أثبتت بدرية إبراهيم الجودر، قدرتها على صناعة القادة وتحقيق أعلى مستويات الإبداع، وضربت رقما قياسيا فريدا من نوعه في أسس تطبيقات الجودة، فمَنْ هي بدرية الجودر؟

إنها مديرة مدرسة المحرّق الثانوية للبنات، التي أبهرَت المسئولين والمديرين بقوّة شخصيتها وثباتها على الحق، وعدم خوفها لومة لائم في أي قضيّة تعترضها، مهما يكن حجمها أو حجم الشخصية التي أمامها.

نعم يا أم ابراهيم الحبيبة، لقد علّمتينا معنى القيادة وجمال الكارزماتية والحزم والرحمة في آن واحد، وتجرّعنا منك فنون التعامل مع الناس، والدقة في العمل والمثابرة على تحقيق الهدف العام السامي.

لم يكن الكل يتقبّلك ولم يكن الجميع راضيا عنكِ؛ لأنّهم وببساطة لم يعرفوكِ ولم يستفيدوا من روحك القيادية، إذ كنت تربطين وتحزمين، وتقدّمين وتعطين، ولا تقبلين ورقة موقعة من فلانة أو علاّنه للظهور فردا دون الجميع، وإنما الجميع متساوٍ في الحقوق والواجبات، ومنصهر لإظهار العمل الجماعي على أوجهه.

وكانت هناك فئة تذم وفئة تتسلّق، وفئة قليلة جدا تمدح في سياستك، أو تعلمين لماذا؟ لأنهم لم يصلوا الى ما وصلتِ إليه من عطاء وإخلاص وتقديم للعمل على راحتك ونفسك، ولم يشعروا بحجم المسئولية المسندة إليك على صعيد جميع المدارس التي نُقلتِ إليها، سواء بطلب منكِ أو بأمرٍ حِيكَ ضدّكِ في ليلٍ أسودٍ غابر، أو حركة إجبار من مسئوليكِ!

لقد حببتينا في تحمّل المسئولية، وكنتِ زاهدة عابدة، لا تطمحين يوما للظهور في الصورة ولا تملّق المسئولين، وإنما جلّ ما كنت تعشقيه هو الرضا النفسي الذي لا يستشعره إلاّ فرد نقي من أفراد الصوفية، لما لهم من الروحانية والتعلّق الشديد بالرب أيا كانت الترهات الملقاة في سجلّهم النظيف، فإننا هذه الأيام يجب ألا نسبّ طائفة أو جماعة؛ لأننا غششنا بتلك الجماعة التي كنّا نظنّها الجماعة المنجية.

نعم، لقد أثبتت هذه الإنسانة أوّلا والقائدة ثانيا جدارتها بتفوّق، من خلال الأعمال العظيمة التي تؤديها في الخفاء ومن وراء الكواليس، إذ إنها كانت توجّه هذه وتصد تلك، وتنهر فلانة وترقي علاّنة، والكل يتفكّر في هذه الشخصية النادرة من جيل المديرات.

إن فنون القيادة عندها تبدأ كما علّمتنا إياها في مواجهة الناس، والثبات عند مناقشتهم دارجة تحته حسن الخلق مع حزم الأمر، حتى يفهم الطرف الآخر تحديد ما يُريده منها.

أمّا الفن الثاني فهو تقليل حجم المشكلات الموجودة، والاستفادة من خبرات المتوافّرة في الساحة، والتعلّم من أخطائهم حتى لا نقع في الخطأ نفسه، فشربنا هذا الفن الخفيف بسهولة، وتجرّعناه من أخطائنا مرة ومن جفاها علينا وتعنيفها إيّانا مرة أخرى، وفيها نتذكّر ما قاله امامنا الشافعي «رحمه الله رحمة واسعة» في وصف القائد المعلّم:

واصبر على مر الجفا من معلّم

فإنّ نهوض العلم في نفراته

وأمّا الفن الثالث - والذي أشكرها أنا شخصيا عليه - فهو تركيزها على الحكمة عند صنع القرار، والتأكّد عند اتخاذه وعدم التردّد أو إلغائه في أيّ موقف أو شائكة، إذ إن التردد يقلل من شخصية القائد، وإلغاء قرار قد اتخذ يشجّع الآخرين الحاقدين؛ لشطب قرارات أخرى قد تكون في صالح العمل وتحسينه.

أمّا الفن الرابع الجميل فوجدناه عند اختيار الوقت المناسب، للانسحاب من معركة فاشلة أو قرار قد يجلب مصائب ومشكلات لا أوّل لها ولا آخِر، من دون أن تنزّل من قدر القائد أو القيادة أو المكان الذي هي فيه.

لقد حباكِ الله - يا أم ابراهيم- الكثير من الأخلاق والمعاني والحكمة التي ربيتينا عليها، والفخر كلّ الفخر بأنكِ كنتِ في يوم من الأيام قائدتنا ومثالنا، وإننا لا نقول للفاشلين حسّادك والحاقدينَ على نجاحاتكِ وقوّة شخصيتكَ، إلا هذه الأبيات التي ترد عليهم وتسفّه فيهم، وتصفكِ وتصفهم، إذ قالها شاعرنا العظيم أبوالعلاء المعرّي:

وطاولت الأرض السما سفاهة

وقال الدجى للشمس لونك حائل

فيا موت زرْ إنّ الحياة ذميمة

ويا نفس جدّي إنّ دهركِ زائل