العدد 2150 - الجمعة 25 يوليو 2008م الموافق 21 رجب 1429هـ

بؤس «التيار الوطني الديمقراطي»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

«ما يجرب المجرَّب إلا اللي عقله مخرب» تلك عبارة جميلة وساخرة لطالما سمعت والدنا المناضل الوطني الكبير عبدالرحمن النعيمي (شفاه الله) يرددها كثيرا في أيام التنافس الانتخابي النيابي 2006 الحامية، ولا أظن أن «وعد» بقادرة على أن تحصد ربع ما حصلت عليه من تأييد ودعم شعبي لو حصلت انتخابات طارئة في الأيام الحالية، لأسباب وعوامل ارتدادية وانقلابية واختطافية لطالما أسهبنا في ذكرها بمقالاتنا السابقة!

وإن اختلف السياق الذي قيلت فيه العبارة الآنفة إلا أن مثل تلك العبارة بوزنها الساخر الثقيل لم تكن عبارة عابرة، بل هي أضحت راوية بصدق وموضوعية للوضع البائس الذي أضحت فيه المسالك السياسية الموحلة والمسدودة لـ «التيار الوطني الديمقراطي» في البحرين الذي تأتي على رأسه جمعية «وعد»، وهو الذي وإن لم يولد ويبعث بعد في مشهدنا السياسي الآسن بالطائفية والملفوف بحبال الزبائنية السياسية، إلا أنه مازال يسمع من الداخل صراخا وأنينا زاعقا يكاد يقطع نياط القلب دون أن يعلم له قرار، فأعان الله هذا التيار على بؤس حاله وعلى تبئيسه!

فأول ما يلاحظ في حالتنا الراهنة وفي الوقت الذي اكتفت فيه الكتل النيابية بـ «المناشدة» و «المطالبة» وربما ما يشبه «المناجاة» كما لو أنها فريق غريق ومحاصر وسط العواصف والأزمات، فإننا نجد الكتل والجماعات التي ظلت خارج التوليفة البرلمانية الطائفية ومنها ما يشكل «التيار الوطني الديمقراطي» مثل «وعد» تكتفي بـ «الدعوة» وتتوكأ على «الضرورة والرؤية»، وتتوه من عبث إلى عبث سياسي دونما أن تعرف ما تريد، وإلى أين تسير طالما أن «فش القهر» و «فش الخلق» ظل هو عنوان المرحلة «الوعدية» وسمت الرؤية ووثب التكتيك والتكنيك، ومثل «التيار الوطني الديمقراطي» الذي طالت آلام المخاض به كثيرا ولم نر رأسا ولا يداَ ولا رجلا للمولود فإنما، وكأنما بات قدره أن يعاني ممّا يمر ويطوف وينغمس به من تناقضات انشطارية مدمرة في عمله الميداني تتصادم مع خطابه النظري!

هذا التيار وبناحيته «الوعدية» للأسف ومن جملة لا نهاية لها من تكتيكاته وتحركاته ومبادراته وأنشطته بات لا يستطيع الاكتفاء بذاته أو بقواه وقواعده الاجتماعية من دون أن يستجدي الجماهيرية والشعبية الغوغائية والفوضوية من التيارات والجماعات والأحزاب الطائفية التي قامت على أسس طائفية وتمأسست مأسسة طائفية ونحت نحو مكاسب طائفية وخضعت لمرجعية طائفية، وإن جعلتها الصدفة والظرفية النوعية التاريخية في صدارة الحركة المطلبية الشعبية المهيأة، أفلا يشكل الحديث جهارا ونهارا عن ضرورة أن يكون العمل السياسي وطنيا تناقضا واضحا مع الاندغام والاندماج ميدانيا وسياسيا مع الجماعات الطائفية في العمل المطلبي؟!

ولأجل المزيد من التوضيح فإن القول بطائفية «الوفاق» لا يأتي اتهاما أكثر من كونه تبيانا وكشفا للطبيعة التاريخية لهذا التنظيم وشكله ومبدأ تحركه السياسي وإن كان ما يحمله من قضايا وملفات هي قضايا وطنية خالصة تخص جميع أبناء الشعب إلا أنها أضرت بخطاياها السياسية كثيرا بالحركة المطلبية الوطنية وبصورة هذه القضايا وتكبدت جميع الأكلاف، فإذا تحمس إخواننا «الوفاقيون» للدفاع عن «وطنية» تنظيمهم وقالوا إنهم تنظيم «وطني» ويرحب بأعضاء من أهل السنة، فهل سيقبلوا إذا كاتب هذا المقال عضوا لديهم في التنظيم بكامل حقوقه وصلاحياته وإن أعلن وجاهر برفضه لـ «ولاية الفقيه» وأعلن اختلافه وعدم انتمائه فقهيا لـ «مرجعية المجلس العلمائي» التي تخضع لها «الوفاق»؟!

ألا يعد مثل ذلك الدوران العبثي اللامتناهي بين «التيار الوطني الديمقراطي» والتنظيمات الطائفية التي هي جزء في النهاية من المعادلة والمعضلة عبثا وتناقضا جوهريا؟! ألا يأتي ذلك على صدقية وسمعة خطاب «التيار الوطني الديمقراطي» وعلى مبدئيته السياسية ووضعيته في السياق الاجتماعي العام؟!

مثل هذه التناقضات الجوهرية المدمرة بين «التيار الوطني الديمقراطي» المنشود وبين الجماعات والتيارات والقوى الطائفية (أيا كانت) لا يمكن أن تعتبر بمثابة صيغة «ديالكتيك سياسي وطني» يضم كل الأجزاء، فمثل هذه العبثية السياسية السائدة إنما هي أقرب إلى تمطيط خيط «الآستيك» من التراص الجدلي لـ «الديالكتيك»، وهي تشي بانتهازية واضحة تروم استجداء الدواء الشعبي والحقنة الجماهيرية الضرورية من الجماعات والفئات الطائفية ولا تمت للمبدئية السياسية بأدنى صلة، فإذا أرادوها انتهازية سياسية وحصروا وقصروا قضايا البلد وهموم المواطن في تأمين كرسي نيابي في الانتخابات القادمة عبر توسل «الوفاق» وشقيقاتها فهل ستحل المشكلة وتنجلي الغمة أم أن ذلك الأخير ليس إلا تكتيك سياسي أضحى عقيدة استراتيجية «وعدية» ولـ «التيار الوطني الديمقراطي» حينما انتصرت الشلة على التنظيم وعلى المواطنين وعلى البلد؟!

إذا أرادوها انتهازية أو قل براغماتية سياسية برسم الواقعية فلتكن إذا في محلها في ما يعود على مصلحة التنظيم ورؤيته الوطنية، وإذا استمر الإخوة الأعزاء من أبناء وكوادر ومحبي «التيار الوطني الديمقراطي» في صمتهم وسلبيتهم تجاه تلك العبثية السياسية المدمرة فأرجو ألا يجابهوا بزمن، وإن لم يكن قد جوبهوا، تتقاسم فيه الأطراف والجماعات والأحزاب الطائفية جميع حقائب السلطة من مؤسسات ووزارات، وملفات المعارضة من عمل طلاب وعمل نقابي وغيره، ويكونوا هم «الوطنيون الديمقراطيون» و»الوعديون» في وضعهم المعقد والمتراكم كبالع الموسى أو كالمسيح المصلوب، فأمام أي تغيير إصلاحي وتحرك تصحيحي مطلبي من قبلهم يزدد الوضع سوءا ويزداد التنظيم انكماشا وتحقق فيه الطائفية السياسية أعظم انتصاراتها فسادا كان أو إصلاحا!

وآخر دعوى هذا المقالة هو أن إخوتنا في «التيار الوطني الديمقراطي» وحتى هذه اللحظة يخضعون لمن يريد أن يكتفي في مسلسل عبثياته المتناقضة والمتأرجحة بمقعد «المن والسلوى» الانتخابي، ويغض الطرف عن «بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها»، ومن مازال يضع شارعا شعبيا على رأسه وشارعا شعبيا آخر تحت أقدام غفلته رغم وحدة القضايا والهموم والمصائر، فإذا كحّ أحد أبناء شارع المعونة الانتخابية المستقبلية سقاه البعض لبن العصفر وماء الزهر وماء زمزم، وإذا أصيب الشارع الآخر بكارثة وانتكاسة فلا سلام ولا كلام وإنما «مسج» فقط طالما أن ذلك الشارع ليس معه على وفاق!

نحن نرجو منهم حسن الاستجابة عسى ألا يكونوا آخر من يحق له أن يتكلم في «العمل الوطني والديمقراطي» وتنطبق عليهم الآية الكريمة «مثلما تكونون يولى عليكم»، ونأمل منهم لمصلحة التنظيم ألا يكتفوا بتوزيع حقائب التخوين والهمز واللمز السياسي و «التطنيش» الفارغ، وألا يتداول بعضهم بصبيانية لا تليق بمخيلتهم السياسية الحرة مشهدا كاريكاتوريا يظهر فيه كاتب المقال كأفعى كوبرا تخرج من السلة البالية وتتراقص على ألحان ناي أحد الحواة وإن كان هذا الحاوي المتهم سياسيا بالشحن والتحريض على كراهية التنظيم هو أحد الرموز والآباء المناضلين والمؤسسين الرواد قبل أن يأتي بعض ما حطه السيل! إلى أين؟! وإلى متى؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2150 - الجمعة 25 يوليو 2008م الموافق 21 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً