العدد 2204 - الأربعاء 17 سبتمبر 2008م الموافق 16 رمضان 1429هـ

أمراض إدارية لا تصيب المسئولين فقط

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

الأمراض الإدارية التي نبتلى بها والتي تحدثنا عنها ولا نزال لا يصاب بها فقط المسئولون وأصحاب القرار بل إن هناك الكثير من الموظفين الموجودين في قاعدة الهرم أيضا مبتلون بأصناف عديدة من الأمراض التي نتمنى لأصحابها أن تشفى وأن يتشافى منها بلا حاجة إلى الدخول إلى مصحات علاجية ولكن من خلال إعادة النظر والتقييم الذاتي الموضوعي والقائم على المصارحة مع الذات.

هناك مرض يعرف بالبلادة وهو فقدان الدافعية والحماس للتطور أو للقيام بالمهمات المنوطة به، مهما كانت المهمة سهلة وواضحة المعالم وخالية من الغيوم التي تكدر صفو الرؤية، وهناك - يا كافي الشر - العديد من الموظفين مبتلون به ولاسيما موظفو الوزارات الحكومية فقد أمنوا العقاب، ومن أمن العقاب أساء الأدب على حد المثل الشعبي الدراج فلا فصل ولا عقاب ينتظره وعندئذٍ التمادي في البلادة والتباطؤ في أداء المهمات الموكلة إليه، لذا نجد في الغالب أن المعاملات الحكومية تتم بصورة سلحفائية مزعجة يضطر حينها المراجع أن يفقد أعصابه ولا يسيطر على زمام الأمور مما يعقد الموقف والمشهد أكثر؛ لأن الموظف يضطر إلى العناد أكثر مع المراجع الذي فقد أعصابه وأساء أدبه.

مرض البلادة الذي تعاني منه العديد من الوزارات والإدارات والأقسام للأسف الشديد لم ينفع مع مرضهم هذا لا طب ولا طبيب والأسباب عديدة وكثيرة، لعل أبرزها أن المصاب بالمرض أصلا لا يعترف به حتى يلجأ إلى العيادات الإدارية المتخصصة في تشخيص الأمراض الإدارية، ومن ثم كتابة الوصفة العلاجية للشفاء من المرض، فضلا عن أنه لو وجهت له ملاحظات من هذا النوع يعتبر ذلك اتهاما خطيرا ويرفضه حتما، في حين أن المريض تأخذه رجله إلى العيادات ويصف مرضه وتاريخه المرضي إلى الطبيب لكي يقوم الطبيب بدوره في كتابة الوصفة الطبية للانتقال من حالة المرض إلى حالة الشفاء والصحة.

مرض البلادة لأنه لم يسيطر عليه في القطاع العام، فقد انتقلت عدواه إلى القطاع الخاص، وبالتالي الفيروس لعب لعبة قذرة في إشاعة المرض، وقد تأثر الإنتاج بذلك أيما تأثر، هذا المرض الذي نتحدث عنه عبر المقال الحالي احتار في علاجه أغلب المسئولين المصلحين الذين يرغبون في تغيير أحوال موظفيهم والارتقاء بهم وتحسين إنتاجيتهم، ففي الوقت الذي يشهد فيه القطاع العام من التمييز والمحاباة في توزيع المكافآت وتسمية المستحقين للحوافز والترقيات بدليل أن ذلك يتم في الغالب تحت الطاولة وفي السر وبمنأى عن عيون البشر، فالمخلصون الذين يعطون العمل من جهدهم ووقتهم يظلون منسيين وعلى الرف دائما وهم في الغالب موعودون بالحصول على مكافأة أو حافز بعد عمر طويل. أما الذي يتسلى بالهاتف والتجول في المواقع الالكترونية والذي يؤدي أعمالا لا تمت للعمل بأية صلة فهو من أهل المكافآت والحوافز وبالتالي ماعت السالفة والقضية وصار على الشريحة التي ترغب في الحصول على ترقية أو حافز أن تهمل عملها.

هذا مرض آخر غريب عجيب متنكر حيث إنه حتى لو أعطي مكافأة أو حافزا أو ترقية فإن إنتاجيته أو حماسه للعمل لا يتأثر، بل ربما يشهد تراجعا طفيفا أو حتى لا نظلمهم ربما يتحسن أداءهم بنسبة لا تزيد على 5 في المئة رغم أن قيمة الحافز أو المكافأة أكبر بكثير من أثره النفسي على نفسية الموظف، فهل الموظف على سبيل المثال يجهل تأثير ذلك؟ وبالتالي لا تظهر النتائج الإيجابية على أدائه وعليه أن يتنكر للمكافأة طالما تمت بالسر وليس في العلن؟

البعض يقول إن كل ما يحل عليه الموظف ليس منة من أحد وإنما رزق من رب العالمين وبالتالي لا يظهر فرحه أو شكره حتى للمسئول الذي أوصى بإعطائه الحافز.

صحيح أن الحافز رزق من رب العالمين وهو مسبب الأسباب ولكن لا يمكن نكران أو جحود دور المسئول الذي أوصى وتابع، ولم يتجاهل أو يتنكر!

البعض مبتلى بداء آخر أخطر من أي داء وهو أيضا غريب جدا، دائما ينال من المسئول الذي أحسن إليه، ومن الممكن تصوير ذلك بعض اليد التي امتدت إليه، بل يمارس ضده شتى أصناف الأمراض النفسية فهو لا يقول عنه قول حق، على رغم أنه أصدق من أي أحد في التعامل معه أو التحدث عنه. سبحان الله! الإنسان مبتلى بأمراض نفسية شتى لا يمكن حصرها أو السيطرة عليها طالما بقي بعيدا عن مراقبة الذات ومحاسبتها، حب المادة وحب النفس يطغى أحيانا عند البعض على المبادئ السامية.

وعلينا دائما أن نتذكر «احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة»؛ لأنه مطلع على كل صغيرة وكبيرة وهو يعرف كيف من الممكن أن يغدر بك وفي أي وقت وفي أي زمن، ولكن العدو ربما يكون لديه ثأر أول ما يحصل فرصة سينقض عليك ثم ينساك وينسى حقده وغله.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2204 - الأربعاء 17 سبتمبر 2008م الموافق 16 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:09 م

      شكرًا أستاذة سكينة العكري على هذا المقال الرائع .. ونحمد الله أن المؤسسات الحكومية في بلدنا تجاوزت القطاع الخاص في تطبيق معايير التميز المؤسسي والقضاء على الروتين والمحسوبية القبلية

اقرأ ايضاً