العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ

كيف تكتب القصة الساخرة؟

السيدة كج الجزيلة الاحترام:

كانت الحفلة التي أقيمت ليلة أمس جميلة فوق العادة، وأما المفاجأة فهي تعارفي على سيدة جميلة مثقفة تصعب على الكثيرين من الكتّاب أمثالي، حيث إني كاتب منطوي على ذاته «اعذريني» لقد كانت سعادتي عظيمة لهذا التعارف، وحاولت جاهدا، أن أشرح لك مدى إعجابي بك، ساعة لقائنا الأول عند المساء... إلى حين افتراقنا عند طلوع الفجر... ولا أستطيع أن أقول شرحت لك، بل أقول: حاولت شرح مدى إعجابي، لأنني لم أستطع إظهار هذه الأحساسيس والمشاعر التي كانت تسيطر علي آنذاك، فقد كنا على مدى ساعات طوال وجها لوجه والحيرة تأكلنا، ولهذا السبب بقيت طوال الليل أتمتم ببعض الكلمات الجوفاء، لم تصدر عني أية جملة مفيدة أظهر فيها مدى إعجابي بك، ولا أدري هل استطعت شرح إعجابي الكبير بك؟؟ لا... لا... أرجو أن تسامحيني على شرح حبي الكبير لك بتلك الكلمات التي لا معنى لها ولا طعم ولا رائحة، فهمتِ ما قلته لأن إنسانا ما، والأصح من رجل ما، وكاتب لا يستطيع أن يتمتم بالكلمات ساعات طوال إلا إذا ضربته أشعة الجمال الأنثوي التي تشبه إشراقه الشمس.

بينما كنت أحاول إظهار حبي وعشقي لك ببعض الكلمات التافهة، كنت تقولين لي إنني موهوب كبير في مجال الكتابة الساخرة، وإنك تحبين السخرية والكوميديا كثيرا، ولكنك مع الأسف كما قلت لي لا تعرفين كيفية كتابة قصة ساخرة، وكنت تطلبين مني أن أعلمك الكتابة الساخرة... آه أيتها السيدة المحترمة جدا والحبيبة جدا، من الذي وجد خيرا في الكتابة الساخرة حتى تجد طريقها إليك أنت؟! ويا ليتك تحبينني بدلا من حبك لهذه السخرية، رجاء لا تفهميني خطأ، لا أريد أن أقول لك إن هذه السخرية لن تجلب لك السعادة، لكن سعادتك هي أنا، أمر واحد أود أن أقوله لك، لقد بدأت التلعثم في كلامي...

هل تذكرين عندما خرج ضيوف الحفلة إلى الحديقة، وكنا جالسين على الطاولة تحت شجرة الصنوبر وأيادينا متشابكة، ونظراتنا متقابلة، وأرجلنا متلامسة، وأشعة القمر البدر تنعكس على وجه مياه المسبح الصغير؟ وبينما كنت أحاول إعلان حبي لك، وهيامي بك، وأتلعثم بكلام تافه، كنت تصرين في سؤالك الملح عن كتابة القصة الساخرة... كيف وأين وفي أي زمن تكتب القصة الساخرة أو الضاحكة؟ ونحن بهذا كنا نعيش إلى حد ما المثل الشعبي القائل «الغنم والروح، القصب واللحم» ونترجمه إلى دراما، وفي الوقت الذي حاولت فيه تقبيل يديك وأنا أتمتم ببعض الكلمات... كنت حينها على وشك أن أقول لك:

- اتركي الكتابات الساخرة والمضحكة، ولنتحدث في شئوننا الخاصة الآن!

اعذريني، فقد كانت هذه الكلمات اللاأخلاقية على وشك أن تصدر مني غصبا عني.

كنا نشرب دون توقف... نشرب على الدوام... لدي السبب لأشرب، كنت مضطرا إلى ذلك لأفصح بلغة سليمة، لغتي الأم، عن حبي وهيامي فأدع الخجل جانبا وتتفتح ذاكرتي ولساني... ولكنك وضعت رأسك برأس السخرية، وكانت أسئلتك دائما عن الكتابة الساخرة!

الشراب فتح لسانك، وتأثيره كان يدفعك إلى السؤال أكثر...

كانت الأوركسترا تعزف «الطونا السماوي /الأزرق/» لشتراوس، والصرخات تعلو من المنصة خلف المسبح، هذه الصرخات قد عكرت هذا المنظر الرومانسي، فالجميع متعانقون على حلبة الرقص... أزواجا وأزواجا يتهامسون، يقبلون بعضهم، يتعانقون.

طلبت منك أن نرقص لأن فرصتي لن تعوض لأكون إلى جانبك، وأتخلص من هذا الذي يسمى الكتابة الساخرة.

قلت لك ساعتها:

- هل نرقص؟

أجبتني:

- طبعا.

لقد دخلنا وسط جموع الراقصين، ولكننا لم نكن في حلبة الرقص بل كنا نصعد على سلم مستند إلى مجموعة من الغيوم... نصعد درجاته ونحن نرقص «الفالس» متجهين نحو السماء... يدانا متشابكتان، وخفقات قلبي لا يحصى عددها، ووسط هذا الجو العاطفي الرائع... نعم، بدأت تتحدثين ثانية عن قصة ساخرة ومضحكة... ماذا أفعل بنفسي؟ لطفا، اعذريني... إذا كان الحب والغرام موجودين، فما أسباب هذه المهزلة والسخرية؟!

وبينما كنا نركض وسط الغيوم وإذا بنا نسقط فجأة في مياه المسبح! ربما تتذكرين ذلك جيدا... لقد أصبحت غارقا بالعشق... وأنت وصلت إلى القاع! هل تتذكرين من الذي أخرجنا من خزان الماء؟ ما أتذكره أن الجميع قد صفقوا لنا كثيرا ظنا منهم أننا قذفنا بأنفسنا إلى الماء، فما كان منهم إلا أن رموا بأنفسهم إلى الماء وملأوا الخزان! أما أنت فكنت تطلبين مني وتسألينني كيف ومتى وأين تكتب القصة الساخرة؟!

آخر ما أتذكره هو سقوطنا في حفرة كبيرة تحت شجرة وارفة بعيدا عن الأضواء الكهربائية وأنا مازلت أتلعثم بالكلام، وأنت تصرين على معرفة كتابة المسخرة والمهزلة والمضحكة، وإذا بذلك الرجل الذي ظننته زوجك قد جاء إلينا مع مجموعة أخرى من الرجال وهو يناديك باسمك... وبينما كان يحاول إخراجك من الحفرة وإذا به يقع فيها أيضا...!

والحقيقة أنني كنت في موقف حرج ومخجل جدا، وسبب خجلي هو أنك نسيت تصرفات زوجك «الجنتلمانية» وكنت تصرين بالأسئلة عن الكتابة الساخرة، كنت تريدين إظهار مقدرتك مع أن قدراتك كلها كانت واضحة كالشمس! وفي تلك اللحظة وعدتك بأنني سأكتب لك رسالة أوضح فيها كيف تكتب القصة الساخرة، كيف وأين ومتى يجب أن تكتب؟!

وها أنذا أقدم لك بعض المعارف بهذه الرسالة:

أيتها السيدة الحبيبة:

عند الصباح الباكر... لا... ليس عند الصباح الباكر لأنه عندما تستيقظين من نومك يكون الوقت أكثر بعدا عن الصباح!...

وعندما تستيقظين من نومك ظهرا، ولا تسمعين شخير زوجك من الغرفة الملاصقة لغرفتك تعرفين أن زوجك قد ذهب إلى عمله. ومن أجل كتابة قصة ساخرة يجب أن تنوي على كتابتها قبل كل شيء... وهذه النية موجودة لديك، ولكن... وبما أنك لا تستطيعين تجميع أفكارك جيدا قبل تناول الفطور، ثم تدخين لفافة من التبغ... يجب أن تقومي بهذه الأعمال قبل الكتابة: تنادين الخادمة وتطلبين الفطور، وحتى مجيء الإفطار يجب أن تعملي كما في كل صباح أن تقفي أمام المرآة... وبما أن العادة عندك هي تناول الإفطار فوق السرير فيجب عليك أن تعودي إلى سريرك... ويجب على خادمتك أن تركز صينية الفطور فوق اللحاف، طبعا أحزاز الخبز يجب أن تكون محمرة أو مقمرة... إنه أمر غريب، نفسك مسدودة عن كل شيء! وبينما أنت تأخذين فنجانا من القهوة ليكون مساعدا للسيجارة تنادين خادمتك وتقولين لها:

-ارفعي هذه الأشياء.

وعندما تدخنين سيجارة تلو الأخرى يعني هذا أنك جاهزة لكتابة القصة الساخرة، وقبلها تقولين في نفسك: «يجب أن آخذ دوشا قبل البدء» وتدخلين الحمام، وتغيرين قرارك ثانية... بدلا من الدوش تدخلين «البانيو» الساخن كي تزيلي عن كاهلك تعب الأمس.

ولكي تكتبي قصة ساخرة جميلة يجب أن تكون ثقتك بنفسك عالية، ومن هذه الناحية أعطيك الحق كل الحق لتبقي مدة أطول في حوض الماء الفاتر... هذا يعني أن مزاجك وذهنك قد تفتحا واستقريت نفسيا، ولأجل مزيد من الثقة ترفعين إحدى ساقيك نحو الأعلى كما في أفلام الحب التي نشاهدها، ثم تنظرين إلى ساقك من خلال المرآة الكبيرة الموضوعة على الجدار القريب، وتضعين عليها رغوة الصابون... إياك أن تتحسي بكلامي... بعد ذلك وقبل استعمال «معطف الحمام» المنشفة والمياه تنزل من جسمك يجب أن تجمعي نهديك بين يديك وتنظري إلى المرآة... هذه العملية ترفع كثيرا من معنوياتك كي تكتبي قصة ساخرة!

تكون الساعة قد أصبحت الحادية عشرة، ومع أن هذا الوقت مناسب لكتابة القصة الساخرة ولكن موقفك ليس ملائما... عليك أن تجلسي إلى طاولة التواليت الصباحي كي تزيدي من جمالك العادي جمالا أكثر بالمكياج الصباحي الذي تستعملينه... افتحي أدوات التبرج وابدئي بالزركشة لأن التبرج يزيد من ثقتك بنفسك كثيرا.

وعندما تنتهين من الزينة تسرحين شعرك حسب ذوقك، وبعدها ترتدين ما يجب لباسه في ذلك اليوم، يدل هذا أنك جاهزة كليا لتكتبي القصة الساخرة، والساعة تكون قد صارت 13.30 يعني أنك أحسست بالجوع، وماذا أكلت من طعام الفطور؟ ويجب أن لا تنسي أن الإنسان لا يستطيع كتابة قصة ساخرة وهو جائع، يجب أن تشبعي بطنك تماما كي تكتبي قصة ساخرة جميلة... ومن أجل هذه الكتابة يجب أن تضحي وتأكلي طعام الغداء وحيدة، إيه... وماذا ستفعلين يعني؟ إن كتابة قصة ساخرة تساوي هذه التضحية وربما أكثر!! أين ستتناولين طعام الغداء؟ على طاولة الصالون أم بين ورود نيسان في الحديقة؟ أم أمام المسبح الموجود على طرف الحديقة؟ من الأفضل أن يبدأ الإنسان بالكتابة الساخرة بعد أن يمتع نظره بالمناظر الجميلة، وإذا كان الأمر هكذا فيجب أن تضعي المنضدة داخل أصيص الأزهار! هل تقبلين بالحساء؟ ما رأيك باللحم المشوي أو السمك فهو الآخر طيب؟ هل تريدين صلصة مع زيت زيتون صاف؟ فاصولياء خضراء؟ أو رمان أرضي؟ وإذا أردت يوجد الطبيخ المدعوم، كيف؟ أليست الحلوى المصنوعة من العجين ثقيلة على المعدة؟ إذا كان الأمر هكذا، ما رأيك بمشتقات الحليب مثلا؟ صدر فروج؟ كيف يجب أن تكون قهوتكم يا سيدتي؟ هل تريدينها وسطا كما في كل مرة؟

هكذا، وعلى ما أعتقد تكونين قد جهزت نفسك للكتابة الساخرة، ولكن هناك شيئا يجب أن أذكرك إياه وهو أنه لا يمكنك أن تكتبي شيئا من القصص الساخرة وبطنك شبعان! فقصة ساخرة جميلة لا يستطيع المرء كتابتها وهو جائع، كما لا يستطيع كتابتها وهو شبعان... هذا واضح يا سيدتي...

الآن يبدأ النعاس بمداعبة عينيك، فالنعاس متعلق بجفنيك عند كل فتحة تغيبين من أعماقك وتتثاءبين، وكأن عظامك خرجت من مقراتها... إن القصة الساخرة لا تكتب وأنت تشعرين بالنعاس... أفضل شيء أن تنامي الآن... ثم تكتبين بعد النهوض من النوم... تقولين كم الساعة الآن؟ مازال الوقت مبكرا يا سيدتي، الساعة (15.20) مازال أمامك الوقت الكافي لتكتبي قصة ساخرة... نوما سعيدا يا سيدتي...

ولكن لماذا استيقظت هكذا بسرعة؟ مازالت الساعة (17.40) إنه وقت مناسب، تستطيعين البدء بالكتابة... آ آ آ... أتقولين رن جرس الهاتف؟ لترد الخادمة... من هي يا بنتي؟ هل هي «سفتاب»؟ أعطني الهاتف... آ آ... سفتاب، حبيبتي، يا روحي، كيف حالك يا سكرتي؟

طبعا، طبعا تفضلوا... هل تقولين يلويز وأيتان قادمتان معك؟ آمان أكون ممنونة كثيرا، فليتفضلوا، أنا بانتظاركم يا روحي... أقبلك.

ها قد جاء ضيوفك على شاي الساعة الخامسة، إنه وقت مناسب للعب ورق الشدة... إن أحسن وقت للكتابة، وخاصة كتابة القصة الساخرة هو الليل يا سيدتي! أفضل شيء الآن أن تلعبي ورق الشدة براحة، وتبدئي كتابة القصة الساخرة بعد ذهاب ضيوفك، عندها يكون فكرك مرتاحا...!

وأنت تلعبين ورق الشدة تشربين الويسكي وفي الوقت نفسه تدخلين في مجال القال والقيل أيضا... لم تتعلمي لعب ورق الشدة، اللعب ينتهي على الأكثر في الساعة العاشرة أو الحادية عشرة ليلا... وعندما تظلين لوحدك تكتبين طيلة الليل وأنت تستمعين إلى نداءات أعماق روحك.

كم الساعة يا أولاد؟ هذا السؤال سألته واحدة من ضيوفك، وأنت تقولين /طبعا للضرورة التركمانية/:

- ولك حبيبتي الساعة لم تصبح بعد الحادية عشرة، لماذا أنتن في عجل؟

أنت قلتِ ذلك... وهن عندما يقلن كما قلتِ أنت بنصف فم، إن أزواجهن على وشك الحضور إلى البيت. عندها تقولين لهن:

- آآآ... اتصلوا ببيوتكن واطلبن من أزواجكن أن يتفضلوا بزيارتنا، يكون عندها زوجي على وشك الحضور.

عندما قلت تلك الكلمات بنصف فمك لم يأخذن الأمر بجدية، فركبن سياراتهن ورجعن إلى بيوتهن... وأنت تتأملين كتابة قصة ساخرة في أعماق الليلة الساكنة، ولكن ذلك لم يحصل كما توقعت، ضيفاتك اتصلن ببيوتهن، كان أزواج البعض لم يصلوا إلى بيوتهم أما الآخرون فكانوا مستغرقين بالنوم:

- انظر إلي يا روحي... نحن الآن آيتان وفيليز نحن عند (ج - ك)... أتصل معك من هناك، كنت سأحضر إلى المنزل ولكنها دعتنا إلى الطعام جميعا... ومع أننا قلنا لها لا يجوز هذا الشيء إلا أنها أصرت كثيرا... ويا له من إصرار! حتى أنني أرغمت على القبول بالبقاء باسمك... هيا اركب سيارتك وتعال يا روحي، نحن جميعا بانتظارك هنا... ماذا؟ تقول نمت؟ وماذا أيضا يعني؟ هل ينام الإنسان باكرا كالدجاج؟ وخاصة أنا غير موجودة في المنزل... هيا تعال... ننتظرك.

عند الساعة الثانية عشرة إلا ربعا تجلسين مع ضيوفك على مائدة الطعام... أكلتم وشربتم وتسليتم وقضيتم وقتا جميلا، كانت الساعة قد صارت الثالثة من صباح اليوم التالي... رحل ضيوفك فقال زوجك:

- ليلة سعيدة يا روحي.

وأنت قلت له:

- ليلة سعيدة يا حبيبي.

جلست على الطاولة الصغيرة في زاوية غرفة نومك، ولكن... لا... هذا غير ممكن... لأنك سكرانة! لا يستطيع الإنسان أن يكتب قصة ساخرة وهو سكران... وفوق ذلك كله ثقل النعاس على عيونك... لا... لا... لا تستطيعين الكتابة وأنت نعسانة، بالنسبة لعدم الكتابة لا تستطيعين، رجاء اعذريني لأن القصة التي كتبتها لا تشبه أي نوع من أنواع القذارة... أفضل شيء أن تكتبي القصة التي في رأسك والتي تريدين إظهار قدراتك من خلالها، أن تكتبيها عندما تستيقظين من نومك. تقولين عندك موعد مع إحدى صديقاتك؟ إن صباحات الله لم تنتهِ بعد يا سيدتي... هناك صباح غد... وبعد غد... وبعد بعد غد... صباحات كثيرة.

في هذه الفترة لو تتكرمي على بموعد آخر أكون سعيدا جدا... وأريدك أن تعرفي هذا... صدقيني، إن هدفي هو إظهار موهبتك بالنسبة للكتابة الساخرة...!

العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً