العدد 2439 - الأحد 10 مايو 2009م الموافق 15 جمادى الأولى 1430هـ

دبي تخلد للراحة

مع الانتعاش الذي عاشته أسواق المال خلال الأسابيع الماضية، وتقرير وزارة الخزانة الأميركية بشأن المصارف، يرى معظم الناس أننا اجتزنا المرحلة الأصعب في الأزمة المالية العالمية، وأننا بدأنا في سلوك طريق التعافي المفروشة بالورود.

لكن الذين يعرفون التاريخ جيدا يدركون بأن علينا عدم الإفراط في التفاؤل، فخلال الركود الكبير في العقد الثالث من القرن الماضي ظن البعض أن الانتعاش الأولي الذي أعقب الأزمة سيدوم؛ لكن دوامة التراجع تواصلت لأربع سنوات بعد ذلك.

وخلال هذا الأسبوع، حظيت بفرصة المشاركة في مؤتمر الاستثمار الفندقي العربي الذي عُقد في دبي، وقد قابلت لاعبين كبار على الساحة، في مقدمتهم رئيس شركة «موانئ دبي»، سلطان أحمد بن سليِّم، ورئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار في السعودية، الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، المعروف بدوره كرائد فضاء في رحلة المكوك «ديسكفري» العام 1985.

وقد تحدث كلٌ منهما أمام الحاضرين في المؤتمر؛ إذ قدموا تقديرات صريحة للموقف حيال الأزمة، وقال بن سليّم، إن شركته ستتابع العمل في المشاريع كافة التي بدأت بها، غير أنها ستؤجل القيام بمشاريع جديدة، بينها برج عملاق بطول كيلومتر، كان من المقرر أن يتجاوز ارتفاعه برج دبي.

وأضاف بن سليِّم، الذي يدير أيضا شركة «نخيل» العقارية، التي استغنت عن 15 في المئة من القوة العاملة لديها: «كل ما لا يمكن تمويله حاليا سيصار إلى تأجيله».

أما في السعودية، فتظل الأجواء تميل إلى التوسع الاقتصادي، فبعد ستة أعوام من جمع الفوائض المالية، تقوم المملكة حاليا بالإنفاق بسخاء على التعليم، وكذلك على الصحة والسياحة، ويسعى الأمير سلطان إلى جذب أكبر قدر ممكن من الأموال التي ينفقها السعوديون على السياحة في الخارج كل عام، والتي تقدّر بـ 15 مليار دولار.

كما تقوم الرياض بالاستثمار في مجال البنية التحتية، ومع تزايد سكان البلاد الذين تجاوز عددهم 28 مليون شخص، تخطط السعودية إلى بناء 22 مطارا محليا ودوليا، وذلك بالتزامن مع مشاريع بناء أربع مدن اقتصادية جديدة.

وخلال المؤتمر أيضا، تحدث الخبير الاقتصادي لدى مصرف ستاندرد شارترد، ماريوس ماراثيفتيس، الذي قال إن الشرق الأوسط «أكثر مناطق العالم مرونة»، متوقعا أن تتمكن المنطقة من النمو بنسبة واحد في المئة هذا العام، في حين سيسيطر الانكماش على العالم.

وقد سنحت لي خلال وجودي في دبي فرصة مراقبة الوضع الاقتصادي في البلاد، بالتزامن مع حلول فصل الصيف بحره الشديد، وقد سمعت مجموعة من المحامين وهم يقولون، إن شركتهم في وضع جيد لهذا العام، لكنها قد تفشل في الاستمرار إذا استمر تدهور الأوضاع في العام 2010.

ولسوء الحظ، فإن هذا الأمر هو الحقيقة بعينها؛ لأن دبي ما تزال في قلب المعركة، ولا يبدو أن السنة المقبلة ستكون أفضل من هذه السنة، مع الشح الموجود على صعيد تقديم القروض في الأسواق الدولية، وحلول مواعيد سداد الديون للشركات في الخريف المقبل.

وقد سبق لعدد من المسئولين الحكوميين أن عبروا عن ثقتهم في أن مبلغ العشرة مليارات دولار التي حصلت دبي عليها جراء طرح سندات، ستُنفق بشكل جيد، وقد كان لسلطان بن سليِّم موقف مماثل ومتفائل حيال وضع شركة «دبي العالمية»، التي تحتاج إلى إعادة تمويل ديون بمبلغ 4.5 مليارات دولار العام المقبل.

من جهته، يبدو المدير التنفيذي «لمجموعة جميرا» الفندقية، جيرالد لوليس، واثقا من قدرة المنطقة على مواجهة الأزمات، ويرى أن دبي تدرك الواقع الاقتصادي الذي تعيشه حاليا، لكنها تعرف أيضا أنه كان من الممكن أن تتدهور الأمور أكثر من ذلك.

وعلى غرار الكثير من كبار العاملين في القطاع الفندقي، يحاول لوليس التعاون مع شركات الطيران، مثل «طيران الإمارات» لتنشيط العمل في مؤسسته، وهو يؤكد أن نسبة الحجوزات في غرف فنادق المجموعة كانت 97 في المئة خلال أبريل/ نيسان الماضي، لكن أسعار الغرف تراجعت 20 في المئة خلال الربع الأول من 2009.

ولدى «مجموعة جميرا»، التي تدير أيضا فندق «برج العرب»، خططا طموحة للتوسع، بينها ستة فنادق في الصين، جرى تأجيل بدء العمل بها حتى ربيع أو صيف العام المقبل، علما بأن لوليس يؤكد عزم المجموعة وضع 60 مصرفا تحت إدارتها بحلول العام 2012.

وبعد انتهاء المؤتمر، خرجت للنزهة في منطقة «الممشى» على شاطئ جميرا، والتي تمتلك إطلالة رائعة وعصرية على مياه الخليج، وتحيط بها المطاعم والمحلات، وقد وجدت الكثير من المتسوقين الذين كانوا يواصلون الإنفاق، لكن بصورة أكثر عقلانية مقارنة بالعام الماضي.

وخلال سيري، رأيت رافعة عملاقة تقوم بهدم منشأة قديمة تمهيدا لوضع أسس بناء جديد مكانها، وأعتقد أن هذا المشهد يشكل انبعاثا جديدا للحياة في هذه المدينة، التي كانت على عجلة من أمرها، للسير قدما خلال العقدين الماضيين، غير أنها قررت الاستراحة لبرهة لمراقبة تفتح أزهار الانتعاش مجددا في رمال الصحراء.

العدد 2439 - الأحد 10 مايو 2009م الموافق 15 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً