لاتزال مجالس المحرق، عن بكرة أبيها، تتحدث عن شجار «منطقة الحالة»، والذي جاء في أواخر ليالي الشهر الفضيل، ليؤكد أن هناك من يريد افتعال المواجهات بين أية مجموعتين من الطائفتين، ليقوى «مشروع الفتنة الخفي»، وذلك الشجار، مهما كانت أسبابه وردود فعله سواء كانت خلافا على موقف سيارة أو موكب عزاء أو غيره، لم يكن أقوى من اللقاء الذي عقد مساء أمس الأول (السبت) في منزل الشيخ راشد المريخي بمنطقة البسيتين بحضور نائب رئيس المجلس العلمائي السيدعبدالله الغريفي.
ولم تكن حادثة الشجار المقيتة تلك، بأكثر أهمية وتأثيرا من مأدبة الإفطار المشتركة بين الطائفتين والتي أقيمت بدعوة من الشيخ حسين نجاتي في مأتم سيدمحمود، لترسل الرسالة الأهم إلى كل الطائفيين بأن أبناء البلد من السنة والشيعة، وخصوصا في منطقة المحرق، لا ترهبهم أصوات النشاز.
مشروع الفتنة الخطير
المحرق مستهدفة، وليس هنالك أدنى شك من أنها يجب أن تستهدف من قبل مثيري الفتن لأنها نموذج التعايش، لذلك، كشف لقاء عقد بين علماء وشخصيات ومثقفين من الطائفتين الكريمتين عن وجود مشروع فتنة «خطير جدا» في مدينة المحرق، مجمعين على ضرورة القيام بالمسئولية الوطنية والدينية للتصدي لهذا المشروع الذي تقوده جماعات متشددة من الطائفتين.
وركز اللقاء الذي عقد في منزل الشيخ راشد إبراهيم المريخي في منطقة البسيتين احتفاء بنائب رئيس المجلس العلمائي السيدعبدالله الغريفي على خطوط التلاقي المهمة، وفي الوقت الذي شدد فيه الشيخ المريخي على أن هذا اللقاء هو كسر لشوكة الأعداء الذين يريدون أن يمزقوا صفوف المواطنين، أثنى السيدالغريفي على أن مثل هذه اللقاءات تشكل موقفا يتصدى لتلك المؤامرات الخبيثة التي تحاول أن تشتتنا فرقا ومذاهبَ وأحزابا، فيما قال النائب الشيخ حمزة الديري إنه من الضرورة بمكان التصدي للمشروع الذي يتحرك في جزيرة المحرق لأنها تمثل النموذج الكبير للتعايش (ويريدون أن تشتعل فيها فتنة).
وعلى هامش ذلك اللقاء الذي نظمته جمعية مالك بن أنس، علمت «الوسط» أن شخصيات ووجهات من الطائفتين الكريمتين ستلتقيان وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة (ربما ظهر اليوم الاثنين) على خلفية الشجار الذي وقع في منطقة الحالة قبل أيام، حيث وصفت شخصيات محرقية أن الوزير «لا يقبل بمرور مثل هذه القضايا الحساسة دون أن يتابعها شخصيا نظرا لخطورتها»، مؤكدين أن لقاء اليوم سيكون مهما ومباشرا وواضحا وسيمثل حلقة جديدة من حلقات «حماية المحرق من الطائفية».
وكان من المفترض أن يحضر هذا اللقاء محافظ المحرق سلمان عيسى بن هندي لكنه اعتذر لانشغاله، فاستهل الشيخ راشد إبراهيم المريخي اللقاء واصفا إياه بأنه «كسر لشوكة الأعداء الذين يريدون أن يمزقوا صفوف المواطنين»، ونحن والحمد لله في البحرين، لم تكن عندنا مثل هذه الممارسات التي تفرق بين الناس، فأهل البحرين، علماؤهم معروفون وأهلهم معروفون وحكامهم معروفون وشعبهم معروف، حتى لو ذهبت إلى خارج البحرين وسألك سائل: أنت من أين؟ فتقول: «من البحرين»، فيقول أهلا وسهلا بأهل البحرين، ويميزك ولا يريد منك شيئا، لكن هذا التمييز من الله سبحانه وتعالى منحه لأهل البحرين، وهم الذين لم يردوا (رسول) رسول الله حينما أرسل إلى أهل البحرين فدخلوا في الإسلام طوعا، ولذلك دعا لهم النبي عليه الصلاة والسلام بالبركة والخير، وزاد قوله: «لا نزال في خير وبركة هذا الدعاء لو حاول البعض الدخول بيننا لأنه ليس منا».
وأفاض بالإطراء على علم ومكانة السيدالغريفي، كما أنشد بضع أبيات شعرية في حب المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قائلا:
دليل حبي إليكم واضح وجلي
وكم بكم آل طه ينجلي وجلي
ولـــــي شــواهد صـــدق في محبتكـــم
روحي بها اعترفت من سابق الأزل
تمـــت عوائدهـــم جلـــت فضائلهـــم
عمت محــاملــهــم بالبحر عن وجل
ومن يواليهم لاحت سعادته
وكان له الرحمن خير ولي
بعيدا عن الشعارات
وفي كلمته، عبر السيدعبدالله الغريفي بالقول: «أعيش فرحة هذا اللقاء الرباني المبارك في هذا المحضر الرباني المبارك، وقد عشنا لحظات ربانية في ليالي العشق الإلهي والحب الإلهي... نلتقي على حب الله، فما أحوجنا في هذه الليالي المباركة إلى نفحات ربانية كريمة تقربنا إلى الله زلفى وتجعلنا من عتقاء الله في هذه الليالي».
وأكد أنه من المهم أن نلتقي في هذا العصر حيث مشروعات الفتنة تتحرك هنا وهناك وحيث أعداء الإسلام يزرعون الفتنة في كل أرض لتشتيت وتفريق المسلمين، هنا، تأتي هذه اللقاءات الإيمانية المباركة لتشكل موقفا يتصدى لتلك المؤامرات الخبيثة التي تحاول أن تشتتنا فرقا ومذاهبَ وأحزابا، وما أحوجنا إلى هذه اللقاءات الكريمة الطيبة الصادقة، مثنيا على كلام الشيخ المريخي بأن شعب هذا البلد عرف بالصفاء والمحبة والأخوة الإسلامية، ونحن بحاجة إلى لقاءات صادقة، فكم عقدت لقاءات ومؤتمرات باسم الوحدة الإسلامية إلا أنها بقيت شعارات وعناوين لم تتحرك على الأرض، فما قيمة أن تعقد مؤتمرات وندوات رسمية وغير رسمية وتنطلق الشعارات والخطابات دون نتائج على أرض الواقع؟ وأنا أتصور أن هذه اللقاءات العفوية البسيطة التي تعبر عن حب صادق وأخوة صادقة هي التي من خلالها ننطلق للتواصل والتحابب والتواد، مشيرا إلى أنه قال في إحدى ملتقيات الوحدة الإسلامية: «إننا نطلق شعارات كثيرة لكن لا يتحرك شيء على الأرض، فينتهي المؤتمر والملتقى ولا نجد شيئا عمليا على الأرض، ودعوت إلى فعاليات روحية مشتركة، ما أجمل أن نلتقي سنة وشيعة في مظاهرنا العبادية وفعاليات اجتماعية وثقافية مشتركة حتى نعبر عن الصدق في هذا التوجه والتلاقي والحب، نتزاور ونتقارب ونتعارف، وأنا أتصور أن مشروع الفتنة في هذا العصر يراهن على تمزيق وحدة الأمة وخطابها، فيجب أن يكون المبنى هو الوحدة والتقارب والمحبة والصفاء، فإذا كان رهانهم أن نتمزق ونتشتت ونتباعد، فرهاننا الحب في الله، والخطاب يوم القيامة يأتي صريحا: «أين المتحابون في الله؟» كما يقول الإمام زين العابدين (ع): «ينادي المنادي يوم القيامة أين المتحابون في الله فيقوم عنق من الناس فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب». ووجه خطابه إلى المواطنين: «فليكن رهاننا الحب في الله، وليكن رهاننا الصفاء في الله والتواصل في الله وهذا شهر الرحمة والحب والتواصل فما أجمل أن نتواصل وما أجمل أن يتقارب علماء الأمة ورموز الأمة، ونتقارب وأن نقف موقفا واحدا في وجه مؤامرات الفتنة والطائفية البغيضة التي لو تحركت لحرقت البلد. هذا البلد الصغير الذي عاش الحب وعاش الصفاء وعاش التقارب لو تحركت الطائفية سوف تحرق هذا البلد».
هناك من يريد الفتنة
واختتم بالقول: «هناك من يريد الفتنة... لا أريد تبرئة طائفة دون أخرى، لكن في الأمة من يتصدى لهذا المشروع (النتن)... مشروع الفتنة الطائفية، فكم حاجتنا كبيرة لهذه اللقاءات الصريحة، وأنا أتصور أن هذه الزيارات هي مفاتيح الحل وليس الحل في المجاملات الكاذبة».
أما الشيخ حسين نجاتي، فقد أكد أن هدف هذه اللقاءات واضح، فهي فعالة لأن نواجه بها مخطط أعداء الإسلام، وقد طرحت في إحدى اللقاءات سؤالا أعيده الآن، وأطلب من كل واحد من الأخوة أن يجيب: «لو بعث النبي مرة أخرى إلى الدنيا ووجد هذه الخلافات، بماذا سيكون الأمر؟ هل سيقول: تقاتلوا... تناحروا... هل سيؤيد هذا الشيء الذي يجري أم يقول لكم كلكم أبنائي كلكم أحبتي؟!»، لذلك، لابد من اتباع تعاليم نبي الأمة، وأن نستن بسنته، ونبتعد عما يزعج رسول الله.
وطالب بأن تكون الدعوة منطلقة من المحافظة على المصلحة العامة للإسلام، فهناك من يعادي الإسلام برمته في كل أصوله وقواعده، وهناك من يريد نسف الإسلام حتى فيما يشترك فيه الشيعة والسنة من عقائد ومن أصول ومن فروع، إذا نحن نعيش في عصر المسئولية فيه كبيرة وخطيرة بالنسبة إلى الجميع.
التصدي للمشروع الطائفي
ولم يتأخر النائب الشيخ حمزة الديري من الإشارة إلى أن استهداف المحرق هو استهداف لكونها الأنموذج للتعايش، موضحا الحاجة لأن تنبري جماعة مؤمنة واعية ومخلصة للتصدي إلى مشروع تمزيق المسلمين في هذا البلد، حيث أن هناك مشاريع فتنة تنطلق هنا وهناك، ومسئوليتنا كعلماء ومثقفين ومسئولية كل إنسان غيور على هذا الدين وعلى هذا الوطن أن يقف وقفة لا تأخذه في هذه الوقفة لومة لائم للتصدي لمشروع الفتنة الطائفية، ولا يخفى على أي إنسان من هم رموز هذه الفتنة ومنطلقاتهم وأساليبهم، فعلينا مسئولية التصدي لهم، مكررا أن هذا المشروع يتحرك في جزيرة المحرق لأنها هي النموذج للتعايش والتوحد، ويريدون أن تنطلق فتنة.
وأثني الشيخ إبراهيم راشد إبراهيم المريخي على أبعاد وأهداف هذا اللقاء معبرا عن سروره بهذه الزيارة مع وجود هذه الثلة من العلماء، وهي لقاءات ستكون متواصلة لتتعمق المحبة، وأن الحق سبحانه وتعالى قد دعا إلى هذه المحبة، لأن المحبة هي الانتصار والتعايش والتلازم بين الأحباب.
لقاءات وندوات مفتوحة
من جانبه، ذكر الناشط يوسف بوزبون أن هناك لقاءات وندوات مفتوحة سيتم الترتيب لها، وتأتي استمرارا لمشوار التلاقي ضمن برنامج مكثف، وبدأنا بزيارة رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية النائب الشيخ علي سلمان الذي زار عددا من مجالس المحرق وكانت آثار تلك الزيارة طيبة على الجميع.
وأكد أننا على علم ويقين ونتابع التطورات والممارسات التي تسيء إلى الوطن والمواطن، وهذا ما لا نرضاه، من باب القيام بالمسئولية الوطنية أمام الله سبحانه وتعالى، لتأكيد أهمية الاستقرار، وقد أتت الكثير من الأنشطة التي قمنا بها بالثمار من ناحية تعزيز العلاقات بين الطائفتين الكريمتين وتجاوز مؤامرات مثيري الفتن، وأن العمل سيستمر تأكيدا وإخلاصا على الدور الوطني لخدمة وطننا وقيادته وشعبه
العدد 2215 - الإثنين 29 سبتمبر 2008م الموافق 28 رمضان 1429هـ