العدد 2167 - الإثنين 11 أغسطس 2008م الموافق 08 شعبان 1429هـ

روسيا والصراع على القوقاز

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخلت أزمة القوقاز يومها الخامس وتبدو الأمور متجهة نحو التدحرج في حال فشل الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى تسوية تضمن أمن روسيا الاستراتيجي ومصالحها المتصلة بالاستقرار والنفط وإمداداته. من الناحية العسكرية نجحت موسكو في طرد القوات الجورجية من إقليم أوسيتيا الجنوبية. كذلك نجحت في فرض حصار بحري وتطويق المواقع المتاخمة لحدود إقليم أبخازيا الجورجي. ومن الناحية السياسية نجحت موسكو في إظهار تبليسي بأنها الطرف المعتدي وهو الجانب الذي بدأ بفتح النار وبالتالي فإن من حق الكرملين الدفاع عن مصالح دولته والتفاهم على تسوية تضمن عدم العودة إلى القتال في المستقبل. ومن الناحية الدبلوماسية نجحت موسكو في تعطيل إمكانات نقل ملف الأزمة إلى الأمم المتحدة باعتبار أن الكرملين يمتلك حق النقض (الفيتو) على قرار تريد الدول الكبرى إصداره عن مجلس الأمن.

كل الطرقات العسكرية والسياسية والدبلوماسية تبدو مقفلة أمام جورجيا. والنافذة الوحيدة التي تستطيع من خلالها تحسين مواقعها وتطوير شروط التفاوض تقتصر الآن على الاتحاد الأوروبي واحتمال قيام فرنسا بلعب دور وساطة لإنهاء الأزمة.

الموقف الأميركي بشأن الأزمة غير واضح المعالم. فواشنطن من جهة تتعاطف مع جورجيا وتؤكد على وحدتها وحريتها واستقلالها وتستنكر التدخل الروسي المفرط في عنفه العسكري، وهي من جهة أخرى تحاول مقايضة موسكو وجرها إلى التفاوض على معالجة ملفات أخرى.

روسيا أيضا باتت الآن في موقع محرج إذا طالت الأزمة وتدحرجت وتحولت إلى «حرب استنزاف» كما حصل معها سابقا في معركة استقلال جمهورية الشيشان. لذلك يرجح أن تبادر موسكو إلى اتخاذ خطوات حاسمة أما باتجاه تطوير الهجوم العسكري ونقله مباشرة إلى داخل جورجيا واقتحام عاصمتها تمهيدا للتفاوض من موقع الطرف الأقوى في المعادلة، وأما إقفال الجانب العسكري من المواجهة والقبول بالتفاوض اعتمادا على المبادرة الأوروبية التي وافقت تبليسي على بنودها.

المشكلة التي تواجه القيادة السياسية الروسية تتركز الآن على الاكتفاء بالانتصار الجزئي وما تحقق ميدانيا في أبخازيا وأوسيتيا واضطرار القوات الجورجية إلى التراجع داخل أراضيها، وإما الذهاب بعيدا باتجاه تطوير الإنجاز العسكري ودفعه نحو الانتصار الكلي ما يعني أن موسكو انتقلت من موقع الدفاع المقبول دوليا إلى موقع الهجوم الذي سيفتح عليها باب التفاوض على ملفات أخرى.

بين الاكتفاء بالانتصار الجزئي أو الطموح نحو تسجيل هزيمة كلية بالجانب الجورجي تبدو المبادرة الأوروبية تشكل قاعدة دبلوماسية للتفاوض وتجنيب منطقة القوقاز الانزلاق نحو حروب استنزاف تفتح المجال لتطوير الأزمة باتجاه التدويل.

تدويل الأزمة

تدويل الأزمة الجورجية لا يصب في مصلحة روسيا لأنه سيفتح المسألة على تداعيات ميدانية وسيطرح على قيادة موسكو تحديات سياسية في منطقة خصبة بالأقليات ويصعب إخضاعها بسهولة في حال انفتحت المواجهة وتوسع نطاقها وامتدت إلى مجموعات أهلية تنتظر الفرصة للإعلان عن خصوصياتها وحقها بالاستقلال.

إلا أن تدويل الأزمة ليس سهلا ويشكل بدوره نقطة ضعف في الموقف الأميركي باعتبار أن موسكو ستمنع تمرير القرار في مجلس الأمن وستضغط على الاتحاد الأوروبي لوقف احتمال تورطه في مشكلات تزعزع استقراره في الكثير من المناطق (البلقان تحديدا) التي تعيش في حالات من القلق والتوتر بسبب التجاذبات الأهلية في البوسنة وكوسوفو والجبل الأسود وغيرها من ملفات.

الأزمة إذاَ مفتوحة في حال طورت روسيا هجومها باتجاه الداخل الجورجي. ولكن يمكن احتواء ملفاتها في حال أوقفت موسكو الهجوم ووافقت على التفاوض اعتمادا على المبادرة الأوروبية. وهذا الأمر يفتح الباب على الموقف الأميركي. فهل واشنطن مستعدة للتراجع وإعطاء دور للسياسة الأوروبية في منطقة استراتيجية وغنية بالنفط (بحر قزوين) وتشكل نقطة عبور لإمدادات الطاقة؟ حتى الآن تبدو الولايات المتحدة في موقع لا يسمح لها بالتنازل عن حصتها في جورجيا إلا إذا أخذت ذاك المقابل المطلوب لعقد تسوية متوازنة. والمقابل الذي يمكن أن تطرحه أميركا على طاولة التفاوض مع روسيا يشتمل ثلاثة ملفات تعتبر حيوية لضمان سياسة إدارة جورج بوش وإنقاذها من الفشل الكلي في الشهور الأخيرة من عهدها. فهناك الملف النووي الإيراني واعتراض موسكو على إعادة نقله إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرارات جديدة بحقه ترفع من قوة العقوبات السابقة. وهناك استقلال كوسوفو واعتراض موسكو على سياسة تفكيك البلقان وإضعاف أصدقاء روسيا في منقطة حيوية في موقعها الجغرافي المطل على البحر الأبيض المتوسط. وهناك موضوع درع الصواريخ واحتمال نشر شبكته المضادة في بلدان كانت محسوبة سابقا على المعسكر السوفياتي وتقع جغرافيا في مجال روسيا الحيوي.

الملفات الثلاثة مهمة للطرفين. روسيا تعتبر أن أمنها سيتعرض للزعزعة في خاصرتها الغربية (أوروبا الشرقية) في حال وافقت على نشر درع الصواريخ، لذلك هددت بالرد وقررت نصب شبكة صواريخ مضادة في أراضي حليفها بيلاروسيا. وروسيا أيضا تتخوف من التنازل عن مواقعها التقليدية في البلقان (الصرب) لكونها تشكل تلك الحاضنة التاريخية لمجموعات أهلية كانت متعاطفة معها سياسيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية. يبقى الملف النووي الإيراني الذي يمكن أن تفتح أوراقه على مجموعة احتمالات في اعتبار أن موسكو تشكل الجار الشمالي لطهران وفي الآن تتخوف من تطور اتصالاتها الثنائية مع واشنطن إلى نوع من التفاهمات الإقليمية في العراق ومنطقة الخليج. وفي حال حصل مثل هذا الاحتمال المستبعد حتى الآن (تفاهم واشنطن وطهران) تصبح موسكو في موقع الطرف الأضعف في التفاوض لكون إيران تشكل ثغرة أمنية في خاصرتها الجغرافية الجنوبية.

أزمة جورجيا مفتوحة ولا يمكن التعامل معها في إطار خطأ في الحسابات انزلقت إليه قيادة تبليسي. واحتمال تطور الأزمة على احتمالات (ملفات) أخرى مسألة واردة وتتوقف على مدى قبول القيادة الروسية بالتفاوض أو المساومة على قضايا مقابلة. وهذا التطور السياسي مرهون بالتداعيات العسكرية فإذا اكتفت موسكو بالانتصار الجزئي الذي حققته فإنها ستوافق على الوساطة الأوروبية وتبدأ التفاوض على بنودها، أما إذا رفضت القبول واتجهت نحو تحقيق الانتصار الكلي فستتراجع المبادرة الأوروبية لمصلحة عودة أميركا لسياسة المقايضة والتفاهم مع روسيا على ملفات أخرى تعوض خسائرها المفترضة في جورجيا.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2167 - الإثنين 11 أغسطس 2008م الموافق 08 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً