العدد 2162 - الأربعاء 06 أغسطس 2008م الموافق 03 شعبان 1429هـ

الإسماعيليّون... الدعاة اللّيبراليّون والابتلاء بعدسة سوداء

مدينة عيسى - محمّد المخلوق 

06 أغسطس 2008

يؤكد رئيس دائرة المطبوعات والبحث الأكاديميّ بمعهد الدراسات الإسماعيليّة فرهاد دفتري أنّ الإسماعيليّين اتبعوا سياسة ليبراليّة تجاه العلماء من غير الإسماعيليّين والدارسين الذين عاشوا بينهم، ولم يجبروا أحدا على التحوّل عن مذهبه في أيّ من الدول التي باشروا الدعوة فيها أو حكموها، فيكفي شعور الولاء والمواطنة ليصل حتى غير المسلمين إلى مناصب عليا في الدولة.

كتاب دفتري «الإسماعيليّون في مجتمعات العصر الوسيط الإسلاميّة» الصادر عن دار الساقي العام 2008 يقع في 294 صفحة من القطع المتوسط، وينشر بالتعاون مع معهد الدراسات الإسماعيليّة الذي أسّس بلندن العام 1977 بهدف تطوير البحث في الموضوعات الشيعيّة والإسماعيليّة بشكل خاصّ. والكتاب خلاصة نحو 10 دراسات نشرت بين عامي 1992 و2001.

يؤكد دفتري أن العبّاسيّين وجّهوا حملات شعواء ضد الإسماعيليّة الذين يسعون لتنصيب حاكم علويّ، وكان أمضى سلاح عبّاسيّ هو الدعاية التي تورّط فيها علماء ومؤرخون غير منصفين، وما فاقم الأزمة دخول مستشرقي القرن الـ 19 بإسقاطات واقعهم وخيالاتهم واعتمادهم على مصادر إسلاميّة «موتورة» مؤلفوها سنّة غالبا، ولذلك يعتبر دفتري أن الفترة الحاليّة الآن تشهد فتحا للدراسات عن الإسماعيليّة وبقيّة الفرق المهمّشة.

ويقدّم المؤلف كتابه بعرض إجماليّ للفرق الإسلاميّة السائدة في القرون الثلاثة الأولى، مشيرا إلى المسلمين الأوائل عاشوا ديناميكيّة فكريّة متنوّعة على صعيد المذاهب والقضايا الفكرية والمواقف، وكلّ الفرق تقريبا طوّرت صورتها الذاتيّة الخاصّة وبواكير تصوّراتها لتاريخها الأقدم عهدا، وعليه عجزت فكرة «الإسلام الحقيقيّ» عن الوصول لتعريف مقبول عالميّا، بل تنوّع «الإسلام الرسميّ» بحسب الزمان والمكان.

وفي القسم الأوّل «المرحلتان المبكرة والفاطميّة» يوضح دفتري أن النزاع العقائديّ بعد وفاة الإمام الصادق (ع) 765م أدّى إلى انشقاق دائم في الجسم الشيعيّ، ومثلت المجموعتان المؤيّدتان لإسماعيل بن جعفر (الخالصة والمباركيّة) بواكير الإسماعيليّة الذين سرعان ما انضمّوا في حركة ثوريّة مثلت سياسيّا أكثر الأجنحة الإماميّة نشاطا. وأدّى ظهور أئمّة الإسماعيليّين العام 899م بعدما تخفوا طوال تلك المدة بعباءة الدعوة للإمامة إلى انشقاق احتجاجيّ للقرامطة الذين أسّسوا دولة قويّة في البحرين وشرقي الجزيرة العربيّة (891-1008م) ودخلوا في صراع مع العبّاسيّين، ومع بقية الإسماعيليّين الذين أسّسوا الخلافة الفاطميّة (909-1171م) في شمال إفريقيا فمصر بقيادة أئمتهم الذين تحدّوا السلطة العباسيّة. تعرّض الإسماعيليّون (الفاطميّون) للانشقاق بعد خلافة الإمام الثامن المستنصر إلى: النزاريّة والمستعلية (الحكّام بالقوّة).

بدورهم تعرّض المستعليون بعد وفاة الآمر إلى انقسام بين الحافظيّة (الحاكمة) والطيبيّة. الحافظية انتهوا بانهيار السلالة الفاطمية وسقوطها عام 1171 على يد صلاح الدين وعودة مصر للحظيرة السنيّة، فيما بقي إمام الطيببيّة وذرّيته في «السّتر» ويمثلهم الدعاة المطلقون وزعيمهم بالهند الآن السلطان برهان الدين.

ويستعرض دفتري دورة السيّدة الحرّة ملكة اليمن الإسماعيليّة الصليحيّة التي أُعلنت من مركز الدعوة بالقاهرة «حجّة اليمن» في إعلاء لشأن المرأة سياسيّا ودينيّا. ويوضح أنّ الفاطميّين نشروا مذهبهم في الهند عبر الصليحيّين لأهداف تجاريّة.

وفي القسم الثاني من الكتاب يتحدّث عن النزاريّين الذين استقلّوا بدولة في إيران (1090-1256م) بقيادة الداعية حسن الصبّاح حتى عودة الأئمة النزاريّين وانتهاء بسقوط دولتهم بيد المغول، وقد انضوى إسماعيليّو سوريّة لهذه الدعوة، ودخلت دولتهم في علاقات متذبذبة مع الصليبيّين، ولم يشفع ذلك في خلق صورة أفضل لدى الغرب عنهم. وبعد تدمير قلعة آلموت تستّر بقايا نزاريّة إيران في ثوب التصوّف، وكادوا يذوبون في الإثني عشريّة الحاكمة أيام الصفويّين. هذا ولايزال النزاريّون يعترفون إلى اليوم بإمامة الإمام الـ 49 في أوروبا كريم آغاخان.

اعتمدت الإسماعيليّة نظاما لايزال غير واضح المعالم تماما، بالإضافة إلى المركزيّة في الدعوة حيث يتم الاتصال بالأتباع عبر شبكة معقدة من المراكز المحليّة والدعاة، ولذلك كانت خطوة ذكية من بعض الدعاة/ الحكام في لحظات التوتر السياسيّ بإعلان الولاء لداعية مطلق، وهي حركة كفيلة بحفظ استقلال الدعوة الإسماعيليّة بعيدا عن التجاذبات السياسيّة، وهو ما فعلته الملكة الحرّة باليمن، وحسن الصبّاح لفترة في إيران.

أمّا بشأن الإنتاج الأدبيّ فإنّ انهماك دعاة النزاريّة في الصراع مع السلاجقة وغيرهم لم يتح لهم المجال لإنتاج الكثير من الأدب الدينيّ، ولكنّه أبرز لديهم القوّاد العسكريّين الأقوياء، فيما اعتمدت الخلافة الفاطميّة التي عاشت أجواء أكثر أمنا على العلماء والمفكرين، ما مكّنها من إنتاج وافر. وقد احتفظ الطيبيون بالتقاليد والتراث الفكريّ والأدبيّ للإسماعيليّين، وبنصيب وافر من الأدب لتلك الفترة، فيما تمّت إبادة الكثير عند دخول الأيوبي مصر.

وفي النهاية يؤكد دفتري أن إخلاص الإسماعيليّة للإمام الحاضر أو دعاته في فترة «السّتر» مكّنهم من البقاء في العديد من دول إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط كجماعة دينيّة متحّدة متماسكة برغم النكبات التي تعرّضوا لها. ذلك الجهد الذي بذله المؤلف بلا شكّ يمثل بحثا حديثا في الدراسات الإسماعيليّة سيسهم في فهم أفضل لمجتمع إسلاميّ بالعصور الوسطى، وقيمة للمهتمّين في العالم الإسلاميّ.

العدد 2162 - الأربعاء 06 أغسطس 2008م الموافق 03 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً