العدد 2158 - السبت 02 أغسطس 2008م الموافق 29 رجب 1429هـ

يجب أن تخلو سياسة الولايات المتحدة من التعذيب

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

أصبح التعذيب، بعد فضيحة «أبوغريب» ونقل الأسرى إلى دول أخرى للتحقيق ومعسكر اعتقال غوانتنامو وصمة عار على جبين اسم أميركا الطيب، وهو أمر لم يكن واردا قبل بضع سنوات. يجب إزالة هذه الوصمة التي أساءت بشكل خاص لعلاقات أميركا مع العالم الإسلامي وتحميل المسئولية لجميع الذين شاركوا فيها بسبب أعمالهم.

يحتاج الكونغرس الأميركي لأن يجري تحقيقا مفصلا بشأن جرائم التعذيب التي وافق عليها ونفذها مسئولون أميركيون، بينما يتوجب على الحكومات في أرجاء العالم كافة أن تعمل معا لمنع أية إساءات مستقبلية وتشجيع بيئة من الاحترام المتبادل لحقوق الإنسان.

سيقشعر بدن الكولونيل نيك روي الذي اشتهر لكونه أسير الحرب الأميركي الوحيد الذي هرب بعد خمس سنوات في المعتقل عند الشيوعيين الفيتناميين، عند سماعه عن الأحداث الأخيرة. بعد سنوات من تجربته في فييتنام، أصبح الكولونيل رجلا له مهمة، فقد قبل طوعا أن يستدعى للخدمة الفعلية العام 1981 لإنشاء برامج الجيش الأميركي في البقاء والمراوغة والمقاومة والهرب (SERE). بذل روي جهده وهو ضحية للتعذيب لحماية المحاربين الأميركيين وإعدادهم لوحشية الحروب، ولكنه لم يعتقد في يوم من الأيام أن يصبح برنامجه نموذجا لحملة تعذيب أميركية.

قام روي بتصميم برنامج (SERE) لتمكين الجنود الأميركيين من البقاء على رغم العُزلة والتعذيب وتشريب المبادئ من قبل دول معادية أو إرهابيين. يقتصر التعذيب ضمن برنامج (SERE) على «التعذيب الخفيف»، الذي يعني استخدام العري ودرجات الحرارة القصوى وأوضاع الضغط وتوجيه أصوات مرتفعة جدا بشكل مستمر والحرمان من النوم. هذا الخليط من تقنيات التعذيب الخفيف مصمم للتسبب بالألم والضياع العقلي والانهيار التام لعزيمة الفرد على المقاومة.

تكفي أيام وليال من التعذيب الخفيف المستمر لتحطيم أي إنسان، وهي تترك آثارا جسدية ونفسية وعقلية وأحيانا روحية. التعذيب الخفيف مصمم لتحطيم روح الفرد وتمزيقها إربا وجعله على استعداد للتعاون مع معذبيه.

أدخل مواطن ألماني قامت «السي آي إيه» أخيرا حسب التقارير بإخفائه وأخذه إلى أفغانستان «للتعذيب الخفيف» إلى مصحة عقلية. بعد خمسة شهور من «اختفائه»، وهذا جزء من الحرب على الإرهاب، عاد ليظهر على شارع ريفي مهجور في ألبانيا بعد أن أدرك المسئولون الأميركيون أنه لم يكن إرهابيا. وهو يعاني الآن من أمراض نفسية ناتجة عن التحقيق معه بشكل قاسٍ ومن سجنه.

وصرح ضابط «السي آي إيه» ميلت بيردن، الذي أدار عمليات الدعم لمقاتلي المجاهدين الأفغان الذين كانوا يقاومون الاحتلال السوفياتي لوطنهم في ثمانينات القرن الماضي، أن سياسة الولايات المتحدة الرسمية أثناء إدارات ثلاثة رؤساء أميركيين، أنه يتوجب على جميع أطراف النزاع الأفغاني أن تعامل السجناء حسب معاهدات جنيف، التي يوافق الموقعون عليها بعدم تعذيب أسرى الحرب والمدنيين من الأعداء في النزاعات المسلحة.

كما عارض قدامى المحاربين من الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام والجنود الحاليين دائما التعذيب والمعاملة اللا إنسانية للأسرى. لماذا يبدو أن الجنود الذين عانوا من ويلات الحرب وكأنهم يعلمون أكثر عن الحاجة لحماية قيم الكرامة والإنسانية والدفاع عنها أكثر مما يعرف صانعو السياسة ذلك؟ لأنهم يعرفون على الأرجح أنه في اللحظة التي تصبح فيها أشكال الحرب اللا إنسانية مقبولة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وهي الموقّعة على معاهدات جنيف، فمن الأكثر احتمالا أن يعاني الجنود الأميركيون أنفسهم من التعذيب والإساءة إذا وقعوا بأيدي الإرهابيين.

يتوجّب على الولايات المتحدة أن تتعلم من جنودها. عليها أن تدرك كذلك أن طلب المغفرة وتعويض ضحايا السياسات غير القانونية هو جزء من عملية ضرورية لاستعادة مركزنا كأمة أخلاقية تخضع لحكم القانون.

في العام 1999 سافر الرئيس الأميركي بيل كلينتون إلى غواتيمالا للاعتذار عن ثلاثين سنة من دعم الحكومة الأميركية للدكتاتورية العسكرية السابقة. استخدمت تلك الدكتاتورية مجموعات الاغتيال والتعذيب والاختفاء والسجون السرية والتطهير العرقي لقمع شعبها وإخضاعه. ساعد تصرف كلينتون هذا على إعادة إرساء الثقة في الشعب الغواتيمالي بأن أميركا لن تساند مرة أخرى القمع في المنطقة.

سيذهب اعتذار مماثل يقدمه جورج دبليو بوش لضحايا «الحرب على الإرهاب» الأبرياء بعيدا باتجاه تسوية السياسات الأميركية غير القانونية واللا أخلاقية التي ينظر إليها على أنها «معادية للإسلام» في استطلاعات الرأي العام من تركيا إلى إندونيسيا. لفتة كهذه من قبل الرئيس بوش ستعدّ المسرح للتسوية النهائية بين أميركا والشعوب المهمشة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. ستدفع عملية كهذه قضية السلام العالمي والعدالة قدما، وتعزل المتطرفين من الأنواع كافة.

*ضابط عسكري أميركي متقاعد من قدامى محاربي فيتنام، يعيش حاليا في تركيا، عمل في العام 2006 كنائب في مجال الأخلاقيات في المركز العراقي للمبادئ والقيم والقيادة العسكرية في بغداد، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2158 - السبت 02 أغسطس 2008م الموافق 29 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً