». ويجادل الخبراء في صناعة الطاقة والسياسة الخارجية بأن مساعدة روسيا على الإبقاء على مصالحها في العراق هو الشيء الصحيح الذي يتعين عمله. وقال المسئول السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي مارك بريزينسكي إنه «يتعين على الادارة الأميركية أن تفكر في استراتيجية لتفعيل الاقتصاد العراقي» مضيفا بأن لدى شركات النفط الروسية خبرة من عملها في العراق وأن معرفتها بكيفية عمل الأمور يمكن أن تساهم باتجاه الهدف الأكبر وهو إخراج الاقتصاد العراقي من أزمته.

كما يرى هؤلاء أن ضمان أن يكون لروسيا دور في تطوير صناعة النفط العراقية من شأنه أن يدفع قدما جهود واشنطن الى تشجيع إقامة مزيد من التعاون بين شركات النفط الروسية والأميركية لإيجاد مصادر جديدة للطاقة خارج نطاق دول منظمة (أوبك). وعلى رغم ان افتقار روسيا إلى ناقلات نفط ضخمة يمنعها من نقل الكثير من النفط إلى الولايات المتحدة فإن المسئولين الروس يقولون ان التحسينات المعدة لذلك ستتيح المجال لتلبية نحو عشرة في المئة من مطالب أميركا النفطية في سنوات مقبلة. وللدلالة على حسن النية فقد صدرت روسيا مئات الآلاف من براميل النفط الروسي إلى الولايات المتحدة لتضخ للمرة الأولى في الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي

العدد 116 - الإثنين 30 ديسمبر 2002م الموافق 25 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً