العدد 2213 - الجمعة 26 سبتمبر 2008م الموافق 25 رمضان 1429هـ

«الإرهاب» النقدي وتعديل أجندة الانتخابات الأميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تنعكس أزمة النقد في الولايات المتحدة على أجندة البرامج الانتخابية وتبدأ بتعديل أولويات الرئيس الجديد؟ من الآن أخذت تأثيرات أزمة أسواق المال تفرض شروطها على خطابات المتنافسين على منصب الرئاسة. فالمترشح الجمهوري تراجعت شعبيته نسبيا في الأسبوع الماضي بسبب ارتباطه المعنوي بالرئيس جورج بوش وجنوح دافع الضرائب إلى تحميل البيت الأبيض مسئولية الانهيارات المالية المتتالية. والمترشح الديمقراطي استفاد من تلك المعلومات التي تتحدث عن احتمال انزلاق السوق النقدية إلى مزيد من الانكسارات والافلاسات.

الجمهور الناخب يتعامل مع المشكلة التي بدأت قبل سنتين وأدت إلى انهيار مؤسسات «الرهن العقاري» انطلاقا من قراءة سياسية تقتضي معاقبة المسئول عنها بالتصويت إلى الطرف المنافس بغض النظر عن رؤيته للأزمة والحلول التي يقترحها لاحتواء تداعياتها. فالعقاب السياسي يبدو أنه خيار الناخب الأول بعد أن اضطر أكثر من مليون أميركي إلى بيع عقاراتهم لتسديد الديون أو مغادرة منازلهم الى عناوين أخرى متواضعة في موقعها الاجتماعي لتجاوز الضغوط الناجمة عن تراجع أسعار البيوت.

إلى أزمة «الرهن العقاري» التي تتفاعل في السوق منذ سنتين ظهرت موجة من الافلاسات المالية تبدو أنها مرجحة للاستمرار وربما النمو في حال لم تتحرك الإدارة باتجاه احتواء تداعياتها. والحل الذي اقترحته إدارة واشنطن يتطلب موافقة الكونغرس على تمرير خطة انقاذ مكلفة جدا للخزينة. وبما أن الحزب الديمقراطي يسيطر على غالبية مقاعد مجلس النواب فإن قادة الحزب المنافس يعارضون هذا الاتجاه لكونه يقترح انفاق 700 مليار دولار على المؤسسات والشركات والمصارف لتغطية حاجاتها إلى السيولة. ويرى الحزب الديمقراطي أن الموافقة على خطة ضخ الأموال في السوق قد تفرغ الخزينة العامة من احتياطات يحتاجها الرئيس الجديد في السنة الأولى من حكمه حتى يستخدمها في خططه الاقتصادية وخصوصا في قطاعي الصحة والتربية.

المعركة الآن أصبحت في الكونغرس ولكنها ستلعب دورها في التأثير السياسي على الشارع (الناخب) والسوق (الاقتصاد). فالجمهوري يؤكد على ضرورة تمرير خطة الانقاذ وإلا ستنهار الكثير من المؤسسات والمصارف في الشهور المقبلة ما سيترك انعكاسات كارثية على مختلف القطاعات وفئات الشعب. والديمقراطي يتردد في الموافقة على المشروع لأنه ينظر إلى المسألة من وجهة سياسية ترى في الخطة محاولة انتخابية تستهدف توظيف الازمة حزبيا وتلبية حاجات «الأغنياء» على حساب مصالح الفقراء والطبقات الوسطى.

هناك مشكلة مزدوجة تواجه الديمقراطي على رغم أن مرشحه للرئاسة استفاد من تداعيات الأزمة النقدية. فإذا وافق على خطة الانقاذ يكون أعطى المنافس الجمهوري فرصة انتخابية لتحسين سمعته أمام الجمهور الأميركي. وإذا رفض تمرير المشروع في الكونغرس فإن هناك سلسلة من الافلاسات تنتظر مناسبة للإعلان عنها رسميا ما قد يؤجج الشارع ضده باعتباره الطرف المسئول عن تعطيل خطة الإنقاذ.

مصلحة الناخب تتطلب الإسراع في احتواء الأزمة التي توقع وزير المالية الألماني أنها الأكبر منذ ثلاثينات القرن الماضي ورجح أن تتطور تباعا وصولا إلى تراجح موقع الولايات المتحدة الدولي بصفتها تحتل مركز الدولة الأولى المهيمنة على سوق النقد. وهذه المصلحة الانتخابية التي لعبت باتجاه تعزيز شعبية باراك أوباما يمكن أن تتراجع في حال تردد في اتخاذ خطوات عملية تشير إلى اهتمامه بتدبير مشكلة قومية تتجاوز حدود البرامج الحزبية.

الإرهاب النقدي

المشكلة النقدية التي انفجرت ميدانيا في 14 سبتمبر/ أيلول الجاري أخذت تتوسع موجاتها الارتدادية لتجرف معها مجموعة أولويات كانت تشكل أساس التنافس الانتخابي بين الحزبين. فالديمقراطي الذي بدأ معركته قبل سنتين انطلاقا من قاعدة العراق مستفيدا من فشل الاحتلال في احتواء العنف وبناء دولة بديلة ما فرض عليه المطالبة بالإسراع في ترتيب خطة خروج أو موضعة الانسحاب ضمن جدول زمني. وحين تراجعت حدة العنف الطائفي والاقتتال المذهبي بسبب انشطار بلاد الرافدين إلى ثلاث دويلات ارتفعت معنويات المترشح الجمهوري وأخذ يدعو إلى سياسة عقلانية في التعامل مع ملف العراق.

بعد ذلك بدأت حلقات العنف تشتد في أفغانستان وتنتقل منها إلى باكستان. وأدى الأمر إلى تحويل التوجهات الحزبية فأخذ الديمقراطي يدعو إلى اعطاء أولوية للحرب على «الإرهاب» في أفغانستان وطالب بنقل ألوية من القوات الأميركية من العراق باعتبار أن المشكلة التي تواجه واشنطن تتركز في كابول واسلام آباد وليس في بغداد. وأدى هذا التحول في التوجهات إلى تعزيز فرص المنافس الجمهوري الذي وافق مبدئيا على فكرة تعزيز القوات الأميركية في تلك المنطقة تحت سقف مشروع بوش وسياسته التقليدية. فالحزب الجمهوري لا يعارض خطة نقل قوات من العراق إلى أفغانستان باعتبار أن الخطوة تؤكد عمليا على نقطتين: الأولى أن العنف تراجع في بلاد الرافدين ونجح الاحتلال في التوصل إلى صيغة تضبط «الإرهاب» وتوحد البلد وتمهد الطريق لإعادة بناء «دولة». والثانية أن الإرهاب لم يتراجع عالميا وبالتالي لابد من ملاحقته ومطاردته ما يتطلب استكمال خطة الهجوم الاستباقي لمنع الشبكات من الاستقرار وتكرار الضربات في الوطن الأم.

ساهمت المتغيرات الشكلية في الملفين العراقي والأفغاني في تعديل أولويات برنامج أوباما الانتخابي فاضطرت حملة الحزب الديمقراطي إلى ادخال عناصر إضافية لتعويم المشروع المضاد وتحديثه حتى يتناسب مع التحولات الجديدة. وفي طليعة تلك الاهتمامات جاءت أزمة النقد وتقلص السيولة وانهيار أسعار العقارات لترفع مشكلة الاقتصاد إلى درجة متقدمة في المواجهة الانتخابية.

من يراجع خطابات أوباما ومنافسه جون ماكين يلاحظ تلك الاختلافات في الاولويات والتوجهات التي طرأت عليها في السنتين الأخيرتين. فالعراق تراجع من الدرجة الأولى إلى السياحية وأفغانستان من الدرجة السياحية إلى درجة رجال الأعمال بينما الاقتصاد قفز من لائحة المنتظرين إلى الدرجة الأولى. ويشكل مجموع التقدم والتراجع الحاصل في الخط البياني بين المتنافسين اشارة إلى وجود نوع من المتغيرات المحتمل ظهورها في أجندة البرامج الانتخابية. واختلاف أولويات الرئيس تعني بداية تركيز الانتباه على نقاط ساخنة تتعلق بالداخل الأميركي على حساب الخارج. وتعديل الانتباه لا يعني إسقاط الاستراتيجية الدولية من المعادلة وإهمال «الشرق الأوسط الكبير» وشطبه من الخريطة وإنما يدل على وجود توجه للانكفاء يتطلب ذرائع للإعلان عنه حين تقترب الساعة.

إيران مثلا لم تعد تحتل ذاك الموقع المهم في الاختلافات بين الحزبين بعد أن أظهرت طهران مرارا استعدادها للتفاهم مع واشنطن بشأن المساعدة في الملف العراقي والمصالحة معها على مجموعة خطوط. وفكرة اقامة «دولة فلسطينية قابلة للحياة» لم تعد تشكل ذاك الهاجس المعنوي الذي ادعى بوش مرارا أنه يطمح لرؤيته يتحقق قبل خروجه من البيت الأبيض. حتى إعلان كوريا الشمالية عن عودتها إلى استكمال بناء مشروعها النووي (العسكري) لم يقض مضاجع إدارة بوش ويثير اهتمامها. فقط باكستان تبدو الآن على رأس لائحة الانشغالات بعد أن انحصر ملف جورجيا في نطاقه الجغرافي وفي دائرة نفوذ روسيا ومجالها الحيوي. وباكستان في هذا الإطار يمكن أن تولد شرارات غير متوقعة للرئيس الأميركي في حال استمر في سياسة الضغط على إسلام آباد من دون احترام لظروفها الخاصة المتصلة بالخوف من طموحات الهند والقلق على علاقات الجوار التقليدية مع أفغانستان.

مشكلة باكستان المستجدة يمكن تأجيل ملفها إلى حين ولكن أزمة النقد وانهيار أسواق المال واحتمال إعلان عشرات المؤسسات افلاسها ملفات لا يمكن تأخير معالجتها لأن انفجارها سيعرض الداخل الأميركي إلى اهتزازات وتداعيات.

كل هذه المؤشرات تدل على فرضية سياسية تضغط باتجاه احتمال تبديل «البوصلة» وإعادة ترتيب أجندة البرامج الانتخابية انطلاقا من معادلة اقتصادية بسيطة وهي: الإرهاب النقدي أخطر من كل شبكات «القاعدة» وقبائل «طالبان».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2213 - الجمعة 26 سبتمبر 2008م الموافق 25 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً