العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ

المثقف إما مدافع عن الحقيقة أو مجرد كيس من الكلمات والبلاغة الخادعة

لم يحمل ملف العدد الواحد والسبعين الذي خصصته «المجلة الثقافية» للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، نقدا أو نقاشا لأفكار هذا المفكر، بل اقتصرت مختلف الكتابات التي أثثت هذا الملف على طرح ما جاء به إدوارد سعيد من أفكار عالجت موضوع الثقافة والمثقفين، وردت في ما نشره من كتب على غرار «الاستشراق»، «العالم، النص والناقد»، «الثقافة والإمبريالية».

يقول رئيس تحرير «المجلة الثقافية» التي تصدر عن الجامعة الأردنية محمد شاهين، إن من أهم ما انتهى إليه سعيد في كتاباته هو أن «المعرفة كما الثقافة، عمل مؤسساتي واضح الأسباب والغايات»، ولذلك فإن القيمة الوظيفية للثقافة لا تختلف عن القيمة الوظيفية للمعرفة، بمعنى أن كليهما يؤدي إلى توليد الحضارة التي هي في الأساس خلاصة موروث اجتماعي».

من جانبه، تطرق فيصل درّاج إلى قضية «المثقف الدنيوي والمثقف الرسولي عند إدوارد سعيد» معتبرا أن صورة المثقف كما رآها سعيد تجمع بين تصور دنيوي يعالج القضايا اليومية المشخصة بمعرفة حديثة متغيّرة، وتصوّر أخلاقي رسولي يدافع فيه عن الحقيقة في جميع الأزمنة.

ويرى درّاج أن إدوارد ناقض التيار الذي رفع شعار النهايات الذي يقول بنهاية التاريخ ونهاية الجغرافيا ونهاية الإيديولوجيا ونهاية المثقف، معتبرا أن المثقف الذي انتهى هو فقط ذلك الذي يرتبط دوره بمصالح الآخرين. أما المثقف الذي لا تنتهي وظيفته فهو «المثقف الأزلي» الذي يدافع بشكل ثابت عن قيم أخلاقية ثابتة انطلاقا من واقع ملموس. مؤكدا في الوقت ذاته أن «مثقفا لا يشير إلى الحقيقة، ولو بقدر، هو مجرد كيس من الكلمات المتقاطعة والحسابات الصغيرة والبلاغة الخادعة».

من جانبه، قدّم باتريك بارندر قراءة في كتاب إدوارد سعيد «الثقافة والإمبريالية» مشيرا إلى أنه وعلى خلاف ما تنطوي عليه الإمبريالية من أيديولوجيات تكرّس ذهنية التفوّق الثقافي والعرقي والسياسي، فإن الثقافات كلها ترتبط ببعضها بعضا بل وتتشابك وتتمازج أيضا.

واختارت جاكلين روز «الهامش السياسي للسرد» موضوع مقالها لتكريم المفكر إدوارد سعيد، منتقدة كتابات الإسرائيليين الذين سعوا إلى دعم مفهوم الأمة، مشيرة إلى أن ثمن «تحقيق هذا الحلم الجماعي الطاغي والمقحم عليه عنوة» كان كبيرا، مؤكدة في الوقت ذاته أنه ولئن كان همُّ الكاتب العربي صنع حاضر لشعبه، فإن هاجس الكاتب الإسرائيلي مختلف، ذلك أنه توجد رواية جاهزة تحوّر الكارثة وتحوّلها إلى هوية. وترى الكاتبة اليهودية أن إدوارد سعيد اضطلع بمهمة «تعقّب اللحظات داخل الكتابة الأدبية، حيث خطاب الإمبراطورية المهيمن ينطوي على ذلك الإيمان العميق بالفكرة».

وتنتهي روز في مقالها إلى إقرار ما ذهب إليه المفكر الفلسطيني من أن الصراع على اللغة لعب دورا محوريا في تكريس واقع الأمة وإيمانها بنفسها.

وتضمن الملف الذي خصص لتكريم المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، رسالة بعثها هذا الأخير إلى صديقه طوني تانر، أعقبها محمد شاهين بتعليق أكد فيه كره سعيد للحدود التي تقف دون انتقال الجسد والفكر، منوها في الوقت ذاته بحب إدوارد للحياة ومقاومته المرض.

من جانبها، قدّمت مريم سعيد - زوجة إدوارد سعيد - جردا في كل الكتب والمقالات والمحاضرات والبحوث التي أنجزها هذا الأخير، موضحة أن التفاوض جارٍ حاليا مع إحدى الجامعات الراغبة في استضافة هذا الأرشيف.

وتحت عنوان «إدوارد في رجع الذاكرة» تأسف طارق علي لغياب سعيد الذي كان خصما لا يلين للمشروع الصهيوني، وفي المقابل تحدّث جميل جريسات عن الإرث الكبير من الذكريات التي جمعته مع إدوارد.

ويختتم الملف الذي كرّمت من خلاله «المجلة الثقافية» المفكر والناشط الفلسطيني إدوارد سعيد بمناسبة ذكرى وفاته، بمقال لأمجد ناصر اختار له عنوان «المنقب عن السرديات المتخفية»، أكد فيه أن السردية عند هذا الكاتب تجاوزت معناها البسيط «لتصل إلى تركيب عناصر معقّدة من الحكي الذي يشكل عالما متخيلا متماسكا، بحيث ينسج حكاية تأريخ الذات لنفسها وللعالم، تمنح طبيعة الحقيقة التاريخية وتمارس فعلها في نفوس الجماعة وتوجيه سلوكهم وتصورهم لأنفسهم وللآخرين، بوصفها حقيقة ثابتة تاريخيا».

وبالإضافة إلى ملف تكريم إدوارد سعيد، تضمن العدد الجديد من المجلة التي احتوت على 187 صفحة من الحجم الكبير، مقالا لمحمود درويش تحدّث فيه عن تجربته مع المنفى مؤكدا أن «المسافة بين المنفى الداخلي والمنفى الخارجي مرئية تماما» مشيرا إلى أن المنفى لا يقتصر على الابتعاد عن البلد، بل يتجاوزه إلى أكثر من ذلك، إذ اعتبر أن «غياب الحرية منفى وغياب السلام منفى» أيضا.

كما احتوت المجلة على بحث لمحمد عصفور تناول فيه بالدرس الشعر السياسي لجبرا إبراهيم جبرا، انتهى فيه إلى الإقرار بأن جبرا وعلى رغم عدم انغماسه في العملية السياسية كناشط فيها، فإن الحس السياسي لم يغب عن كل أشعاره، حتى تلك التي لم تحمل كلماتها مدلولا سياسيا.

من جهته، تحدّث عيد الدحيات عن «اهتمامات المستعربين الأوروبيين ونشاطاتهم في العصور الوسطى وعصر النهضة» مؤكدا أن هذه الفترة اتسمت بتزايد النشاط التبشيري بالتوازي مع ازدهار الحركات التجارية عبر البلدان العربية، ما استدعى اتقان اللغة العربية لاتمام هذه المهمات.

وعن «الخطاب التاريخي العربي المعاصر، تاريخية النكسة: الوعي والوعي المستعاد» كتب مهند مبيضين أن أهم آثار النكسة برزت من خلال الاستفاقة الإسلامية وانبثاق فكر جديد يرفع راية الهزيمة عبر المناداة بإحياء عصور ولهجات منقرضة.

أما حوار العدد فقد أجراه محمد شاهين مع الباحث إحسان عباس الذي تطرّق بالحديث إلى «دورة ابن زيدون للشعر» التي تنظمها الشارقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تضمن العدد الواحد والسبعون من «المجلة الثقافية» مجموعة من البحوث في مجال الفنون والشعر الأفغاني علاوة على مراجعة لكتاب «طوق الخطاب» لعلي الديري و»مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية» لدنيس كوش، و «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة» لجون ميرشايمر وستيفن وولت، بالإضافة إلى كتاب «التطهير العرقي لفلسطين» للمؤلف إيلان بابي.

العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً