العدد 2502 - الأحد 12 يوليو 2009م الموافق 19 رجب 1430هـ

6 - قيامهم بالعمليات الثقافية:

تبين لنا من مراجعة مصادر دراسة التراث الثقافي عند علماء الدين سواء كانت مكتوبة بأقلام علماء بحرينيين أو بأقلام علماء غير بحرينيين أن هناك إشارات عن قيام علماء بربورة (أسوة بعلماء البحرين قاطبة) بعمليات ثقافية يحتاجها المجتمع البربوري في فترة نموه الطبيعي، وقد أثروا حركته الاجتماعية بأنشطة ثقافية مألوفة في حياة العلماء وسيرتهم الذاتية، وتؤدي وظائف تقدمية في إحداث حراك اجتماعي للناس نحو الأفضل.

وهذه الأنشطة هي عمليات ثقافية مؤثرة ومتطلبات تربوية لنمو المجتمع في بربورة الذي كان يمر بظروف تقليدية أسوة بأشقائه في مجتمعات القرى البحرينية، ومن هذه العمليات التي مارسوها نسخ الكتب وكتابة المخطوطات باليد، وتأليف الكتب والرسائل، وممارسة الخطابة الدينية في مآتم بربورة، والتدريس وعقد الحلقات التعليمية بمساجدها، وإفتاء الناس والرد على تساؤلاتهم.

ويستفاد من بعض العبارات الواردة في بعض مصادر دراسة التراث الثقافي عند الإمامية في البحرين أنهم تعلموا وعلّموا، ولتحقيق هذا الطلب تنقلوا داخليا من قرية إلى أخرى كما فعل الشيخ عبدالله بن الحسين بن أحمد بن جعفر البربوري البحراني، وهاجرت أسرة بربورية كما تقدمت الإشارة إلى بلاد بعيدة من أجل ممارسة وظائفها الثقافية كهجرة علماء أسرة الربعي التي رحلت إلى شاهجهان بالهند، وقد وجدت نفسها في الغربة تعيش مرارته من دون رغبة فيه.

ويذكر الطهراني أن الشيخ سليمان بن علي بن جعفر الربعي تتلمذ على يد أخيه الشيخ يوسف بن علي بن جعفر الربعي البربوري البحراني، ودرس منه علوم الشريعة وما يتصل بها من علوم عقلية (الطهراني طبقات أعلام الشيعة، ج6).

كما أن الشيخ يوسف بن الشيخ علي بن جعفر الربعي كان فقيها وأستاذا لعدد من أفراد أسرته وخاصة أخيه الشيخ سليمان وابن أخيه الشيخ ناصر بن أحمد بن علي بن جعفر الربعي البربوري البحراني، وكذلك أفراد هذه الأسرة العلمائية.


7 - إفتاء الناس والرد على تساؤلاتهم:

إذا كان علماء بربورة وأعلامها العشرة المذكورين في هذا البحث قد مارسوا عمليات ثقافية متنوعة كحلقات التدريس وتأليف الكتب فإنهم - بكل تأكيد - بلغوا مستويات من العلم تسمح لهم بالردود على تساؤلات الناس والمساهمة في حل مشكلاتهم الفقهية اللازمة لحياتهم وانتظامها، وتدل بصماتهم الثقافية كعمليات التدريس والتأليف وشرح الكتب ونسخها، وتحصيل الإجازة العلمية كما في حياة الشيخ عبدالله البربوري الذي حصل على إجازة علمية متوسطة من شيخه محمد بن الشيخ علي بن الشيخ عبدالنبي المقابي البحراني بتاريخ 17 ذي القعدة سنة 1147هجرية كما ذهب إلى ذلك الأستاذ عبدالعزيز العرادي وكما أشار كتاب "موسوعة طبقات الفقهاء، ج12" الذي أصدرته اللجنة العلمية في قم المقدسة بإشراف العلامة الشيخ جعفر السبحاني.

وهذا المستوى يؤهلهم للردود على أسئلة الناس في مجال تخصصاتهم الدينية وبعض العلوم العقلية السائدة في عصرهم كما جاء في ترجمة الشيخ جعفر البربوري البحراني أنه رضوان الله عليه له مراسلات مع جلال الدين أبو المعالي الشيخ عبدالرؤوف الجد حفصي، ولدى الشيخ جعفر ردود من الأجوبة على تساؤلات الناس، فالمراسلات بوجه عام تحمل أفكارا عامة قد يكون بعضها في صيغة تساؤلات وإجابات أو اهتماما بقضايا دينية وتاريخية وأدبية.


8 -الخطابة:

على الرغم من عدم حصولنا على إشارات مؤكدة من مصادر محددة في هذا الشأن، فالمألوف أن علماء الدين في البحرين وخارجها يتصدون عادة لممارسة الخطابة أمام الناس سواء في مناسبات دينية كالأعياد وخطب أيام الجمع أو في أيام دائمة كما في المساجد والمآتم الحسينية، فالخطابة إحدى وظائفهم الأساسية في توعية المجتمع ونشر قيم الدين وتمكين تعاليمه من النفاذ لعقول الناس، ونحن لا نستبعد علماء بربورة بالتأكيد من القيام بهذه المسئولية الشرعية الاجتماعية حتى وإنْ لم تأتِ مصادر التراجم لعلماء البحرين بأية إشارة من هذا القبيل، فهم ليسوا استثناء من مجموعة علماء الدين، فالمجتمع البربوري احتاج لهم ولخطابهم، ولأن دينهم أمرهم كذلك بهذا التكليف الشرعي، ولم يكتب الشيخ علي بن عبدالله بن حسين البربوري مخطوطته في وفاة النبي (يحي بن زكريا) عليهما السلام إلاَّ لمساعدة الخطباء على أداء وظيفتهم الخطابية للناس ولا سيما في المناسبة الدينية المخصوصة بمصرعه عليه السلام على أيدي جند أحد طغاة اليهود، وفعلا فإن أحد الذين نسخوا بخط أيديهم هذه المخطوطة هو من خطباء المنبر الحسيني وهو الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف النويدري البحراني، وكان كما عرفته شخصيا في صغري يتألق في الخطابة بهذه المناسبة.


الأساليب التربوية - الثقافية في حياة علماء بربورة:

تمثل أساليب التعلم والتعليم أحد ملامح الفكر التربوي لعلماء بربورة، فلا يمكن تشكيل هذا الفكر وتجسيده من دون دمج هذه الأساليب مع العمليات الثقافية التي سادت البيئة التربوية في بربورة وفي خارجها على يد علمائها الأبرار، فهذه الأساليب متشابهة إلى حد كبير مع ما كان يسود آنذاك البيئة التعليمية لدى المسلمين في البحرين وفي خارجها، فالمعتاد أن يلجأ علماء الإسلام إلى استخدام أساليب سليمة لتربية الخبرات التربوية وتنميتها وصقلها في الحياة الشخصية والاجتماعية للناس.

ولم يستطع علماء بربورة - بمنطق الضرورة الاجتماعية - سوى الاندماج مع أنماط البيئة التربوية العربية والإسلامية، وشروطها وأساليبها في عمليات التعلم والتعليم والفعاليات الثقافية القائمة في المناخ النفسي والعقلي السائد في هذه البيئة، فمناخ البحرين الثقافي والروحي والنفسي يعج بحركة العلم والعلماء، ويقدم بين حين وآخر مشاهد لنهضة ثقافية وفقهية رائعة لم تعرفها المنطقة من قبل، ومن الاستحالة بمكان أن يعزل أهالي بربورة عن أجواء نهضة بلادهم فانطلقوا، كما انطلق كثير من أبناء البحرين في قرى عديدة، للتفاعل مع مثيرات الحركة العلمية التي شهدتها بلادهم على الرغم من تحديات جمة واجهتهم كحملات الغزو الأجنبية والإقليمية المتكررة، وكون البحرين جزيرة يتم الوصول إليها عن طريق البحر، وعدد السكان القاطنين فيها قلائل، وربما ضعف مواردها الاقتصادية عدا مغاصات اللؤلؤ ومزارع النخيل وصيد الأسماك والعمل في مهن وحرف يدوية.

ويمكننا القول إنَّ بعض أساليبهم في إدارة عمليات التعليم والتعلم هي كما يأتي:

1 - القراءة على يد شيخ أو ملازمته كما حدث للشيخ عبدالله بن حسين البربوري ولأفراد الأسرة العلمية البربورية في الهند.

2 - المراسلات والمكاتبات كما في مراسلات الشيخ جعفر البربوري مع الشيخ عبدالرؤوف الجدحفصي.

3 - تحصيل المعرفة بالقراءات الذاتية التي يعتبرها العلماء إحدى طرائقهم الأساسية في التحصيل الدراسي وتكوينهم الثقافي.

4 - استخدام طريقة طرح الأسئلة والرد عليها.

5 - نسخ الكتب وإعادة كتابة المخطوطات.

6 - التعليم الفردي أو التلمذة الفردية كما في تتلمذ الشيخ علي البربوري الأوالي على يد أبيه الشيخ عبدالله بن الحسين بن أحمد بن جعفر البربوري البحراني، وقد ابتدأت بتلمذة منزلية ثم في المسجد أو في بعض الحوزات العلمية.

7 - الرحلة العلمية كما في رحلة الأسرة العلمية البربورية إلى العراق فالهند ورحلة الشيخ عبد الله البربوري البحراني لقريتي "مقابة والبلاد القديم".

8 - الإجازة في الرواية عن غيرهم من العلماء كإجازة الشيخ محمد بن علي بن عبدالنبي المقابي للشيخ عبدالله بن حسين البربوري البحراني سنة 1147 هجرية.

9 - استخدام الأدعية وقراءتها وشرح مضامينها.

10 - الالتحاق بالحلقات التعليمية كانضمام الشيخ عبدالله بن حسين البربوري لحلقات الشيخ المقابي والشيخ البلادي، وكذلك انضمام أسرة الشيخ علي بن جعفر الربعي لحلقته التدريسية الخاصة التي تستقبل طلبة علم آخرين.


مصادر المقال.

1 - لوريمر، دليل الخليج، ج 1، ص 273.

2 - الشيخ جعفر السبحاني، موسوعة طبقات الفقهاء، ج 12، صفحات 44، 45، 302، 303.

3 - الآغا بزرك الطهراني، طبقات أعلام الشيعة، ج 6، صفحات عديدة.

4 - الآغا بزرك الطهراني، الذريعة في تصانيف الشريعة، ج9، صفحات عديدة.

5 - يوسف مدن، بربورة وشهادة التاريخ، غير منشور.

6 - مخطوطات بعض علماء بربورة ومنها:

أ‌- مخطوطة الشيخ ناصر البربوري البحراني (رسالته في فقه الحج).

ب‌- مخطوطة الشيخ علي بن عبد الله بن الشيخ حسين بن أحمد البربوري الأوالي البحراني.

7 - مخطوطات منسوخة بأيدي نساخين من أبناء بربورة والنويدرات، وهي محفوظة بيد بعض الأهالي.

8- موقع "منتدى النويدرات" الإلكتروني.


بعض الوثائق التاريخية للبحث:

وتتضمن عددا من الوثائق :

- خريطة جزء من الشريط الشرقي لجزيرة البحرين تتضمن موقع بربورة والنويدرات المتجاورتين (انظر الحلقة الأولى).

- صفحة رقم 12 من مقدمة مخطوطة الشيخ ناصر بن عبدالله بن ناصر البربوري البحراني وهي "رسالة في فقه الحج وأحكامه".

العدد 2502 - الأحد 12 يوليو 2009م الموافق 19 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً